دبلوماسية الغولف.. كيف فتح رئيس فنلندا قناة اتصال مع ترامب؟

يتلقى الرئيس الفنلندي ألكسندر ستابّ، اتصالات مفاجئة من نظير غير متوقع؛ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ليناقشا السياسة وأمور أخرى.
في إحدى هذه المكالمات، مازحه ترامب مستغربا: "لماذا تستيقظ في هذا الوقت؟"، ليضحك ستابّ وهو يشرح روتينه الصباحي القائم على تدريبات الترايثلون والساونا، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
هذه المحادثات الشخصية هي نتاج استراتيجية دبلوماسية فريدة، نسج خيوطها الرئيس الفنلندي عبر ملعب غولف قبل خمسة أشهر، وتحوّلت إلى جسر حيوي بين أوروبا وترامب في قضايا مصيرية، أبرزها الموقف من التهديد الروسي.
من ملعب الجولف إلى طاولة المفاوضات
وتجلّت براعة ستابّ الدبلوماسية خلال جولة غولف مشتركة مع ترامب في ملعب ويست بالم بيتش بولاية فلوريدا.
اللعبة التي بدأت كمنافسة رياضية تحوّلت إلى قناة اتصال غير رسمية، استثمرها الرئيس الفنلندي لنقل هواجس أوروبا بشأن الحرب في أوكرانيا.
ويوضح ستاب "نحن الفنلنديين لا نخفي أجندة، ونحن صريحون للغاية"، مشيرا إلى دوره كوسيط يبلّغ رسائل الزعماء الأوروبيين وأوكرانيا، لترامب، وينقل في المقابل ردود الأخير.
جذور الثقة
ويرتكز نجاح الرئيس الفنلندي ألكسندر ستابّ في كسب ثقة دونالد ترامب على مرتكزات متعددة متشابكة. فإتقانه خمس لغات، مدعومًا بتجربته الدراسية العميقة في الولايات المتحدة حيث تلقى تعليمه الجامعي، وفّرا أرضية ثقافية مشتركة سهّلت الحوار المباشر دون حواجز.
هذا التمكّن اللغوي والاندماج في السياق الأمريكي اقترن بسمة جوهرية في الشخصية الفنلندية، وهي الشفافية في الطرح والابتعاد عن المراوغة الدبلوماسية التقليدية، مما منح ترامب شعورًا بالأمان في تلقّي الرسائل.
ولم تكن هذه العلاقة مجرد تفاعل وظيفي، بل تحمل أبعادًا شخصية عميقة.
ستابّ المنحدر من عائلة عانت من التوسع السوفياتي وفقدت أراضيها خلال الحروب، يحمل في وعيه التاريخي إدراكا مُرا لطبيعة التهديد الروسي، ما جعله ينقل القضية لترامب ليس كمسألة جيوسياسية فحسب، بل كخطر وجودي، وفق الصحيفة.
هذا المزيج الفريد، من الخبرة الأمريكية والصراحة الفنلندية والإرث العائلي، أعاد إحياء الدور التاريخي لفنلندا كقناة اتصال بين الشرق والغرب، متجددًا هذه المرة على طاولة المفاوضات الحديثة.
تأثير ملموس
لم تبقَ ثمرات هذه العلاقة حبيسة النوايا، بل تجسّدت في تحوّلات ملموسة في الموقف الأمريكي. فبعد حواراته المتكررة مع ستابّ، باشر ترامب تصعيدا واضحا في انتقادات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، متجاوزا لغة التلميح إلى الهجوم المباشر.
كما أعلن عن استعداد واشنطن لتعزيز الدفاع الأوروبي عبر تزويد حلفائها بأسلحة متطورة لمواجهة الهجمات الجوية والبرية الروسية، في خطوة تقرّب موقفه من الموقف الأوروبي الداعم لأوكرانيا.
وأكّد السيناتور ليندسي غراهام قيمة هذه القناة غير التقليدية بقوله: "ستابّ كان جسرا بين أوروبا وترامب.. أتحدث معه مرتين يوميا أحيانا"، مشيرًا إلى الدور المحوري الذي يلعبه الرئيس الفنلندي في تشكيل التصورات السياسية.
دبلوماسية الملاعب
تحوّلت جولة الغولف التي جمعت الرجلين في "ويست بالم بيتش" إلى نموذج مبتكر للدبلوماسية الشخصية. فالتعليق البسيط الذي أطلقه ترامب، "إنه لاعب ممتاز"، لم يكن مجرد مجاملة رياضية، بل كان بوابة لبناء الثقة التي حوّلت الملعب إلى منصة سياسية.
فبعد كل جولة، كان ستابّ ينتقل بسلاسة من اللعب إلى التنسيق الفعّال، فيتواصل فورا مع قادة مثل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ثم يُطلع أوكرانيا على تطورات الموقف.
هذا النهج أعاد إحياء التقليد الفنلندي العريق في الوساطة - الذي برز خلال الحرب الباردة - لكن بلغة عصرية تعتمد على المبادرة الشخصية وبناء التحالفات في المساحات غير الرسمية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuNyA=
جزيرة ام اند امز