تحديات خطيرة وأزمة شرعية.. ماذا تعني نتائج الانتخابات الباكستانية؟
«الوطن في حاجة إلى أيدٍ آمنة للخروج من سياسة الفوضى والاستقطاب» تصريحات لقائد الجيش الباكستاني، كشفت عن أزمة عميقة في البلد الآسيوي، الذي خرج لتوه من انتخابات لم تفلح وضع حد للاضطرابات السياسية.
ووسط حالة من العنف اجتاحت باكستان طالب قائد الجيش سيد عاصم منير جميع الأحزاب السياسية بإظهار النضج السياسي والوحدة.
وعلى الرغم من تعرّض حركة الإنصاف الباكستانية، بزعامة عمران خان المسجون حالياً، لقمع شديد فإنّ أداء المرشحين المستقلين الذين دعمتهم فاق التوقّعات.
وحصل هؤلاء المرشحون الذين قدّموا أنفسهم كمستقلّين بعدما منعت الحركة من خوض الانتخابات، على 100 مقعد على الأقل (من بينها 89 مقعداً لموالين لخان)، وفقاً لتعداد للأصوات صباح السبت.
وبذلك، يتقدّم المدعومون من حزب خان على حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية بزعامة نواز شريف الذي فاز بـ73 مقعداً، وحلّ حزب الشعب الباكستاني بزعامة بيلاوال بوتو زرداري في المركز الثالث، محقّقاً أداء أفضل من المتوقع بحصوله على 54 مقعداً.
ونشر حزب رئيس الوزراء السابق صباح السبت مقطع فيديو تم إنتاجه بواسطة الذكاء الاصطناعي، ظهر فيه وهو يعلن النصر. ويُظهر هذا الفيديو خان وهو يقول «أهنّئكم جميعاً بالفوز في انتخابات 2024»، مشيراً إلى أنّه «وفقاً لمصادر مستقلّة، فزنا بـ150 مقعداً في الجمعية الوطنية قبل أن يبدأ التلاعب (بالانتخابات)». ويبقى 13 مقعداً من أصل 266 مقعداً لم تُحسم نتيجتها بعد.
وفي حال فشلت الكتل الثلاث في الحصول على غالبية مطلقة، ينبغي على الفائز أن ينسج تحالفات، ما يعني أنّ كلّ الخيارات تبقى مفتوحة بالنسبة إلى تشكيل هذا الائتلاف، ولا تزال الرابطة الاسلامية الباكستانية في الموقع الأفضل للقيام بذلك.
من جهتها، فازت الأحزاب الصغيرة بـ27 مقعداً، من بينها 17 مقعداً للحركة القومية المتحدة. وإذا انضمّ نواب هذه الأحزاب إلى المستقلّين من الممكن أن يحصلوا على حصّة من المقاعد السبعين المخصّصة للنساء والأقليات الدينية، والتي تمّ تخصيصها بشكل تناسبي على أساس نتائج سابقة.
ماذا تعني تلك النتائج؟
تقول صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير لها، إن حصول حزب عمران خان، رئيس الوزراء السابق المسجون، على أكبر عدد من المقاعد، خلق أزمة سياسية، ووجه توبيخا قويا للجنرالات الأقوياء في البلاد، وألقى بالنظام السياسي في حالة من الفوضى.
وقال محللون إنه بينما كان القادة العسكريون يأملون أن تضع الانتخابات حداً للاضطرابات السياسية التي استهلكت البلاد منذ الإطاحة بخان في عام 2022، إلا أنها بدلاً من ذلك أغرقتها في أزمة أعمق.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه لم يحدث من قبل في تاريخ البلاد أن شهد أي سياسي مثل هذا النجاح في انتخابات دون دعم الجنرالات، ناهيك عن مواجهة قبضتهم الحديدية.
وقال قادة حزب خان إنهم يعتزمون تقديم طعن أمام المحكمة في عشرات اللجان التي يعتقدون أن الجيش قد زورها، وقالوا إنهم سيحثون أتباعهم على تنظيم احتجاجات سلمية إذا لم يتم نشر النتائج المتبقية بحلول يوم الأحد.
ومثّل نجاح حزب خان مفاجأة في الانتخابات، التي اعتقد الجيش أنها ستكون نصراً سهلاً لرئيس الوزراء السابق شريف، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن نتائج الانتخابات أكدت أن خان لا يزال يمثل قوة هائلة في السياسة الباكستانية.
قلب القواعد
فـ«نجاح حزب خان قلب قواعد اللعبة السياسية التي استمرت لعقود من الزمن التي تحكم باكستان، الدولة المسلحة نووياً التي يبلغ عدد سكانها 240 مليون نسمة»، تقول «نيويورك تايمز»، مشيرة إلى أنه طوال تلك السنوات كان الجيش يمارس السلطة المطلقة، ويوجه سياساته خلف ستار، فيما لم يصل القادة المدنيون إلى السلطة إلا بدعم منه.
إلا أن التصويت أظهر -أيضاً- أن استراتيجية خان المتمثلة في الدعوة إلى الإصلاح ومهاجمة الجيش لاقت صدى عميقاً لدى الباكستانيين -خاصة الشباب- الذين أصيبوا بخيبة أمل في النظام السياسي، حسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه أثبت -كذلك- أن قاعدة أنصاره الموالين كانت على ما يبدو محصنة ضد التكتيكات القديمة التي اتبعها الجيش لإحباط معنويات الناخبين، بما في ذلك اعتقال المؤيدين وإصدار أحكام بالسجن لفترات طويلة على قادتهم السياسيين قبل أيام من التصويت.
وحُكم على خان، نجم الكريكيت السابق الذي تحول إلى سياسي شعبوي، بالسجن لمدة 34 عاما بعد إدانته في أربع قضايا منفصلة بتهم شملت تسريب أسرار الدولة والزواج غير القانوني، والتي وصفها بأنها ذات دوافع سياسية.
تكتيك قديم
ويقول محللون إن ثلاثة من هذه الأحكام صدرت قبل أيام قليلة من التصويت، وهو تكتيك قديم يستخدمه الجيش، لكن التقديرات الأولية تظهر أن نحو 48% من الناخبين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات، وفقا لشبكة الانتخابات الحرة والنزيهة، وهي منظمة تضم جماعات المجتمع المدني.
وقالت المنظمة إن نسبة إقبال الناخبين في الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين في البلاد بلغت نحو 50%.
وقال زاهد حسين، المحلل المقيم في إسلام أباد، إن النتائج كانت «تصويتا مناهضا للمؤسسة العسكرية، وأيضا تصويتا ضد الوضع الراهن، وضد الحزبين السياسيين الرئيسيين الآخرين اللذين يحكمان البلاد وسياساتهما الأسرية».
وعلى الرغم من تأخره في استطلاعات الرأي، ألقى شريف يوم الجمعة خطاب النصر أمام حشد من أنصار حزبه، كما دعا الأحزاب الأخرى للانضمام إليه في تشكيل حكومة ائتلافية.
تحديات خطيرة
لكن أي ائتلاف يتمكن شريف من تشكيله سيواجه تحديات سياسية خطيرة، فالحكومة الائتلافية بقيادة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية لم تحظ بشعبية كبيرة بعد الإطاحة بخان، وباتت على الدوام موضع انتقاد لفشلها في معالجة الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد.
ومن المرجح أيضاً أن تواجه الحكومة المقبلة أزمة شرعية خطيرة، خاصة أن هناك انتقادات صاحبت الانتخابات التي جرت يوم الخميس، باعتبارها واحدة من أقل الانتخابات مصداقية في تاريخ البلاد.
وأدى التأخير في نشر نتائج الانتخابات إلى مزاعم واسعة النطاق بأن الجيش تلاعب في فرز الأصوات، لترجيح الكفة لصالح حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية.