جوزيف عون.. من معارك «الجرود» لدهاليز الرئاسة في لبنان

في لبنان لا شيء يعلو على الاختلافات، لكن عنوانا واحدا فقط يبقى مصدرا نادرا للوحدة في بلد مزقته الانقسامات الطائفية والسياسية.

إنه الجيش، الذي وُلد من رحمه، اليوم الخميس، الرئيس الجديد للبنان الجنرال جوزيف عون (60 عاما)، منهيا بذلك شغورا رئاسيا دام أكثر من 27 شهرا، وذلك منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشيل عون في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وبموجب اتفاق تقاسم السلطة في لبنان، يتولى الرئاسة مسيحي ماروني، ويخصص منصب رئيس الوزراء لمسلم سني، ويذهب منصب رئيس مجلس النواب إلى مسلم شيعي.

ومنذ انتهاء ولاية ميشيل عون الذي تولى المنصب هو الآخر بعد شغور رئاسي دام عامين، عام 2016، عقد البرلمان اللبناني جلسات عديدة فشلت في الوصول إلى توافق حول الرئيس.

قبل انتخابه رئيسا للبلاد، كان جوزيف عون يخوض مهمة صعبة بصفته قائد الجيش، وذلك في أعقاب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، بعد حرب قتلت الآلاف في لبنان وتسببت في نزوح جماعي على جانبي الحدود.

وبموجب شروطه، أصبح الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة الوجود المسلح الوحيد في جنوب لبنان.

من هو جوزيف عون؟

وُلِد جوزيف خليل عون في 10 يناير/كانون الثاني 1964 في بلدة سن الفيل في قضاء المتن، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في سيرته المنشورة على موقع قيادة الجيش اللبناني.

وينحدر الرجل الذي يتحدث العربية والفرنسية والإنجليزية من الطائفة المسيحية في لبنان ولديه ولدان (خليل ونور).

وحتى انتخابه رئيسا للبنان كان جوزيف عون يشغل منصب قائد الجيش اللبناني (القائد الرابع عشر للجيش).

وقد تسلّم منصب قائد الجيش في 8 مارس/آذار 2017 خلفا للعماد جان قهوجي.

بدأ عون مسيرته العسكرية متطوعاً في عام 1983، وشارك منذ 1984 في عدة دورات عسكرية، منها دورة ضباط في 1986، ودورة غوص في 1987، ودورة ضباط كبار في 1996.

في عام 2013 شارك في ورشة عمل حول الاستخبارات ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى عدة دورات في الخارج، خاصة في الولايات المتحدة، حيث شارك في دورتين للمشاة في عامي 1988 و1995، وفي وقت لاحق خلال البرنامج الدولي لسياسة مكافحة الإرهاب في الفترة بين 2008 و2009.

في عام 2015 عُيّن قائدا للواء التاسع المنتشر في جنوب لبنان، وفي 2016 نُقل إلى القطاع الشرقي على الحدود مع سوريا، حيث تعامل مع تهديد داعش آنذاك.

أوسمة

خلال مسيرته العسكرية نال عون عدة أوسمة وميداليات عسكرية:

• وسام الجرحى، الذي ناله مرتين. يُمنح للعسكريين المصابين خلال العمليات العسكرية.
• وسام "فجر الجنوب" يمنحه وزير الأمن الوطني لجميع جنود الجيش اللبناني الذين كانوا في الخدمة الفعلية بين 1-10 يوليو/تموز 1991، ويخلد ذكرى المعركة الأخيرة في الحرب الأهلية في صيدا.
• وسام الأرز الوطني، هو أعلى وسام وطني في لبنان ويمنحه عادة رئيس الدولة عن "الخدمات العظيمة التي يقدمها الحائز على الجائزة للبنان، ولأعمال الشجاعة والتفاني ذات القيمة الأخلاقية الكبيرة، مثل سنوات الخدمة العامة".
• وسام مكافحة الإرهاب، يمنح بأمر بناء على توصية وزير الدفاع (الأمن الوطني) لجميع العسكريين ومؤسسات وزارة الأمن الوطني، الذين كانوا في الخدمة الفعلية بين 20 مايو/أيار 2007 و2 سبتمبر/أيلول 2007. 

"الجرود".. العالقة في الأذهان

ارتبط اسم جوزيف عون بوعي الشعب اللبناني بفضل حدثين بارزين:

الأول فجر الجرود، المعركة التي قادها بنجاح ضد مئات من مسلحي داعش في عام 2017 في شرق لبنان على الحدود مع سوريا.

والثاني هو حربه الطويلة ضد الفساد في المنظومة العسكرية، التي تمكن من الحفاظ عليها كواحدة من المؤسسات القليلة الدائمة في بلد يعاني الانهيار التام.

في 19 أغسطس/آب 2017، أطلق الجيش بقيادة عون عملية "فجر الجرود" لإخراج مسلحي داعش من معاقل الحدود اللبنانية مع سوريا.

وفي تصريحات سابقة لوكالة فرانس برس، قال كريم بيطار، الخبير في العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت، إن عون "يتمتع بسمعة طيبة في النزاهة الشخصية".

وأضاف بيطار "يُنظر إليه داخل الجيش اللبناني على أنه شخص مخلص.. لديه المصلحة الوطنية في قلبه، وكان يحاول تعزيز هذه المؤسسة، وهي آخر مؤسسة غير طائفية لا تزال على قدميها في البلاد".

ويتمتع عون بعلاقات جيدة مع مجموعات من مختلف الأطياف السياسية، بما في ذلك حزب الله، وكذلك مع دول أجنبية مختلفة.

وأشار مهند الحاج علي من مركز كارنيغي للشرق الأوسط إلى أن "كونه رئيس القوات المسلحة اللبنانية المدعومة من الولايات المتحدة، فإن جوزيف عون لديه علاقات مع واشنطن".

وفي حديث سابق مع فرانس برس، قال الحاج علي "بينما حافظ على علاقاته مع الجميع انتقدته وسائل الإعلام التابعة لحزب الله في كثير من الأحيان" بسبب علاقاته بالولايات المتحدة.

وواشنطن هي الداعم المالي الرئيسي للجيش اللبناني، الذي يتلقى أيضا دعما من دول أخرى.

وتضرر الجيش بشدة من الأزمة الاقتصادية في لبنان، وفي وقت ما من عام 2020 قال إنه ألغى اللحوم من الوجبات المقدمة للجنود أثناء الخدمة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

شغور الماضي

وانتهت ولاية الرئيس في أكتوبر/تشرين الأول عام 2022 دون أن يتمكن البرلمان من اختيار خليفة له.

ولم تحدث الانتخابات البرلمانية في عام 2022 تغييرا كبيرا، حيث أعاد الشعب اللبناني انتخاب برلمان منقسم، ظل على حاله منذ أكتوبر 2019.

ومنذ توليه قيادة الجيش في عام 2017، أطلق عون حملة واسعة النطاق لمكافحة الفساد داخل المؤسسة العسكرية، والتي أثرت على العديد من العسكريين، وقد شكلت سمعة عون كمقاتل ضد الفساد بشكل كبير صورته كشخصية موثوقة قادرة على إنقاذ البلاد من الانهيار.

وبعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، حوّلت الدول الصديقة للبنان مساعداتها إلى المؤسسة العسكرية لتوزيعها على المتضررين.

مدة الولاية والصلاحيات

تبلغ مدة ولاية الرئيس في لبنان 6 سنوات، ولا يجوز إعادة انتخاب شخص للمنصب مرة أخرى، إلا بعد ست سنوات من نهاية ولايته.

ويمتلك رئيس الدولة صلاحيات متعلقة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية، أبرزها الدعوة إلى جلسات استثنائية للبرلمان، وتأجيل انعقاده لمدة لا تتجاوز شهرا. إضافة إلى حله في حالات محددة.

aXA6IDMuMTM3LjIwMC41NiA=

جزيرة ام اند امز