أردوغان يريد أن يقدم نفسه على أنه خليفة لأسلافه العثمانيين، ويسوّق عبر مريديه في المنطقة أن ليبيا كانت ولاية عثمانية
أعلنت تركيا، على لسان رئيسها، أنها بدأت نشر قواتها في ليبيا لدعم حكومة السرّاج.
مراقبون وصفوا خطوة أردوغان بأنها "مخاطرة ستؤدي إلى تعميق تورط تركيا في الصراع في ليبيا"، فرغم مزاعمه بأن مهام قواته هناك ستتركز على مهام "التدريب والاستشارات"، فإن هؤلاء المراقبين يعتقدون بأن أنقرة ستصبح منخرطة مباشرة في القتال الدائر هناك، وقد نكون، بعد حين لن يطول، إزاء "سوريا" أخرى في ليبيا بكل ما سيحمله ذلك من كوارث على الليبيين.
إذا استثنينا الموقف القطري، فإن الموقف الرسمي العربي يقف ضد التدخل العسكري التركي في ليبيا، حيث تدرك الدول العربية مخاطره، وفي مقدمتها مصر التي تملك حدوداً واسعة مع الأراضي الليبية، تشكل بوابات لتسرب العناصر الإرهابية المدعومة من تركيا وأذرعها إلى مصر لارتكاب جرائمها ضد الأمن القومي المصري.
وإلى ذلك، يحظى الجنرال حفتر بتأييد عربي، كما يملك علاقات لم تعد سرية مع كل من روسيا وفرنسا، ولا يوفر حلف "الناتو"، وتركيا عضو فيه، الغطاء الذي يحتاج إليه أردوغان لمغامرته في ليبيا.
أكثر من أي وقت مضى تزداد الحاجة لخلق وعي عربي شامل بمخاطر النسخة الجديدة من العثمانية، التي تبدت في سوريا وها هي تنتقل إلى ليبيا
للتدخل العسكري التركي في ليبيا أبعاد لن تقف عند حدودها، فأردوغان يسعى لبلوغ ما لم يتمكن منه في عامي 2011 و2012 بتمكين جماعة "الإخوان المسلمين" من السلطة في مصر وسوريا وما سواهما من بلدان عربية، وغايته أن يجعل من ليبيا منصة استراتيجية لتحركه في اتجاهات مختلفة.
ثمة تقارير عن نقل مجموعات من مسلحي "داعش" و"القاعدة" من سوريا إلى ليبيا، سلط عليها الضوء عند زيارة أردوغان لتونس، وسعيه لتوريطها في خططه، معولاً على نفوذ حلفائه في حركة "النهضة"، وثمة ترحيب إخواني واسع بالعدوان التركي على ليبيا يفضح تعويل الجماعة عليه، وهي إشارات إلى المخاطر الكبيرة على أمن الدول العربية المجاورة وفي مقدمتها مصر، ما يشكل تهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.
يريد أردوغان أن يقدم نفسه على أنه خليفة لأسلافه العثمانيين، ويسوّق عبر مريديه في المنطقة أن ليبيا كانت ولاية عثمانية، وما يقال عن ليبيا يقال عن بلدان عربية أخرى، كأنه يحسب أن العرب نسوا الفظائع التي ارتكبها العثمانيون طوال حكمهم للأراضي العربية، والتضحيات الكبيرة التي قدّمها العرب في سبيل الخلاص منهم، والتحالفات التي دخلوا فيها في سبيل أن يستعيدوا السيادة على بلادهم من الهيمنة العثمانية البغيضة.
أكثر من أي وقت مضى تزداد الحاجة لخلق وعي عربي شامل بمخاطر النسخة الجديدة من العثمانية، التي تبدت في سوريا وها هي تنتقل إلى ليبيا.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة