"كتابا موقوتا".. هل يغفر الله لتارك الصلاة بعد أداء فريضة الحج؟
في موسم الحج يكثر التساؤل عن إمكانية أن تغني هذه الفريضة عن باقي الفروض كالصلاة، باعتبار أنها سبب لغفران الذنب وليس لها ثواب إلا الجنة.
والحج ركن عظيم من أركان الإسلام، وهي فريضة واجبة مرة واحدة في العمر على كل مسلم بالغ عاقل استطاع إليه سبيلاً، لقوله تعالى "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس قد فرض عليكم الحج فحجوا"، رواه أبوهريرة وأخرجه البخاري والترمذي ومسلم.
وللحج فضائل كثيرة ومتنوعة، بينها أنه أفضل الأعمال والقربات عند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (الجهاد في سبيل الله)، قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور)، روا البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأحمد.
أيضا الحج يعدل الجهاد في سبيل الله، وينوب عنه لمن لا يقدر عليه ومن لا يُكلف به، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: (لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور)، رواه البخاري كتاب الحج حديث رقم 1423.
والحج المبرور ليس له ثواب إلا الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"، متفق عليه.
والحج المبرور سبب لغفران الذنوب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجح كيوم ولدته أمه)"، رواه البخاري 1424.
وأعلنت المحكمة العليا السعودية أن الخميس 30 يونيو/حزيران 2022 أول أيام شهر ذي الحجة وعليه يكون الوقوف بعرفة يوم الجمعة 8 يوليو/تموز، ويحل أول أيام عيد الأضحى المبارك يوم السبت 9 يوليو/تموز المقبل.
ويبدأ ضيوف بيت الله الحرام أداء مناسك الحجّ في اليوم الثامن من شهر ذي الحجّة ويُسمّى يوم التروية، الذي يوافق يوم الخميس 7 يوليو/تموز، على أن ينتهي موسم الحج لعام 2022 يوم الثلاثاء 12 يوليو/تموز 2022.
الحج لا يغني عن الصلاة
ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية ينص على: "رجل يحجُّ كلَّ عام ولكنه لا يصلي إلا الجمعة فقط، وكلما طُلِبَ منه المواظبة على الصلاة يقول: أنا هدخل الجنة قبل اللي بيصلوا؛ لأن الله يغفر الذنوب جميعًا ومنها ترك الصلاة؛ لأن الله يغفر الذنوب جميعًا ولا يغفر أن يشرك به، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من حج ولم يفسق ولم يرفث خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فما الحكم الشرعي في ذلك؟".
وأجابت الدار المصرية على السائل، في فتوى حملت رقم 13439، كالتالي:
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103] فهي فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وقال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: 45]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ۞ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ۞ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ۞ إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ [سورة المعارج: 19-22].
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ، وَلَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ، فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَهْدٌ؛ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» رواه النسائي وأبو داود وغيرهما.
وكيف يترك المسلم الصلاة أو يتغافل عنها، وقد ورد التحذير من تركها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» رواه مسلم، ولما أوشك بصر ابن عباس أن يذهب، قيل له: نداويك وتدع الصلاة أيامًا؟ قال: لا، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» رواه الطبراني، وآثر ذهاب بصره على ترك الصلاة.
فكيف يقول الرجل الذي يحج كل عام ويترك الصلاة أن الله سيغفر له؟. فالحج فريضة، والصلاة فريضة أخرى، ولا تغني فريضة عن فريضة أخرى، ولا يشفع للإنسان حجه في التهاون في أداء الصلاة أو التكاسل عنها، بل يزيد مسئولية ووجوب المحافظة على أدائها في أوقاتها؛ لأن من حجَّ فقد كمل دينه فيلزمه أن يحافظ على كماله ولا يتهاون في شيء من فرائضه وأركانه حتى يتقبل الله حجه؛ لأن من علامات الحج المبرور أن يرجع أحسن حالًا مما كان عليه؛ ولأن الحاج بتهاونه في أداء الصلاة يكون قدوة سيئة لمن يريدون الحج.
وعلى ذلك: لا يغني الحج عن الصلاة، بل لا بد للحاج أن يحافظ على الصلاة حتى يدخله الله الجنة ويكون قدوة لغيره كما ذكرنا، ثم إن الصلاة فريضة قائمة بذاتها، وقد يسرها الله لكل إنسان في الوضوء أو التيمم إن لم يستطع الوضوء وعند أداء الصلاة يؤديها من قيام، فإن لم يستطع فمن جلوس، فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيمن، فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيسر، فإن لم يستطع فبالإيماء ولا تسقط عنه الصلاة بأي حال وهي أفضل الفرائض؛ لأنها فرضت في السماء خمسين صلاة في اليوم والليلة، وما زال نبينا صلى الله عليه وآله وسلم يطلب التخفيف حتى جُعلت خمسًا في العمل وخمسين في الأجر، وباقي الفرائض فرضت في الأرض، ومع ذلك تسقط عند عدم الاستطاعة في الحج وعند عدم المال والزرع إذا لم يبلغ النصاب.