هاتف في ملابس جثة.. قصة قناة اتصال سرية بين روسيا وأوكرانيا

في سياق نادر ومعقد يسوده التوتر واستمرار القتال، تمكنت روسيا وأوكرانيا من بناء قناة اتصال سرية، رغم ما يكتنف ذلك من صعوبات.
وبحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، اطلعت عليه العين الإخبارية، فقد سمحت هذه القناة لهما بتنظيم وتنفيذ أكبر عملية تبادل لأسرى الحرب شهدتها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث تم تحرير وتبادل أكثر من 10,000 أسير على مدى عدة أشهر من الاشتباكات والمعارك الشرسة.
وبدأت القصة بشكل غير متوقع ومبسط في الأسابيع الأولى للحرب في أوكرانيا في فبراير/شباط من عام 2022، حين عثر جندي أوكراني خلال عمليات تمشيط ميدانية في منطقة شمال غرب كييف على هاتف محمول في جيب ضابط روسي قتل في المعركة.
بدا هذا الهاتف مجرد قطعة تقنية عادية، لكنه كان بداية حوار غير رسمي وغير متوقع فتح بابا للتواصل بين الجانبين.
انتقل الهاتف إلى الجنرال ديمترو أوسوف، نائب رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكرانية (HUR)، الذي كان يسعى في حينه لإيجاد طريقة لاستعادة جثث جنديين أوكرانيين سقطا حديثا في القتال.
باستخدام هذا الهاتف، تمكن أوسوف من التواصل مع قائد روسي من الجانب الآخر، وأرسل له صورة الضابط الروسي القتيل، واقترح تبادل جثث القتلى بين الجانبين.
هذه المبادرة الصغيرة والإنسانية مثلت الخطوة الأولى في بناء قنوات اتصال سرية بين الأجهزة الاستخباراتية العسكرية في البلدين، ودفعتهما إلى التفاوض على تبادل الأسرى والمعتقلين لاحقا.
بمرور الوقت، نمت هذه القناة لتصبح أداة مركزية وحيوية يديرها جهاز الاستخبارات العسكرية الأوكراني ونظيره الروسي.
هذه القناة لم تقتصر فقط على تبادل جثث القتلى، بل توسعت لتشمل مقاتلين من كلا الطرفين، وصحفيين، وشخصيات سياسية، بالإضافة إلى مدنيين احتجزوا خلال سير النزاع.
وقد شهدت عمليات التبادل هذه تباينا في الحالات الصحية، حيث كان يعاني بعض الأسرى الذين عادوا لأسرهم من تدهور صحي حاد نتيجة ظروف الاحتجاز القاسية، بما في ذلك فقدان وزن ملحوظ وعلامات سوء التغذية.
ورغم غياب أي نوع من العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين موسكو وكييف، واستمرار القتال العنيف والاشتباكات اليومية، ظلت هذه القناة السرية نشطة وفاعلة، مدعومة أحيانا بوساطات دولية لعبت أدوارًا محورية في تيسير بعض عمليات التبادل المعقدة.
هذه القناة لم تكن مجرد أداة تقنية أو تبادل معلوماتي، بل جسدت تجربة إنسانية متميزة تعكس أن البراغماتية الإنسانية يمكن أن تجد طريقها حتى في أصعب وأقسى لحظات الصراع والحرب.
هذه المبادرة التي ولدت من صدفة صغيرة على أرض المعركة، تحولت مع مرور الوقت إلى جزء لا يتجزأ من إدارة النزاع الإنساني، مؤيدة بفهم مشترك بين الطرفين لأهمية الحفاظ على حياة وإنسانية الأسرى، بغض النظر عن الظروف السياسية والقتالية.
حجم عمليات التبادل وعدد الأسرى الذين شملتهم هذه القناة يجعلها تجربة فريدة وغير مسبوقة في العصر الحديث، وفق التقرير.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA=
جزيرة ام اند امز