لقد أفرز الاتفاق السعودي-الإيراني برعاية الصين، تحولات متسارعة في ملف اليمن باتجاه خطة للسلام وإن كان الاتفاق في ملامحه الأولى، إلا أنه يحمل آليات سياسية وأمنية، لوقف الصراعات في المنطقة.
في مرحلة دقيقة إثر تغيرات النظام الدولي، نتيجة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ما جعل دول الاعتدال العربي، وعلى رأسها الإمارات والسعودية ومصر، تتجه إلى استراتيجية تصفير المشكلات، لحلحلة الأزمات وخفض التوترات، مع التركيز على التنمية الاقتصادية، ما أنتج عدة تغيرات جيوسياسية، لا سيما تحسن العلاقات العربية مع محوري تركيا وإيران، وجهود إعادة سوريا للحضن العربي، بالإضافة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية.
دول المنطقة المحورية تستعد لمراحل ما بعد النفط، وتملك مشاريع تنموية طموحة، تستدعي الأمن والاستقرار، ولكن استمرار أجواء التهدئة الراهنة مع إيران، مرتبط بالتزامها وتخليها عن تحريك أدواتها الميليشياوية، ومشاريعها التوسعية في العراق ولبنان، مرورا بسوريا واليمن.
ويتطلب استدامة الالتزام الإيراني، مباركة مؤسسات الدولة العميقة الإيرانية، بما فيها الحرس الثوري، الذي يبدو موقفه غامضا بعض الشيء تجاه الاتفاق، وإن شاهدنا الإعلام الرسمي يرحب بالاتفاق.
بتقديري، يعد الاتفاق مع طهران خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ينبغي البناء عليها، لحل الملفات الإقليمية العالقة، مع الأخذ بالاعتبار، التزام كافة تصنيفات الدولة العميقة في إيران، بذات التوجه.
وصول مسؤولين سعوديين برفقة مسؤولين من سلطنة عمان إلى صنعاء، واللقاء مع قيادات بارزة من جماعة الحوثي، يؤكد قرب إعلان قادم، ينهي الأزمة، ويحدد آليات السلام والمراحل المستقبلية في اليمن، ما يعكس نتائج تفاعلات الاتفاق بين الرياض وطهران.
والحرب ليس بها رابح لو وضعنا الظروف الإنسانية في المقام الأول، وإن كانت الضامنة هي إيران، التي وحدها تستطيع ضمان توقف المتبوع لها (الحوثي) عن أنشطته العدائية.
وعليه، تنتهي (نسبيا) الظروف الرئيسية المسببة للحرب، ما يجعل التفاوض حول وقف العمليات العسكرية، وتبادل الأسرى، ورفع القيود المفروضة على الموانئ والمطارات ممكنا، مع وضع بداية طريق جديد لحل الأزمات بين مكونات الصراع اليمني، وهو ما ذكرته في مقالي بتاريخ 8/10/2022، بعنوان "الحوثي يبتز المجتمع الدولي"، جاء فيه: "الوضع في اليمن يحتاج إلى هدنة حقيقية، تضع أمن واستقرار الإنسان في المرتبة الأولى، تتحول بعدها الهدنة إلى مسارات للسلام الشامل".
برغم الرغبة الدولية والإقليمية لإنهاء الصراع في اليمن، وأجواء التفاؤل لاستعادة الحياة الطبيعية للشعب اليمني، إلا أن هناك تشاؤما يسود الأطراف اليمنية، بسبب تراكمات الماضي التاريخية، وانعدام الثقة بالحوثيين الذين لطالما نقضوا العهود والمواثيق.
وبعد مرور 8 سنوات على انطلاقة "عاصفة الحزم"، لا تزال الأطراف الدولية والأممية، تعتقد أن الأزمة تقتصر بين التحالف والشرعية، المتمثلة حاليا "بالمجلس الرئاسي" من جانب والحوثيين، ما خلق حالة من عدم إدراك التركيبة اليمنية المعقدة، والمتعددة المكونات، ولا يمكن التعامل مع القوى الإخوانية التي تخادمت مع الحوثي، بنفس مصداقية القوى الفاعلة التي ساندت الإمارات والسعودية، كدول رئيسية في التحالف العربي.
يتشكل "مجلس القيادة الرئاسي" من أعضاء تمثل أبرز القوى الفاعلة ميدانيا، وعملت مع التحالف العربي لتحقيق الأهداف العسكرية والأمنية والإنسانية، وتتطلع في الوقت الراهن لأن تكون جزءا رئيسيا لصناعة شكل المرحلة الانتقالية المقبلة، تمهيدا للمراحل المستقبلية، للوصول إلى سلام شامل ومستدام في اليمن، بشماله وجنوبه.
لقد أعادت الحرب في اليمن إلى الأذهان، القضية الجنوبية العادلة، بعد أن استطاع المكون الجنوبي الفاعل على الأرض، والمتمثل في "المجلس الانتقالي الجنوبي"، استعادة الجنوب من الحوثيين، بدعم من التحالف العربي، ما يتطلب أهمية وجود ضمانات محددة، تمنع استهداف الحوثيين للمناطق الجنوبية من جديد، مع أهمية وجود إطار تفاوضي واضح لإيجاد حل نهائي عادل لقضية الجنوب، يفضي إلى تسوية سياسية بين الأطراف كافة.
ستبقى دولة الإمارات (الحليف الصادق) للمملكة العربية السعودية، وستشارك بكل ثقلها السياسي والاقتصادي، وحراكها الإنساني والإغاثي في جهود السلام، كما شاركت عسكريا في أصعب الأوقات شدة في الحرب، من أجل الوصول إلى توافقات مرضية، والانتقال بمكونات الشعب اليمني، من حالة الحروب والدمار، إلى حالة الاستقرار والإعمار والازدهار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة