بئر زمزم.. ما هي قصة الماء المبارك ومعجزة النبع المتدفق؟
يعود تاريخ تدفق مياه بئر زمزم إلى زمن سيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم عليهـما السلام، يقع البئر شرق الكعبة المشرفة على بعد 21 مترًا في صحن المطاف بالمسجد الحرام.
يعتبر بئر زمزم من المعجزات، حيث يظل حتى اليوم مصدرًا مستمرًا للماء، وماء زمزم ليس مجرد ماء عادي، بل يُعتبر ماء مباركًا ومقدسًا، يحمل في طياته الكثير من المعاني الروحية، لذا يحرص المسلمون من جميع أنحاء العالم على شرب ماء زمزم خلال الحج والعمرة، ويأخذونه معهم إلى بلادهم، حيث يمتاز هذا الماء بتركيبته الفريدة وطعمه المميز، ويُقال أنه لا يتغير بمرور الزمن، ويبقى نقيًا وصالحًا للشرب دائمًا.
بئر زمزم
وفقًا لموقع الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، فأن بئر زمزم يقع في أطهر بقعة على وجه الأرض، محاذية للملتزم، فهو يعتبر أحد المعجزات والآيات التي أكرم الله بها المسلمين، وله مكانة خاصة، حيث يُشرب بنية البركة والشفاء.
وكان أول ظهور لماء زمزم لسقيا إسماعيل بن إبراهيم عليهـما السلام، فجـرها له روح القدس.. حينما قال إبراهيم (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) حيث إن إبراهيم عليه السلام لما احتمل إسـماعيل وأمه هاجر إلى مكة احتمل معه لها قـربة ماء ومزود تمر، وتركهما بمكة وعاد، فلما فرغ التمر والماء عطش إسماعيل وهو صغـير وجـعل ينشع الموت، جـعلت هاجر تسـعى من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا لترى أحدا حتى سمعت صوتا عند الصبي، فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غوث، ثم جاءت الصـبي فإذا الماء ينبع من تحت خده، فجعلت تغرف بيـدها وتجعل في القربة، قال صلى الله عليه وسلم (لو تركته لكان عينا أو قال: نهرا معينا). كما ورد في سورة إبراهيم الأية 37:
"رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ".
أسماء بئر زمزم
وسبب تسمية زمزم بهذا الاسم؛ أنه لما خرج الماء جعلت هاجر تحوط عليه وتقول: زمي زمي، وفي الحديث: يرحم الله أم إسماعيل، لو تركت زمزم لكانت عينًا معينًا. ولزمزم أسماء كثيرة منها:
- طيبة (لأنها للطيبين والطيبات).
- برة وعصمة (لأنها للأبرار).
- مضنونة (لأنه ضن بها على غير المؤمنين).
- سيدة (لأنها سيدة جميع المياه).
- عذبة (لأن المؤمن يستعذبها ويستحليها كأنها حليب).
- سالمة (لأنها لا تقبل الغش).
- مباركة (لأن ماءها لا ينفد أبدا).
- كافية (لأنها تكفي عن الطعام وغيره).
- عافية (لأن من شرب منها لا يهزل).
اقرأ أيضًا: ما هي شروط الحج.. ومتى تسقط فريضة الحج عن المسلم؟
تاريخ بئر زمزم
وذكرت المصادر التاريخية أن قدوم إسماعيل إلى مكة كان سنة مولده 1910 قبل الميلاد تقريبًا وفيها ظهور زمزم، وبيننا وبين ظهور زمزم بالتقويم الهجري أربعة آلاف سنة تقريبًا.
وبعد أن تكاثرت القبائل بمكة المكرمة فإن بئر زمزم جفت وقيل إنها قد دفنت؛ وتطورت مدينة مكة وأصبحت مدينة كبرى ونالت المنزلة الكبرى لوجود الكعبة بها ولازدهار تجارتها ولموقعها الجغرافي؛ ثم ظهر ماء زمزم مرة أخرى على يد عبد المطلب بن هاشم حيث قام بحفر البئر بعد رؤيا رآها في المنام في عدة روايات.
وظهر بئر زمزم من جديد؛ وظـل عبد المطلب بن هاشم يسقي الحجاج وكانت له إبل كثيرة فإذا جاء الموسم جمعها ثم سقي لبنها بالعسل في حوض من أدم عند زمزم، ويشتري الزبيب فينبذه بماء زمزم ويسقيه الحجاج لأنه يكسر غلظ ماء زمزم، وكانت إذ ذاك غليظة جدًا.
ولبث كذلك حتى توفي فقام بأمر السقاية بعده العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، حتى دخل رسول الله مكة يوم الفتح فقبض السقاية من العباس بن عبد المطلب والحجابة من عثمان بن طلحة، فقام العباس بن عبدالمطلب فبسط يده وقال:
"يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمع لي الحجابة والسقاية- فقام النبي بين عضادتي الباب (أي باب الكعبة) فقال:"ألا أن كل دم أو مال أو مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي هاتين، إلا سقاية الحجاج وسدانة الكعبة فإني قد أمضيتها لأهلها على ما كانت عليه في الجاهلية" فقبضها العباس رضي الله عنه فكانت فيه.
حق الحجاج في بئر زمزم
وفي حجة الوداع مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر زمزم وكانت السقاية إلى العباس رضي الله عنه.. ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدلو كبير مملوؤة من زمزم فتوضأ دون أن ينزع هو نفسه عليه الصلاة والسلام تاركًا ذلك لأصحاب الحق في السقاية وقال:
"انزعوا يا بني عبد المطلب فلولا إن تغلبوا عليها لنزعت معكم".
ويقصد أن نزع ماء زمزم من البئر وإعطاءه الحجاج حق لهم وحدهم دون غيرهم، فلهذا لم ينزع بيده لئلا يتزاحمون على البئر، ويسقي كلا منهم نفسه، ويغلب أولاد عبد المطلب فيما هو حق لهم وخاص بهم، مع أن رسول الله ابن عبد المطلب فهو ابن عبد الله بن عبد المطلب، ولكنه مع هذا لم ينزع الماء بيده لئلا يتخذ المسلمون عمله أسوة حسنه فينافسوا أصحاب الحق حقهم.
وقد كان ينزع الماء من البئر ويصب في أحواض وقد تعددت هذه الأحواض ووصفها وكانت توجد قبتين الأولى على البئر ويليها قبة الشراب المنسوبة إلي العباس رضي الله عنه وكان يجعل فيها قلال يسمونها (الدوارق) وكل دورق له مقبض واحد ويترك بها الزمزم ليبرد فيشربه الناس، وبها اختزان المصاحف الكريمة والكتب التي للحرم الشريف وبها خزانه تحتوي على تابوت مبسوط متسع فيه مصحف كريم بخط زيد بن ثابت رضي الله عنه منتسخ في السنة الثامنة عشرة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أزيلت القباب في بدء ولاية أمير مكة السابق الشريف عون الرفيق وشيخ الحرم عثمان نوري باشا، وسبب ذلك أنه دخل سيل عظيم للمسجد الحـرام وأتلف كثيرًا من الكتب والأشياء التي بها؛ فاقتضى نقل الكتب من إحداهما ووضعها في دار الكتاب وهي المدرسة التي على باب الدريبة، وكان ذلك عام 1310 هـ.
موقع بئر زمزم
والآن يتضح موقع بئر زمزم بالقرب من الكعبة المشرفة، ولكن فتحة البئر تحت سطح المطاف على عمق 1.56 متر، وفى أرض المطاف خلف المقام إلى اليسار للناظر إلى الكعبة المشرفة، فقد تم وضع حجر مستدير مكتوب عليه: (بئر زمزم ) يتعامد مع فتحة البئر الموجودة في أسفل سطح المطاف وجعل في آخر المطاف خلف المقام درج يؤدى إلى فتحة البئر. وتنقسم بئر زمزم في حالها إلى قسمين:
- الأول: جزء مبنى عمقه 12.80 متر عن فتحة البئر.
- الثاني: جزء منقور في صخر الجبل وطوله 17.20 متر.
اقرأ أيضًا: بالصور.. أكبر مدينة للخيام في العالم تنتظر الحجاج في منى
العيون التي تغذى بئر زمزم
يبلغ عمق البئر حوالي 30 مترًا من فتحة البئر إلى قاعه، ويبلغ عمق مستوى الماء عن فتحة البئر حوالي أربعة أمتار، وعمق العيون التي تغذى البئر عن فتحة البئر 13 مترًا (ومن العيون إلى قعر البئر 17 مترا)، وقطر البئر يختلف باختلاف العمق، وهو يتراوح بين 1.5 متر (و2.5 متر).
أما العيون التي تغذى بئر زمزم فهي ثلاث عيون: عين حذاء الركن الأسود، وعين حذاء جبل أبى قبيس والصفا، وعين حذاء المروة. وهذا هو التحديد القديم لعيون زمزم في القرن الثالث وما قبله.
التحديد الحديث لبئر زمزم
أما التحديد الحديث لبئر زمزم الذي تم سنة (1400) هـ فهو على النحو التالي:
- المصدر الرئيسي فتحة تتجه جهة الكعبة المشرفة في اتجاه ركن الكعبة الغربي -الحجر الأسود- وطولها 45 سم وارتفاعها 30 سم، ويتدفق منها القدر الأكبر من المياه.
- المصدر الثاني: فتحة كبيرة باتجاه المكبرية وبطول 70 سم، ومقسومة من الداخل إلى فتحتين، وارتفاعها 30 سم.
- كما أن هناك فتحات صغيرة بين أحجار البناء في البئر تخرج منها المياه، خمس منها في المسافة التي بين الفتحتين الأساسيتين، وقدرها متر واحد، كما يوجد 21 فتحة أخرى، تبدأ من جوار الفتحة الأساسية الأولى، وباتجاه جبل أبى قبيس والصفا والمروة.
ونالت البئر اهتمامًا مستمرًا من القيادة الرشيدة التي خصها الله عز وجل وشرفها بخدمة الحرمين الشريفين، فقد تم في عام 1377هـ -حينما كانت حكومة المملكة تنفذ التوسعة الأولى في المطاف- وضع تصميم فريد لبئر زمزم روعي فيه إزالة ما يضيق على الطائفين وذلك بوضع بئر زمزم تحت الأرض وأصبح سقف المبنى مساويًا لأرض المطاف، كما جعل للبئر جداراً من الخرسانة مكسوا بالرخام.
كما تم وضع مجمعات مياه زمزم المبردة في عدد من المواقع داخل المسجد الحرام وخارجه من خلال مجمعات مياه زمزم المنتشرة في جميع أنحاء الحرم التي يزيد عدد الصنابير بها عن 733 صنبورًا بالإضافة إلى البرادات الموزعة في مختلف أرجاء الحرم التي يبلغ عددها خلال موسم الحج ورمضان المبارك أكثر من 8 آلاف برادة يتم تعبئتها بصفة مستمرة بمياه زمزم التي يتم تبريدها بالثلج المصنوع من مياه زمزم فى مصنع خاص أنشئ لهذا الغرض.
فضائل ماء زمزم
يعتبر ماء زمزم خير ماء على وجه الأرض، الذي وردت عنه العديد من الأحاديث النبوية، منها:
قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم ، فيه طعام الطعم ، وشفاء السقم" رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه .
كما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ماء زمزم لما شُرب له".
وأخيرًا، من السنة النبوية الشرب من ماء زمزم والوضوء به وصبه على الرأس عند الفراغ من أداء المناسك. كما يسن حمل ماء زمزم من مكة المكرمة إلى جميع بقاع الأرض والتداوي به.