كنيسة "سيدة الساعة" بالموصل.. عندما أوقفت "عقارب الإرهاب" أصوات الأجراس
في مشهد بدا صارخاً بحجم الفاجعة وهول الكارثة العمرانية والتاريخية، ظهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتجول في فناء كنيسة "سيدة الساعة"، عند مدينة الموصل القديمة التي لم يتبق منها سوى أطلال رغم مرور سنوات على تدميرها من قبل تنظيم داعش.
كتب على جدرانها وبرجها السامق أن يكون ضحية بامتياز كون الحي الذي تقع فيه الكنيسة كان في قلب المعارك التي دارت في الموصل قبل نحو 6 أعوام، حيث المدينة القديمة العائمة على الآثار والغاطسة في التاريخ.
وفيما حضر ماكرون برفقة وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، عند مداخل الكنيسة في الحي القديم، كان هنالك جمع ينتظر وعيون تتطلع أن ترفع تلك الزيارة معاناة حطام وليل طويل ما زال يطبق على كنائس الموصل ومدنها المتكومة.
ورغم تحرير نينوى ومركزها الموصل من سطوة تنظيم داعش خلال معارك شرسة استمرت قرابة الـ3 سنوات، إلا أن حجم الدمار الذي خرجت به المدينة كان كارثياً وغير قابل للوصف.
وكان تنظيم داعش أقدم عند صبيحة الـ25 من أبريل/نيسان عام 2016، على نسف الكنيسة "سيدة الساعة"، قبل أن يخلي البيوت المجاورة لها من ساكنيها.
وتقع كنيسه الساعة في قلب المدينة القديمة في الموصل، على ملتقى تقاطع شارعين رئيسيين من النسيج التاريخي الحضري.
تم بناء هذه الكنيسة في أواخر القرن التاسع عشر وهي تعتبر من أهم المعالم المشهورة في مدينه الموصل.
وتعتبر مركزا لكثير من النشاطات الروحية والتراثية والثقافية والتعليمية، وكانت أكبر مثال حي في دورها الفعال في توحيد العلاقات الأخوية بين الموصليين، وتزويدهم بالتعاليم الدينية والثقافية والاجتماعية.
ورغم الجهود المبذولة من قبل السلطات الحكومية لرفع آثار الحرب عن المدن المحررة وخصوصا مدينة الموصل ومبانيها الأثرية، إلا أن العمليات ما تزال تسير ببطء شديد.
في الثاني من مطلع شهر أغسطس الحالي، وللمرة الأولى منذ أكثر من سبع سنوات، قاد القس الدومينيكاني أوليفير بوكويلون، احتفالاً بإقامة أول قداس في كنيسة الساعة للآباء الدومينيكان .
وتعد الموصل مدينة للتعايش تضم مختلف الأقليات والطوائف والعديد من الأعراق الدينية إلا أن ذلك بدأ بالتغير والانحسار ما بعد 2003، وزاد أثراً عقب أحداث تنظيم داعش وسيطرته عليها.
وعلى الرغم من مرور أربع سنوات منذ تحرير الموصل، فإن كثيرا من هذه الطوائف لم تعد ترى ذلك الوضع المستقر والآمن في المدينة الذي يشجعهم للرجوع، وليس لديهم حافز لفعل ذلك بينما خطوات إعادة الإعمار ما زالت معدومة.
يقول القس بوكويلون في تصريحات سابقة إنه "في العام 2003 كانت كنيسة الساعة تمتلئ بالمصلين كل أحد، حتى إن كثيرا منهم يضطر للوقوف خارج القاعة لعدم وجود مكان، أما الآن فإن عدد الزائرين في كل كنائس الموصل لا يتجاوز 5 إلى 70 عائلة".
وكانت منظمة اليونسكو، أعلنت في أبريل/ نيسان 2020، أنها ستبدأ بالتعاون مع السلطات المسؤولة وبموافقة رسمية من رعية الدومينيكان، بمشروع إعادة ترميم كنيسه الساعة في الموصل.
وأكدت أن المشروع سيشمل جميع مراحل إحياء/إعادة الترميم (تهيئة المنطقة، مسح أولي للتصميم التفصيلي المعّد، والقيام بالتنفيذ العملي للمشروع)، مما سيتيح من خلال المشاركة في هذا العمل فرص عمل مميزه للمحترفين والحرفيين في مجال التراث المحلي، وسيتم عن كثب دمج التنفيذ العملي لهذا المكون مع برامج بناء القدرات المتوقعة في إطار هذا المشروع.
وتضمن مشروع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة بادرة من دولة الإمارات العربية المتحدة، للتكفل بترميم وإعادة بناء وإعمار العديد من الكنائس والأديرة والمواقع الأثرية الدينية المسيحية، الضاربة في عمق التاريخ.
وفي ذلك الصدد، يقول القس بوكويلون "قبلنا المنحة التي قدمتها الإمارات لليونسكو لإعادة إعمار كنيستنا ليس لسبب أن الكنيسة ستمتلئ بعدها بالناس، بل لأنها فرصة لإعادة بناء الثقة بين الناس والمجتمعات".
وكان المنسق الإعلامي لزيارة البابا فرانسيس التاريخية إلى العراق، في مارس/آذار، زين أنور قد قدم الشكر والعرفان، لدولة الإمارات على تكفلها بتمويل مشاريع إعادة إعمار وبناء وترميم وتجديد مختلف المعالم التاريخية المسيحية الدينية والروحية والثقافية في الموصل.