كيف وصل "مصحف عثمان" إلى مصر؟
رحلة تاريخية مرّ بها "مصحف عثمان" حتى وصل إلى مصر تجدر الإشارة لها مع احتفال مصر بترميمه أخيراً وعرضه بدار الكتب والوثائق القومية.
بعد الاحتفال بترميمه، يجدد مصحف الصحابي الجليل عثمان بن عفان قراءة التاريخ عبر تتبع رحلة وصول نسخته التي تحتفل مصر بترميمها باعتبارها نسخة المصحف الأقدم في التاريخ، خلال احتفالية نظمتها وزارة الثقافة مساء الأحد بدار الكتب والوثائق القومية بالفسطاط.
يمكن تتبع مسار وصول تلك النسخة لمصر من خلال المحطات التالية:
أثر دم
- حسب ما أورده المقريزي، في كتابه "الخطط" في جزئه الرابع، قال: ".... قد حضر إلى مصر رجل من أهل العراق وأحضر معه مصحفاً ذكر أنه مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأنه الذي كان بين يديه "يوم الدار"، وكان فيه أثر الدم، وذكر أنه استخرج من خزائن الخليفة العباسي المقتدر، ودفع المصحف إلى القاضي عبد الله بن شعيب المعروف بابن بنت وليد، فأخذه أبو بكر الخازن وجعله في الجامع، وشهره وجعل عليه خشبا منقوشا، وكان الإمام يقرأ فيه يوما، وفي مصحف أسماء بنت أبي بكر يوما، ولم يزل على ذلك إلى أن رفع هذا المصحف واقتصر على القراءة في مصحف أسماء، وذلك في أيام الخليفة الفاطمي العزيز بالله، لخمس خلون من المحرّم سنة 387 هـ (أي ظل يقرأ فيه حوالى 77 عاما).." وقد رآه المقريزي بنفسه في جامع عمرو بعد أكثر من 4 قرون وقرأ بعض الكتابات التي كانت عليه, كما أشار إلى كرامة هذا المصحف عند أهل مصر وتصديقه أنه مصحف عثمان بقوله: "...إن الناس قد جرّبوا هذا المصحف، وهو الذي على الكرسيّ الغربيّ من مصحف أسماء، أنه ما فتح قط إلّا وحدث حادث في الوجود.." أي ببركة القراءة فيه.
محمد علي باشا
بعد مئات السنين أصبح المصحف بحالة سيئة من الحفظ نظرا لطبيعة استخدامه طوال تلك القرون كما كان غير مكتمل, وهو ما حدا بمحمد علي باشا أن يأمر بترميمه, ليعكس استمرار المكانة الكبيرة للمصحف لدى المصريين في تلك الفترة, وقد كلف الناسخ محمد بن عمر الطنبولي بنسخ النص القرآني المفقود منه على الورق, وكان ذلك في عام 1246هـ/1830م كما هو مسجل على المصحف.
وبعد إنشاء دار الكتب المصرية بـ14 عاما تم نقل هذا المصحف في يوم مهيب إلى المقر القديم لدار الكتب المصرية بقصر مصطفى فاضل باشا وذلك في عام 1884م, وحفظ تحت رقم 139 مصاحف, ثم في عام 1904م انتقل هذا المصحف مرة ثانية إلى مقر دار الكتب الجديد الذي أنشئ بعد ذلك بأمر من الخديوي عباس حلمي الثاني بباب الخلق.
محطة أخيرة
وللمرة الثالثة ينتقل المصحف ليستقر أخيراً في المبنى الذي شيد لدار الكتب المصرية بكورنيش النيل وكان هذا في عام 1971.
خلال هذه المراحل المختلفة كان هناك العديد من المحاولات لترميمه إلى أن تم اتخاذ القرار للتدخل العاجل في شهر مارس آذار من عام 2011, وذلك من خلال خبراء الترميم بدار الكتب المصرية بالتعاون مع جمعية المكنز الإسلامي لترميمه ورقمنته وتصويره تصويراً عالي الجودة، حتى تم الإعلان الأحد في احتفالية خاصة عن الانتهاء من ترميم هذه النسخة التاريخية التي تعد من أقدم وأهم مقتنيات دار الكتب المصرية.