"أطباق" غزة ضد طائرات الاحتلال.. الورق يواجه الحديد
![مواجهة بين طائرة مُسيرة إسرائيلية وأخرى ورقية فلسطينية](https://cdn.al-ain.com/lg/images/2018/5/13/61-145922-palatine-israel-occupation-gaza_700x400.jpeg)
الطائرات الورقية الفلسطينية تحولت من وظيفتها الترفيهية بيد الأطفال إلى أداة ووسيلة للمقاومة الشعبية
طائرتان في سماء غزة، الأولى من ورق وخيط، والثانية مسيَّرة بأحدث أنواع التكنولوجيا العصرية، معدة للتدمير ومحملة بالقنابل والبارود، في نزال غير متكافئ بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي بشرق القطاع.
أصحاب الطائرة الأولى يخترعون وسائل مقاومتهم بشعبية بريئة ويطلقون عليها "الأطباق الورقية"، لكي يوصلوا رسائلهم للعالم، وأصحاب الطائرة الثانية، يدفعهم الرعب، لخلق مواجهة دموية، وتسليط الضوء على معاناتهم المزيفة بفعلٍ أراده المحاصرون في قطاع غزة، أن يكون تعبيراً لا تدمير فيه.
مروان الذي حاول أن يدفع طائرته الى ما بعد الخط الفاصل، لتصل الحقول الإسرائيلية، اجتهد في التصدي لطائرة الاحتلال المسيرّة عن بعد، بعدة من قطع خيوط ومواد أولية تقليدية، وتعامل مع المواجهة بذكاء، حين أوعز لصديقه أحمد أن يطلق الطائرة الورقية غير المحملة بالوقود، لكي تواجه أخرى مدججة بالتكنولوجيا، لتفلت طائرته الحارقة، وهذا ما تم فعلا، ونجح الأخير بتضليل الطائرة المسيّرة، وتمرير طائرة الأول لتحرق أرضاً على بعد كيلو متر واحد شرق الخط الفاصل للقطاع.
إذا سقطت أحرقت
مروان كان واثقاً أن طائرته الورقية، ستطير في السماء، ولكنه لم يكن يدرك أنها تصنع مرحلة جديدة من "الصراع الجوي"، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، و تطويرها ممكن، لدرجة أن تحمّل بالمواد الحارقة، لتتحول من طبق مكون من قصب ناشف، ونايلون مزركش وخيوط وذيل طويل، يلهو به الأطفال مطلع كل صيف؛ إلى طائرة مقاومة مؤثرة إذا سقطت أحرقت.
مروان ومعه شباب وزملاؤه، حاولوا أن يدخلوا إلى مسيرة العودة الكبرى، في أسبوعها الثالث، من حيث أرادوا، بفكرة بسيطة، وغير مكلفة كما يقول لـ (العين الإخبارية) وفي نفس الوقت يمكن تنفيذها من مكانٍ آمنٍ، ومن خلف ستار ترابي، يقيهم رصاص القناصة.
يتحدث مروان لـ"العين الإخبارية" عن لحظة اصطياد فكرة الطائرات الورقية ويقول: "لمعت الفكرة برأسي حينما مررت بجانب صبي يصنع طائرة ورقية أمام منزله، استعدادا لتطييرها في الهواء، ثم اختمرت الفكرة في رأسي أثناء عودتي من الحدود الشرقية لقطاع غزة، حيث كنت مشاركاً في مسيرة العودة، وغبار المشاركة لايزال على وجهي وثيابي، ناقشت المشروع مع بعض أصدقائي، واتفقنا على تشكيل أول مجموعة للقوى الجوية الفلسطينية".
عزيمة في مواجهة الحديد
بينما الطائرات الورقية لشبان غزة تشق السماء، لتصل أرضاً احتلها الإسرائيليون عام 1948، تطاردها طائرات الاحتلال المسلحة بالغاز السام، والمدعومة بقناصة خلف التلال، وفوق الأبراج العسكرية العالية، وطائرات مزودة بالكاميرات، لتحديد الفاعلين الفلسطينيين، واصطيادهم وقت الضرورة، ولكن السماء المفتوحة للجميع يزيد فضاؤها مواجهة من نوع جديد، بين ورق هشّ وخيوط واهية، وبين طائرات مكلفة جداً ومزودة بأحداث أنواع الأسلحة، هيكلها حديد وبطنها متفجرات وغاز سام.
هذه المواجهة تتفاعل كما يقول أحمد لـ"العين الإخبارية" وستتواصل، حتى تحقيق أهداف مسيرة العودة التي انطلقت في الثلاثين من الشهر الماضي.
واعتبر وليد العوض عضو المجلس الوطني الفلسطيني في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن الطائرات الورقية الحارقة التي ابتدعها شباب قطاع غزة، جعلت كلفة الاحتلال غالية، ولم يعد حصاره لقطاع غزة بدون ثمن.
وأضاف أن "سماء غزة تشهد هذه الأيام مواجهة غير متكافئة من حيث القوة، فالطيران الإسرائيلي متطور وحديث وإمكانياته واسعة وقادرة، ولكن الطائرات الورقية الفلسطينية متواضعة، وهي بالأصل تستخدم للترفيه واللعب، ولكنها اليوم انتقلت لتخلق توازن رعب مع العدو".
وطالب العوض استثمار هذه الطاقة الشبابية ودعمها والبناء عليها جيداً، وتركها تتطور بعفوية، لأنها أصبحت وسيلة هامة من وسائل المقاومة الشعبية.
الإسرائيليون أصبحوا يتعاملون مع الطائرات الورقية، كتهديد حقيقي لأمنهم، ولأجل ذلك، لم يدخروا قوة في سبيل مواجهة الظاهرة الجديدة، فيقول ضابط في جيش الاحتلال للقناة الثانية العبرية: "ستتم مواجهة الطائرات الورقية من خلال تركيب عدسة على بنادق القناصة لإصابتها وهي في الجو، حيث تعتمد العدسة على منظومة مطلق النار الذكي، وتصيب الهدف على بعد 100 متر جواً".
وتحولت الطائرات الورقية الفلسطينية، إذن من وظيفتها الترفيهية بيد الأطفال إلى أداة ووسيلة للمقاومة الشعبية، وبدخولها مجال المواجهة مع الاحتلال، تكون السماء ميدانا هاما لكلا الطرفين، وإن كانت الإمكانيات الإسرائيلية، تحسم المحاولات الفلسطينية، بشكل عنيف ودموي أحياناً.
لذالك يطالب ياسين العمور وهو من المنطقة الجنوبية لقطاع غزة، رجال الأعمال الفلسطينيين، والعرب بضرورة دعمهم لتطوير "سلاح الجو الجديد"، ومواصلة حركة الطائرات الورقية تجاه الأهداف الإسرائيلية، في النزال غير المتكافئ بين النايلون والقصب الناشف والخيوط، وبين الأسلحة المدمرة والغازات السامة.