خبراء يكشفون لـ"العين الإخبارية" كيف تطفئ منتجات جريد النخل حرائقه
ينتج عن تقليم كل نخلة سنوياً كمية من الجريد تقدر بـ20 جريدة على الأقل، ومع العدد الكبير من النخيل الذي تمتلكه مصر (حوالي 15 مليون نخلة)، تكون هناك كمية كبيرة للغاية من الجريد، لا يتم استغلال سوى 10% منها فقط، وهي تلك التي يستخدمها القفاصون.
و"القفاص"، هو الشخص الذي يقوم بتقطيع جريد النخل إلى قِطَع صغيرة يتم تركيبها مع بعضها، ليصنع منه الأقفاص الصغيرة التي تستخدم لحفظ الخضروات وأسرة الأطفال والكراسي، ولكن هذه المهنة أصبح عدد العاملين بها قليل للغاية، لذلك فإن الجريد لا يتم استغلاله بالقدر الكافي ويتم حرق 90% منه، وهي المشكلة التي سعت فرق بحثية مصرية إلى حلها، عبر إنتاج منتجات ذات عائد اقتصادي من جريد النخل.
أحد هذه المنتجات، هي تصنيع أخشاب الكونتر أو الباركيه من جريد النخل، وذلك بعد أن تمكن فريق بحثي يقوده حامد الموصلي، أستاذ هندسة الإنتاج بجامعة عين شمس من تصميم ماكينة تقوم بعملية تسمى" التسديب"، وهي الخطوة الرئيسية في الصناعة.
ويقول الموصلي لـ"العين الإخبارية" إن عملية انتاج الأخشاب من الجريد تتم عبر عدة خطوات تبدأ بقطع الجريد من النخيل، ثم تقشير الخوص لتجهيز الجريدة لعملية التجفيف، ثم يتم تقطيعها لثلاث قطع، استعدادا للدخول على ماكينات التصنيع، حيث تبدأ عملية تسمى بـ"التسديب"، وفيها يتم تحويل كل قطعة من الثلاثة إلى مجموعة من القطع الصغيرة، تمهيدا لمرحلة "التجميع"، وفيها يتم تجميع القطع الصغيرة في شكل مستطيل، ثم تأتي مرحلة "التقصيب"، وفيها يقوم "نجار" بمساواة أبعاد القطعة الخشبية، ثم تأتي مرحلة تجميع عشرات القطع مع بعضها لإنتاج لوح خشبي كبير.
ومن الأخشاب، إلى إنتاج ألياف من جريد النخيل، وهو المنتج الذي قدمه فريق بحثي من الجامعة الألمانية بالقاهرة، يقوده محمد الميداني، أستاذ مساعد هندسة المواد بالجامعة.
وتستورد مصر من كينيا والبرازيل، ألياف تعرف باسم "السيزال"، وتدخل في صناعة الحبال، بينما تستورد ألياف "الجوت"، والتي تعرف محليا باسم "الخيش" من بنجلادش، وتدخل في صناعة الأجولة التي تستخدم لتعبئة المنتجات الغذائية وغيرها، أما ألياف الكتان، والتي يتم توفير أغلبها محلياً، فتدخل في العديد من الصناعات النسيجية، بينما لا تعرف مصر ألياف القنب، والمستخدمة في أكثر من دولة بصناعة السيارات.
ويقول الميداني لـ"العين الإخبارية": " نجحنا في استخلاص الألياف من جريد النخيل عبر عملية قمنا بوصفها في العديد من الدراسات، وأثبتنا نجاحها في أداء وظائف ألياف القنب والجوت والسيزال والكتان".
ويشرح عملية الاستخلاص قائلا: "تتواجد الألياف في شكل حزم ليفية وعائية يغلفها (اللجنين) و(الهيميسليلوز)، المرتبطان بالألياف عبر مواد طبيعية شبيهة بالصمغ، ويتم استخلاص هذه الألياف من تلك المكونات باستخدام مادة قلوية هدفها انتفاش (اللجنين) و(الهيميسيللوز) والمادة الصمغية، ثم تحدث عملية ميكانيكية لإزالتهما بعيدا عن الألياف".
وبالإضافة للأخشاب والألياف، توجد فكرة ثالثة لإنتاج حوائط جاهزة باستخدام جريد النخل، وهي الفكرة التي قدمتها الباحثة إيمان عاطف، مدرس الهندسة المعمارية بجامعة عين شمس.
ونجحت عاطف، باستخدام نفس التراث التقني الذي يتقنه العاملون في مهنة "القفاص"، في إنتاج حائط حامل بارتفاع مترين و40 سم، وعرض متر و20 سم، وسمك 21 سم.
وتقول لـ"العين الإخبارية": "من خلال دراسة منتجات القفاصين من الأقفاص والكراسي والأسرة، استطعت إعادة ترجمة ما يقومون به، فوجه الحائط مستوحى من الكرسي الذي يصنعه القفاص من الجريد، وجوانبه مثل جوانب أقفاص الجريد، والمختلف فقط هو الأبعاد، والتي اتفقنا مع القفاص عليها".
وأظهرت الاختبارات التي أجرتها إيمان على الحائط المنتج، باستخدام برنامج التحليل الإنشائي (ساب 2000)، أنه لا يقل في خواصه الميكانيكية عن الحوائط الحاملة التجارية، مثل حوائط "SIP".
ويثني معتز عبدالغني، أستاذ العلوم البيئية بجامعة المنوفية المصرية، على هذه الأفكار، مؤكدا في تصريحات لـ "العين الإخبارية"، أنها تحتاج إلى رأس المال المغامر الذي ينقلها من النطاق البحثي إلى التطبيقي.
وفي ظل ندرة هؤلاء المغامرين، يأمل عبد الغني، أن تكون هذه الأفكار جاذبة للحكومات أو حتى المنظمات الدولية مثل "الفاو"، والتي تنظر إلى نخيل البلح، باعتباره شجرة المستقبل، حيث تتحمل الظروف المناخية القاسية، وملوحة المياه.
ويقول عبد الغني: "هذه المقومات الخاصة للشجرة، تعني أن التوسع في زراعتها، يمكن أن ينتج كميات كبيرة من الجريد التي تمثل عائد إضافي للاستثمار".
aXA6IDMuMTQ3LjYuMTc2IA== جزيرة ام اند امز