المناصب العليا.. المهمة الشاقة لقادة أوروبا

من المناصب التي يتوجب ترشيح أسماء لشغلها: رئاسة كل من المفوضية والمجلس الأوروبيين، والمنسّق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد.
ستة رؤساء وزراء من ثلاث أسر سياسية أوروبية رئيسية، اجتمعوا بالعاصمة البلجيكية بروكسل، لدفع المفاوضات المتوترة إلى الأمام، بهدف تحديد أسماء المتنافسين على المناصب العليا بتكتل القارة العجوز.
وضم الاجتماع الذي جاء في شكل مأدبة عشاء غير رسمي، نهاية الأسبوع، كل من تشارلز ميشيل رئيس الوزراء البلجيكي، والليبرالي الهولندي مارك روت، إلى جانب اثنين من القادة الاشتراكيين، الإسباني بيدرو سانشيز، والبرتغالي أنطونيو كوستا.
كما حضر الاجتماع أيضا اثنان من حزب الشعب الأوروبي (اليمين)، الكرواتي أندريه بلينكوفيتش، واللاتفي كريسجانيس كارينز.
وحزب الشعب الأوروبي، هو كتلة جامعة لأحزاب يمين الوسط، وقد تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية، بحصوله على 180 مقعدا من أصل 751.
محادثات معقدة انطلقت بعد أيام قليلة من انتخابات البرلمان الأوروبي المقامة في مايو/ أيار الماضي، ويتوقع أن تستمر لفترة، وسط خلافات بين اثنين من أبرز أعضاء التكتل القاري، وهما فرنسا وألمانيا، حول بعض المناصب، وخاصة حول كيفية انتخاب رئيس المفوضية الأوروبية.
ومن المناصب الشاغرة التي يتوجب على زعماء أوروبا ترشيح أسماء لشغلها: رئاسة كل من المفوضية والمجلس الأوروبيين، والبنك المركزي الأوروبي، بالإضافة إلى المنسّق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد.
مباحثات "بناءة"
في بيان مقتضب عقب الاجتماع، قال المشاركون إن "المباحثات كانت بناءة"، فيما جرى "تحديد تحديات"، دون تفاصيل أخرى.
ويرى مراقبون أن هذا الاجتماع قد يشكل الخطوة الأولى نحو بلورة الخطوط العريضة للأسماء التي سيتم اقتراحها لتقلد المهام العليا بالاتحاد الأوروبي، نظرا لأن المجتمعين يمثلون العائلات السياسية الثلاث التي تحظى بأكبر الكتل بالبرلمان الأوروبي الجديد.
لكن، ورغم شحنة التفاؤل التي يسعى القادة الأوروبيون لتصديرها للرأي العام بالقارة، إلا أن ذلك لم يفلح في إخفاء الخلاف المستعر بين برلين وباريس حول نظام اختيار رئيس لمفوضية التكتل.
وعقب آخر انتخابات للبرلمان الأوروبي في 2014، تم اعتماد نظام لانتخاب رئيس المفوضية، يسمى نظام "سبيتزين كانديدات" (أبرز المرشحين)، ينص على ترشيح أكبر كتلة في البرلمان لاسم، ومن ثم يتم تعيينه في منصب رئيس المفوضية.
غير أن استمرار تطبيق هذا النظام بعد الاقتراع الأخير، يشكل موضع نقاش، في وقت تنص فيه القوانين على ترشيح الدول الأعضاء اسم رئيس المفوضية، ليقوم البرلمان لاحقا بمنح الثقة لهذا الاسم بعد أن يحصل على أغلبية الأصوات.
الحزب الديمقراطي المسيحي، بزعامة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، يصر على ترشيح مانفريد فيبر، المرشح البارز الذي دعمته أحزاب يمين الوسط في الانتخابات البرلمانية لرئاسة المفوضية الأوروبية.
بينما يعارض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشدة تطبيق النظام المذكور، ويدعم في المقابل ترشيح مايكل بارنير، الذي يشغل حاليا منصب كبير مفاوضي الاتحاد في ملف الخروج البريطاني من الاتحاد "بريكست".
وفي تصريحات إعلامية، قال مصدر أوروبي إن "الاشتراكيين سيقولون مرة أخرى إنهم يريدون فرانس تيمرمانس (هولندي)، فيما سيعلن حزب الشعب الأوروبي دعمه للألماني مانفريد ويبر".
لعبة مفتوحة
المصدر الأوروبي نفسه أشار إلى أن كلا من ماكرون وميركل لم يكونا في بروكسل، الجمعة (يوم الاجتماع)، لكن مواقفهما تظل حاسمة في تقرير توزيع المناصب الأوروبية الرئيسية.
وخلال قمة عقدت في 28 مايو/ أيار الماضي في بروكسل، لم يخف ماكرون، في تصريحاته للإعلام، تحفظاته القوية على ترشيح مانفريد فيبر، والذي تدعمه ميركل ليكون خليفة جان كلود يونكر.
وستحاول بلدان الاتحاد الـ28 الاتفاق على اسم مرشح في قمة من المقرر عقدها في 20 و21 يونيو/ حزيران الجاري، في بروكسل، لكن هذا الاسم ينبغي أن يحصل على موافقة 21 دولة على الأقل حتى يتم تقديمه إلى البرلمان الأوروبي.
إثر ذلك، سيعود للنواب الأوروبيين المصادقة بالأغلبية البسيطة، أي 376 على الأقل من أصل 751، أو رفض المرشح المقترح.
لعبة يبدو أنها لا تزال مفتوحة بعد نحو أسبوعين من الاقتراع الذي تصدر نتائجه حزبا الشعب الأوروبي والديمقراطيين الاجتماعيين، ممن يشكلان الكتل الأكبر ببرلمان التكتل، لكنهما فقدا قدراتهما التاريخية على تشكيل الأغلبية معا.
قمة 30 يونيو
اليمين الأوروبي قام بالفعل بترتيب المعركة من خلال إعادة انتخاب مانفريد ويبر كزعيم لكتلة الشعب الأوروبي في البرلمان، في خطوة ستسمح للأخير بإجراء مفاوضات مع التشكيلات السياسية الأخرى لتشكيل ائتلاف.
ومن المنتظر أن تبدأ المحادثات رسميًا في 12 يونيو الجاري، من أجل التوصل إلى إقرار برنامج عمل ولاية المفوضية المقبلة.
وتستهدف المحادثات المرتقبة الاتفاق على برنامج يمكن أن توافق عليه الكتل الرئيسية الأربع المؤيدة لأوروبا، وهي حزب الشعب الأوروبي، والاشتراكيين والديمقراطيين، والليبراليين والخضر.
في الأثناء، يظل حزب الشعب الأوروبي، متمسكا بمنصب رئيس مفوضية التكتل، حيث شدد أحد قياداته على أن الحزب يعتير "أهم قوة في البرلمان، ولدينا الأغلبية في المجلس الأوروبي، ولذلك نحن تطلب رئاسة المفوضية، أما بقية المناصب، فبالإمكان التفاوض حولها".
وفي خضم التجاذبات الراهنة، فإن احتمال الدعوة لقمة أخرى في 30 يونيو الجاري، في حال فشلت قمة 20 و21 من الشهر نفسه، أمرا واردا للغاية.