الكعبة المشرفة.. أول بيت وضع في الأرض لعبادة الله
الكعبة سميت بهذا الاسم نسبة لتكعيبها وهو تربيعها وكل بناء مرتفع (كعبة)، وقال النووي: سميت بذلك لاستدارتها وعلوها وقيل تربيعها في الأصل.
الكعبة المشرَّفة بناء شامخ جليل يقع في قلب الحرم المكي الشريف، وهي قبلة المسلمين، ومحط أنظارهم، وأول بيت وضع في الأرض لعبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين".
وسميت الكعبة بهذا الاسم نسبة لتكعيبها وهو تربيعها وكل بناء مرتفع (كعبة)، وقال النووي: سميت بذلك لاستدارتها وعلوها وقيل تربيعها في الأصل.
والعلاقة وثيقة وأزلية بين الكعبة المشرفة منذ بنائها ومحيطها الجغرافي القريب ونعني به المسجد الحرام، وأدى هذا التجاور بينهما إلى النظر في زيادة مساحات المسجد الحرام منذ بزوغ فجر النبوة وما تلا ذلك، بما يتيح للمسلمين أداء شعائرهم في خشوع وطمأنينة.
ولم يكن هناك ذكر للمسجد الحرام قبل الإسلام والمتعارف عليه فقط مدار الطواف حول الكعبة المشرفة؛ لأن العصر الجاهلي لم يتضمن صلاة تؤدى حول الكعبة بل كانوا يطوفون حولها فقط واعتاد الجاهليون الجلوس حولها ليستظلوا بها من الشمس.
وأرشد الله إبراهيم عليه السلام إلى مكان الكعبة المشرفة وأمره ببنائها فبناها، ودعا مرة أخرى، فقال: "رب اجعل هذا البلد آمنا"، ثم دعا في الثالثة بقوله: "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"، فسكنت فيه أقوام مختلفة، وتعاقبت على ولاية الكعبة العمالقة وجرهم وخزاعة وقريش وغيرهم.
وكانت الكعبة موضع تعظيم وإجلال الناس والولاة على مكة، يعمرونها ويجددون بنيانها عند الحاجة، ويكسونها، ويحتسبونه فخرا وتشريفا لهم، حتى جاء الإسلام فزاد في تشريفها، وحث على تعظيمها، وتطهيرها، وكساها النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة بعده.
وفي الماضي كان هناك من يقدم للكعبة المشرفة الهدايا ممثلة في أباريق وسطول من النحاس والفضة تستخدم للغسيل، لكن في العهد السعودي أصبحت عملية إصلاح وترميم الكعبة المشرفة من ضمن اهتمامات الدولة ولم تعد هناك حاجة لمثل هذه الهدايا.
وأعادت قريش بناء الكعبة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وتركت جزءا من البيت تابعا للحِجْر؛ لأن النفقة قد قصرت بهم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يعيد بناءها على قواعد إبراهيم عليه السلام، وأن يُدخل الجزء الذي تركوه من الكعبة، وأن يجعل لها بابين لاصقين بالأرض، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: "لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت، فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين بابا شرقيا، وبابا غربيا، فبلغت به أساس إبراهيم"، رواه البخاري.
وفي سنة 64هـ لما تولى حكم الحجاز عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، بَنَى الكعبة المشرفة على ما أحب النبي صلى الله عليه وسلم، مشتملة على ما تركته قريش، وجعل لها بابين، باب يدخل منه الناس وباب يخرجون منه.
وفي سنة 74هـ في عهد عبدالملك بن مروان، حاصر الحجاج مكة المكرمة، وكتب إلى عبدالملك بن مروان يخبره أن ابن الزبير قد بنى البيت على أسس نظر إليه العدول من أهل مكة، يعني به قواعد إبراهيم عليه السلام، فأمره بأن يرد الكعبة على البناء الأول الذي بنته قريش، فنقض البناء من جهة الحجر، وسد الباب الذي فتحه ابن الزبير، وأعاده إلى بناء قريش.
واتفق المؤرخون على أن الكعبة المشرفة بقيت على بناء عبدالملك بن مروان ولم تحتج إلى بناء جديد، ولم يصبها وهن ولا خراب في الجدران، وكل ما احتاجت إنما هو ترميمات وإصلاحات حتى عام 1040هـ، وسبب ذلك أنه نزل بمكة في صباح الأربعاء 19 شعبان سنة 1039هـ مطر غزير، واستمر إلى آخر النهار، جرى منه سيل كثير دخل المسجد الحرام والكعبة المشرفة، ووصل إلى نصف جدارها، وفي آخر النهار سقط الجدار الشامي من الكعبة، وبعض الجدارين الشرقي والغربي، وسقطت درجة السطح، ولما تسرب الماء نظفت الكعبة والمسجد الحرام من الطين ومخلفات السيل، وكتب في ذلك إلى العلماء والأمراء، فاتفق الرأي على هدم ما بقي من الجدران، فأمر السلطان مرادخان بهدم ما بقي من جدران الكعبة لتداعيها، فشرع في الهدم وتلاه البناء والتعمير، وتم الانتهاء من بنائها في 2 ذي الحجة سنة 1040هـ.
ولم تحتج الكعبة بعد ذلك إلى إعادة بناء، وإنما هي ترميمات وإصلاحات في أوقات مختلفة، حتى كان عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، عندما لوحظ بعض التلف في بعض أجزاء الكعبة المشرفة المصنوعة من الخشب، وكان السقف أكثر تعرضا للتلف من غيره وكذلك الأعمدة الخشبية، فخيف على الكعبة من هذا الضعف والتآكل.
فأمر الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود بترميم الكعبة المشرفة ترميما كاملاً شاملاً من داخلها وخارجها على أحسن وجه، وبُدئ العمل في شهر محرم عام 1417هـ وتم الانتهاء منه خلال السنة نفسها في شهر جمادى الآخرة، فآلت إلى أحسن حال بعد ترميمها.
تفاوت المؤرخون في ذكر أبعاد الكعبة، وهو اختلاف طبيعي ناشئ من اختلاف الأذرع، وما بين ذراع اليد وذراع الحديد من فرق، وهما تتفاوتان، فقد جاء في كتاب تاريخ الكعبة المعظمة أن ذراع اليد تتراوح بين (46-50) سم، وذراع الحديد (56.5) سم، بينما ذكر أخيرا أن ذراع اليد (48) سم، وعلى هذا فإن الحديث عن أبعاد الكعبة بمقياس الأذرع في العصر الحاضر لا يعطي دقة في التعرف على هذه الأبعاد، بل يؤدي إلى حيرة، وذلك لأن المتر وأجزاءه هو لغة القياس المفهوم في العصر الحاضر.
وذرعت الكعبة بذراع العصر الحديث عند القيام بالتوسعة السعودية الأولى، فكانت مساحتها عند قاعدتها (145مترا)، وتبلغ مساحة الحطيم بما فيها الجدار بالحطيم (94 مترا مربعا).
وآخر ذرع للكعبة قام به مركز أبحاث الحج في جامعة أم القرى، كان من "الركن الأسود إلى الركن الشامي 11.68م، وفيه باب الكعبة، ومن الركن اليماني إلى الركن الغربي 12.04م، ومن ركن الحجر الأسود إلى الركن اليماني 10.18م، ومن الركن الشامي إلى الركن الغربي 9.90م".
وأما أذرع الكعبة من داخلها، فقد قام المؤرخ حسين باسلامة بذرعها بنفسه سنة 1352هـ فقال: "كان طولها من وسط الجدار اليماني إلى وسط الجدار الشامي 10.15م، ومن وسط جدارها الشرقي إلى وسط جدارها الغربي 8.10م".
أما صفة الكعبة المشرفة من داخلها فهو: "في الركن الشامي على يمين الداخل إلى الكعبة المشرفة يوجد بناء الدرج المؤدي إلى السطح، وهو عبارة عن بناء مستطيل شكله كالغرفة المسدودة بدون نوافذ، ضلعاها الشرقي والشمالي من أصل جدار الكعبة المشرفة، وتحجب في داخلها الدرج، ولها باب عليه قفل خاص وعليه ستارة حريرية جميلة مكتوب عليها ومنقوشة بالذهب والفضة".
وعرض الجدار الجنوبي للدرج الذي فيه بابها 225سم، وعرض الجدار الغربي 150سم، وإذا صعد الإنسان من الدرج إلى السطح فقبل وصوله إلى السطح بنحو قامة يرى أمامه بابا صغيرا وعن يساره بابا مثله، وكلاهما يدخل إلى ما بين سقفي الكعبة المشرفة، ومسافة بين السقفين 120سم، وينتهي الدرج عند السطح بروزنة (منور) مغطاة بغطاء محكم منعا لدخول المطر، ويرفع الغطاء عند الصعود إلى السطح.
وفي داخل الكعبة أعمدة خشبية 3 تحمل سقف الكعبة المشرفة، وهي من أقوى أنواع الأخشاب التي لا يعرف مثلها، وهي من وضع عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما أي أن عمرها أكثر من 1350 عاما، وهي بنية اللون تميل إلى السواد قليلاً، ومحيط كل عمود منها 150سم تقريبا، وبقطر 44سم، ولكل منها قاعدة مربعة خشبية منقوشة بالحفر على الخشب، ويوجد بين الأعمدة الثلاثة مداد معلق فيه بعض هدايا الكعبة المشرفة، ويمتد على الأعمدة الثلاثة حامل يمتد طرفاه إلى داخل الجدارين الشمالي والجنوبي.
والأعمدة الثلاثة مرتفعة إلى السقف الأول الذي يلي الكعبة المشرفة ولا تنفذ من هذا السقف إلى السقف الأعلى الذي يلي السماء، لكن جعلت عدة أخشاب بعضها فوق بعض على رؤوس هذه الأعمدة الثلاثة من داخل السقفين إلى أن تصل إلى السقف الأعلى، فتكون هذه الأعمدة الثلاثة بهذه الصفة حاملة للسقفين المذكورين، ويوجد في كل عمود ثلاثة أطواق للتقوية.
أما أرض الكعبة المشرفة فهي مفروشة بالرخام وأغلبه من النوع الأبيض والباقي ملون.
وجدار الكعبة المشرفة من داخلها مؤزر برخام ملون ومزركش بنقوش لطيفة، وتغطى الكعبة المشرفة من الداخل بستارة من الحرير الأحمر الوردي مكتوب عليها بالنسيج الأبيض الشهادتان وبعض أسماء الله الحسنى على شكل 8 أو 7 متكررة، وكسي بهذه الستارة سقف الكعبة المشرفة أيضا.
ويوجد داخل الكعبة المشرفة 9 أحجار من الرخام مكتوبة بالخط الثلث بالحفر على الحجر، إلا حجرا واحدا فإنه مكتوب بالخط الكوفي البارز، وحروف الكلمات على هذه اللوحة تتكون من قطع من الرخام الملون الثمين، ملصقة بعضها إلى جانب بعض على قاعدة الخط الكوفي المربع، وكل هذه الأحجار مكتوبة بعد القرن السادس للهجرة، وفي الحائط الشرقي وبين باب الكعبة المشرفة وباب التوبة وضعت وثيقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، محفورة على لوح رخام تشير إلى تاريخ ترميمه الشامل لبناء الكعبة المشرفة، بذلك صار عدد الأحجار المكتوبة في باطن الكعبة المشرفة عشرة أحجار كلها من الرخام الأبيض، وكل هذه الرخامات مرتفعة عن رخام أرض الكعبة بمقدار 144سم ما عدا الحجر الموضوع فوق عقد باب الكعبة المشرفة من الداخل فإنه يرتفع بأكثر من مترين.
ومن المعلوم أن سدانة البيت حق شرعي ثابت لآل الشيبي منذ أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوها يا بني أبي طلحة، خذوا ما أعطاكم الله ورسوله تالدة خالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم)، فهم الذين يحتفظون بمفتاح باب الكعبة المشرفة، ويفتحونها عند الحاجة إلى فتحها، وقد جرت العادة منذ عصور الإسلام الأولى أن تفتح الكعبة في مناسبات مختلفة، وفي العصر الحالي نجد أن الكعبة المشرفة تفتح في بعض المناسبات.
تفتح الكعبة لغسلها من الداخل، حيث إنها في الوقت الحاضر تُغسل من الداخل مرة واحدة في العام في الـ15 من شهر محرم في كل عام، مراعاة للمشاريع القائمة والتوسعات المباركة وحفاظاً على سلامة رواد بيت الله الحرام والتيسير عليهم في أداء نسكهم وعبادتهم، ويقوم بهذا الشرف العظيم خادم الحرمين الشريفين أو من ينوب عنه، بحضور الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ونائبه لشؤون المسجد الحرام وعدد من سفراء الدول الإسلامية، ورؤساء بعثات الحج وغيرهم من كبار المسؤولين، فيتشرفون بغسلها، ومسح جدرانها بماء زمزم المعطر بالند والعود وعطر الورد، حتى إذا تم ذلك صلوا إلى جدرانها، ثم دعوا حامدين شاكرين الله رب العالمين.
ومن الملامح المهمة التي تلازم الكعبة المشرفة، بل ربما يصح لنا أن نقول عناصر الكعبة المشرفة "باب الكعبة، وقفل ومفتاح باب الكعبة، والحجر الأسود، والركن اليماني، والحجر، والميزاب، والملتزم، والكسوة، وسدنة الكعبة، والشاذروان".