الدرس الأكثر خطورة في قرار تخلي ترامب عن حلفائه الأكراد يتمثل في إمكانية -بل سهولة- تخلي ترامب عن كل حلفائه في المنطقة
الغزو التركي المنتظر بين لحظة وأخرى لشمال شرقي سوريا وضع جميع اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين في ورطة حقيقية، بات معها الجميع يبحث عن كيفية مواجهة العاصفة التركية والخروج من هذه الأزمة، التي أصبحت تنذر بإطالة أمد الصراع وإعادة خلط الأوراق، ورسم خرائط جديدة للحرب المتواصلة منذ نحو ثماني سنوات.
هذا القلق لدى حلفاء واشنطن يرتبط أساساً بإمكانية تغير السياسة الأمريكية في المنطقة، كما تظهر رغبتها في عدم محاربة إيران أو لجم تركيا عن الإجهاز على حلفائها الأكراد، بذريعة عدم رغبة ترامب في الدخول في حروب جديدة
الخطط التركية القديمة الجديدة لاقتطاع أجزاء واسعة من شمالي سوريا، شرقاً وغرباً، باتت معروفة للجميع، وهي لا تقتصر على درء "الخطر الإرهابي"، الذي يمثله المقاتلون الأكراد، حسب أنقرة، وإنما يرتبط بأطماعها العدوانية والتوسعية، الهادفة إلى احتلال الأراضي السورية، وإلحاقها بلواء الإسكندرون المحتل، كما كان عليه في عهد الإمبراطورية العثمانية البائدة، بذريعة إقامة "المنطقة الآمنة"، وإعادة توطين نحو مليوني لاجئ سوري، بما يفضح حقيقة التغيير الديموغرافي في كل مناطق شرقي الفرات، لكن إذا كانت الأهداف التركية واضحة من وراء هذا الغزو المنتظر، وإن كانت نتائجه غير مضمونة، فإن الموقف الأمريكي وإعلان ترامب عن سحب قواته من تلك المناطق، بما يُعطي "الضوء الأخضر" للاجتياح التركي، لم يعد مفهوماً إلا في إطار تخلي واشنطن عن أقرب وأكثر حلفائها تضحية في مقاتلة تنظيم داعش، ويظهر أردوغان في صورة المنتصر على ترامب، تحت ذرائع واهية، مثل هذه الحروب "السخيفة والقبلية" ذات الكُلفة الباهظة التي تحملتها واشنطن وحدها، في إشارة إلى شركائه في التحالف الدولي ضد داعش، أما الحلفاء الأكراد فقد تحولوا، بطرفة عين، من موقع الحليف إلى موقع الاتهام؛ حيث لم يتردد ترامب في اتهامهم بتلقي الأموال والمساعدات العسكرية الضخمة مقابل انخراطهم في الحرب ضد داعش.
غير أن الدرس الأكثر خطورة في قرار تخلي ترامب عن حلفائه الأكراد يتمثل في إمكانية -بل سهولة- تخلي ترامب عن كل حلفائه في المنطقة، بما في ذلك "إسرائيل" التي استخلصت من ذلك، حسب «القناة 13»، بأن دعم الإدارة الأمريكية لها لن يتعدى حدود الدعم السياسي، وأنها لن تعول بعد الآن على دعم عسكري حقيقي إذا ما اضطرت إليه.
هذا القلق لدى حلفاء واشنطن يرتبط أساساً بإمكانية تغير السياسة الأمريكية في المنطقة، كما تظهر رغبتها في عدم محاربة إيران أو لجم تركيا عن الإجهاز على حلفائها الأكراد، بذريعة عدم رغبة ترامب في الدخول في حروب جديدة، لكن هذه الذرائع والتبريرات لم تقنع صنّاع القرار الأمريكي في الحزبين الديمقراطي والجمهوري، على حد سواء، لقناعتهم بأن الأمر يتعلق بالاستراتيجيات الأمريكية وإمكانية خسارة المنطقة برمتها.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة