خزاعة.. بلدة فلسطينية تنتزع التميز من وسط الدمار
"البلدة المنكوبة" تنجح في تصدر مؤشر الحوكمة الرشيدة على مستوى البلديات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
من وسط الدمار انتزعت بلدية خزاعة المرتبة الأولى في مؤشر الحوكمة الرشيدة على مستوى البلديات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، متفوقة على 80 هيئة محلية، في إنجاز يحسب للبلدة التي طال الدمار قبل أعوام نصف منازلها، وتواصل مقارعة إسرائيل بمسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار.
"البلدة المنكوبة" صنفت كذلك في سبتمبر 2014 بعدما تعرضت لمجزرة كبيرة خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تعمل على مدار الساعة ليس "للبقاء على قيد الحياة" بل "لتبقى على قيد الحياة وتنمو وتزدهر"، حسب ما يقول رئيس البلدية شحدة أبوروك.
وكانت قوات الاحتلال هدمت خلال حرب 2014 أحياء سكنية بالكامل في البلدة المقامة على مساحة 5 كيلومترات مربع، حيث دمر 1120 منزلاً سكنياً (تدمير كلي وجزئي) تمثل 43% من منازلها البالغة 2600 منزل.
وبعدما توقفت الحرب اكتشفت خزاعة مجزرة دامية حصيلتها 92 شهيدا من سكانها، وإصابة المئات منهم، واعتقال العشرات، من بين عدد سكان البلدة الـ14 ألف نسمة.
وأخذ أبوروك وأعضاء المجلس البلدي على عاتقهم المسؤولية لإزالة الدمار الكبير من خزاعة ونفض غبار الحرب عنها، ليبعثوها من جديد بعدما أجهز الاحتلال الإسرائيلي على بنيتها التحتية في 2014، فدمر المدارس والشوارع والمساجد، وخزانات مياه الشرب والري الرئيسة، وشبكة الكهرباء، ومبنى البلدية، ويقول أبوروك "لبوابة العين" "هنا كان التحدي أمامنا، فلم نستسلم وقبلنا التحدي وعملنا في الليل والنهار من أجل البلدة والسكان".
ولم تقف تحركات مجلس بلدية خزاعة على الاجتماع بالمؤسسات الدولية المانحة الموجودة في قطاع غزة أو الضفة الغربية، إذ سافر رئيس البلدية لدول عدة بحثاً عن دعم مالي لتمويل إعادة إعمار البلدة الزراعية، وهو ما تحقق لأبو روك.
ويقول أبو روك لـ"العين الإخبارية": أعدنا بناء مقر البلدية، وعيادة صحية كبيرة، وخزان مياه سعة 2000 كوب، ومددنا خطوط المياه للسكان من جديد، وأصلحنا شبكة الكهرباء، ورممنا المدارس المدمرة والمتضررة، وفي الأيام الأخيرة حصلنا على دعم كويتي لصالح الشوارع والطرقات بمبلغ قدره مليون وستمائة وخمسين ألف دولار.
ويؤدي المهمات الصعبة في البلدة المدمرة 33 موظفاً هم تعداد موظفي البلدية، لم يتقاضوا رواتبهم الشهرية منذ 4 أشهر، جراء عجز البلدية عن توفير موازنتها الشهرية التي تقدر بـ100 ألف شيكل فقط (27 ألف دولار).
وحسب رئيس البلدية، جزء مهم من الموازنة الشهرية كانت تجمعها البلدية من التزام المواطنين بتسديد الفواتير المستحقة للبلدية، لكنهم باتوا اليوم عاجزين عن دفع شيء.
وكانت الضربة الشديدة التي تلقتها البلدية هي تدمير الاحتلال 380 صوبة زراعية وأشجار زيتون، وكانت تشكل مصدر الرزق الوحيد للمواطنين الذين يمتهنون الزراعة منذ عقود طويلة.
ويقول أبوروك: الاحتلال دمر المصالح الزراعية للمواطنين خلال 3 حروب تعرض لها قطاع غزة (2008، 2012، 2014)، وكان لخزاعة نصيب كبير في خسائر تلك الحروب، ويضيف " التدمير المتتالي لثلاث مرات أدى إلى إضعاف قدرات المزارعين المالية على إعادة بناء الدفيئات من جديد".
وتابع رئيس البلدية أن إعادة الزراعة إلى سابق عهدها يحتاج إلى أكثر من 5 ملايين دولار على أقل تقدير، فضلاً عما تشكله اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلية اليومية من تهديد لحياة المزارعين.
وتتركز الأراضي الزراعية في المنطقة الشرقية للبلدة المحاذية للسياج الإسرائيلي الفاصل، الذي تنتشر ثكنات الاحتلال العسكرية فيها، وتشكل مصدر تهديد رئيسي للفلسطينيين، خصوصاً بعدما أقيمت في جزء من تلك الأراضي مخيم العودة الكبرى وكسر الحصار نهاية شهر مارس/آذار الماضي.
وأخذت خزاعة على عاتقها استقبال آلاف المتظاهرين الفلسطينيين المشاركين في مسيرات العودة، أسوة بـ4 مناطق أخرى على طول المنطقة الشرقية من قطاع غزة، حيث تنتشر فيها 5 مخيمات للعودة، يتدفق إليها عشرات آلاف الفلسطينيين، خصوصاً يوم الجمعة.
ويقول أبوروك: مسيرة العودة أضافت لخزاعة مهمة وطنية جديدة "نحن أخذنا على عاتقنا احتضان مخيم العودة"، وأهل البلدة قدموا خيرة شبابهم وفتياتهم شهداء وجرحى، وعلى رأسهم المسعفة الشهيدة رزان النجار.
تميز وإصرار رغم الدمار
10 سنوات من الحروب والاعتداءات اليومية لم تمنع البلدة من القتال للبقاء على قيادة الحياة والنماء والازدهار، وتوجت البلدية جهودها في الـ9 من الشهر الجاري، بتحقيق أعلى علامة في نتائج مؤشر الشفافية الذي طبقته مؤسسة "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-أمان" على عمل 80 هيئة محلية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ونتائج مؤشر الشفافية الذي طبقته "أمان"، نقلته عن منظمة الشفافية الدولية، بعد تكييفه والواقع الفلسطيني، ويركز على الالتزام بالممارسات الفضلى، والتطوير على نظام الحوكمة بما يعزز الشفافية في الإدارة وتقديمها الخدمات للمواطنين، والتزامها بعملية الإفصاح والانفتاح على الجمهور.
وجاء الإعلان عن فوز بلدية خزاعة في احتفال نظمه الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة-أمان، في مدينتي رام الله بالضفة الغربية وغزة بقطاع غزة في الـ9 من الشهر الجاري، الذي يصادف اليوم العالمي لمكافحة الفساد.
وحسب وائل بعلوشة، مدير المكتب الإقليمي لائتلاف أمار في قطاع غزة، تحقيق الفوز ليس سهلاً، لأن الاستجابة لمعايير الحوكمة الرشيدة والحكم الصالح تحتاج لجهد كبير حتى تحقيق المعايير الدقيقة.
ويقول بعلوشة لـ"العين الإخبارية": "بلدية خزاعة حققت الكثير من معايير الحوكمة الرشيدة، مثل إنشاء موقع إلكتروني، ونشر البيانات للجمهور، والانفتاح على الجمهور، وعقد لقاءات مساءلة مع الجمهور، ولديها نظام تلقي شكاوى فعال، وتفصح عن الأموال التي تصلها، وغيرها من المعايير المهمة".
ويؤكد بعلوشة أن الاستجابة للحوكمة الرشيدة يحتاج إلى "قرار"، وذلك ما تميزت به بلدية خزاعة، على الرغم من قلة إمكانياتها المالية، وتعرضها للاعتداءات الإسرائيلية باستمرار، وهو ما يؤدي إلى عدم استقرارها.
ووفقا لأبوروك ورفاقه في المجلس البلدي "الفوز الجديد ليس نهاية المطاف، فهو دافع قوي ليواصل مشواره ليضع البلدة في مصاف المدن الحديثة".
aXA6IDMuMTQxLjQ3LjE2MyA= جزيرة ام اند امز