قصة تشارلز وحمد بن جاسم.. حقائب دولارية تعيد "أموال قطر" للواجهة
لم تكشف قضية ضخ "المال القطري" في جمعيات مرتبطة بالأمير تشارلز، وريث عرش بريطانيا، خللا إداريا فحسب، وإنما أعادت للواجهة قضية "استخدام" الدوحة للمال سياسيا، وأيديولوجيا.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، فجرت الصحافة البريطانية مفاجأة من العيار الثقيل، حين كشفت عن حصول ولي عهد المملكة المتحدة الأمير تشارلز على حقائب تحتوي على ملايين من اليوروهات، قدمها رئيس وزراء قطر السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.
وذكر تقرير لصحيفة "صنداي تايمز" أن الحقائب الثلاث التي حصل عليها تشارلز بلغ مجموعها 3 ملايين يورو (3.1 مليون دولار أمريكي).
ووفقا للصحيفة فقد تسلم ولي العهد البريطاني ( 73 عاما) الأموال خلال اجتماعات "غير رسمية" مع الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني (63 عاما) في الفترة بين عامي 2011 و2015، بما في ذلك اجتماع خاص في مقر إقامة تشارلز (كلارنس هاوس) عام 2015.
رد رسمي
التقرير أشار إلى أن الأموال وضعت في حقيبة سفر بإحدى المناسبات، وحقيبة صغيرة في مناسبة أخرى، أما الثالثة فكانت في أكياس من متجر فورتنام وماسون البريطانية، المتجر الفاخر الذي يزود ولي العهد بالخضراوات والشاي.
وردا على التقرير، قال المكتب الإعلامي للأمير، في بيان نقلته "التايمز" البريطانية إن الأموال التي تلقاها الأمير خلال اجتماع مباشر عام 2015 "تم تحويلها على الفور إلى إحدى الجمعيات الخيرية التابعة للأمير، التي أكدت لنا اتباع جميع الإجراءات الصحيحة".
وأودعت جميع الدفعات في حسابات الصندوق الخيري للأمير تشارلز، وفقا لصحيفة "تايمز" التي ذكرت أنه "لا يوجد ما يشير إلى أن الأموال كانت غير قانونية".
شكوك وثغرات و"بيع ألقاب"
صحيفة "صنداي تايمز" التي فجرت الأزمة قالت إن هناك بعض الشكوك تتعلق بعدم إدراج اجتماعات الأمير تشارلز مع الشيخ حمد بن جاسم، التي تلقى فيها الأموال ضمن نشرة البلاط، ولا في قائمة الارتباطات الرسمية التي يقوم بها أفراد العائلة الملكية.
وفي ثغرة أخرى لم يرد عليها مكتب ولي العهد، أشارت الصحيفة إلى أن "سياسة الهدايا الملكية تنص على السماح لأفراد العائلة الملكية بقبول شيك، بصفتهم راعيا لمؤسسة خيرية أو بالنيابة عنها، لكنها لا تذكر شيئا حول الحصول على أموال نقدا"، وكانت الأموال القطرية التي تسلمها الأمير تشارلز كلها نقدا.
"أموال قطر" تعود للواجهة
وبقدر ما تثير القضية بعض الشكوك في المملكة المتحدة، إلا أنها تثير أيضا تساؤلات في الاتجاه المقابل. بل تعيد بقوة الجدل حول "أموال قطر" التي تلعب أدوارًا مختلفة في أماكن مختلفة من العالم.
وتملك الشخصيات والمؤسسات القطرية سجلا كبيرا من استخدام المال لتحقيق أهداف سياسية، ودعم جماعات إسلاموية ونشر التطرف، وفق تقارير ودراسات غربية.
ووفق تقرير سابق لمؤسسة "open secrets" التي تتعقب استخدام المال لأهداف سياسية، أنفقت قطر في عام 2017 وحده، 5 ملايين دولار على حملات ضغط وحملات إعلامية في أمريكا.
وفي 2014، كشف تحقيق لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن قطر تنفق ملايين الدولارات على تمويل مؤسسات بحثية في الولايات المتحدة، كوسيلة لدفع الساسة الأمريكيين في نهاية المطاف، لتبني سياسات تحقق مصالحها.
ووفق التحقيق، وافقت قطر في 2013، على التبرع بمبلغ 14.8 مليون دولار لمدة أربع سنوات لمعهد بروكينغز البحثي الأمريكي، ما صب في تمويل فرع المعهد بقطر، ومشروع بشأن علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي.
فيما ذكر تقرير سابق للباحث، ثيودور كاراسيك، أن قطر أنفقت خلال السنوات الماضية 2.5 مليار دولار على شراء أصول في روسيا، من أجل كسب بعض النفوذ السياسي في السياسة الخارجية لموسكو، خاصة فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط وبالأخص سوريا.
وكان كتاب "أوراق قطر" ذكر قبل أعوام أن مؤسسة رئيسية مثل "قطر الخيرية" تتظاهر علنا بأنها منظمة غير حكومية مستقلة، ولكن البحث المدقق يكشف أنها متشابكة بإحكام مع الدولة القطرية وتطور أجندتها في الخارج.
ووفق الكتاب، تنشط قطر الخيرية على نطاق عالمي، لكن تركيزها الأساسي ينصب على الدول الغربية حيث أطلقت برنامجًا يسمى "الغيث" في هذه الدول، والأموال المستثمرة في هذا الإطار بأوروبا كبيرة؛ فاعتبارًا من عام 2014 استثمرت قطر حوالي 72 مليون يورو في 113 مشروعًا في أوروبا، صبت في إطار دعم شبكة الإخوان المسلمين.
وفي وقت سابق نقلت مجموعة "أبحاث السياسة" في الهند عن جيمس دوجلاس كريكتون، الكاتب المقيم في لندن، أن منظمات خيرية قطرية تمول تنظيمات إسلاموية للترويج لفكر راديكالي يعمق الخلافات والشكوك في المجتمعات متعددة الأديان.
ووفقًا التقرير، فإن مؤسسة خيرية رئيسية في قطر، تنغمس في دعم التطرف في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الهند.
ووفق مراقبين، فإن مدفوعات حمد بن جاسم إلى الأمير تشارلز، ورغم التعاطي معها بشكل قانوني، فإنها تثير كثيرا من علامات الاستفهام فيما يتعلق بالأهداف القطرية من ورائها، في ظل السجل الحافل للدوحة في استخدام المال لتحقيق أهداف سياسية.
وقت محرج
وتأتي التقارير الأخيرة عن تلقي تشارلز أموالا من حمد بن جاسم، في وقت محرج لوريث عرش بريطانيا، إذ ترفض "كلارنس هاوس" في الفترة الأخيرة، مزاعم عن تفشي ثقافة "الأموال مقابل الوصول" في المنظمات الخيرية التابعة للأمير.
وفي الوقت الحالي، تقوم شرطة العاصمة البريطانية واللجنة الخيرية بالتحقيق في ممارسات جمع التبرعات في الجمعيات الخيرية التابعة لتشارلز، بما في ذلك بيع "الألقاب والتكريمات".
وتتهم تقارير صحفية مايكل فوسيت، أقرب المقربين لتشارلز، بممارسة "فساد"، لصالح ملياردير عربي، حيث أقيل من منصبه في الدائرة المقربة من تشارلز في مارس/آذار 2003، بعد تقرير للسير مايكل بيت، حول سوء الإدارة في "كلارنس هاوس".
وخلص تقرير بيت إلى أن فوسيت قد قبل "العديد من الهدايا أثناء خدمته الملكية"، لكنه برأه من أي مخالفات مالية. لكن فوسيت واصل العمل لدى تشارلز بشكل مستقل بعد ذلك، كمساعد ومخطط للحفلات.
علاقة قديمة
وبعيدا عن قضية أموال قطر، تقول تقارير صحفية بريطانية، إن علاقة الأمير تشارلز وحمد بن جاسم، تعود إلى عدة عقود، فيما تعكس بعض المواقف قرب العلاقة بين الرجلين.
وأقوى دليل على هذه العلاقة كان في عام 2010، حين مارس الأمير تشارلز، ضغطا على حمد بن جاسم، لإرجاء إعادة تطوير ثكنات تشيلسي في لندن؛ والتي كانت من المقرر أن تتكلف 3 مليارات جنيه إسترليني.
ووفق "ذا جارديان" البريطانية، كتب تشارلز رسالة أخبر فيها رئيس الوزراء القطري في ذلك الوقت أن تصميم الصلب والزجاج الذي اقترحته شركة "الديار القطرية" المدعومة من الدولة القطرية "أصابه بالإحباط".
الرسالة التي تحمل تاريخ ١ مارس/آذار ٢٠٠٩، وتحية مكتوبة بخط اليد من تشارلز للشيخ حمد بن جاسم، تحدثت عن ضرورة الحفاظ على "الروح الكلاسيكية للعاصمة البريطانية".
وتعليقا على الخطاب، قال الدكتور جون أولسون، خبير اللغويات، لصحيفة "لندن إيفنج ستاندرد" قبل سنوات، إن الأمير تشارلز استخدم "لغة شخصية" لإضافة تأثير الرسالة، التي وصفها بأنها "نداء عاطفي بسيط من فرد إلى آخر".
والتقى تشارلز لاحقًا بأمير قطر لتناول الشاي في "كلارنس هاوس"، حيث أثير الموضوع مرة أخرى.
بعد ذلك، سحبت قطر خطط التطوير، مما دفع الأخوين كاندي، اللذين كانا يشرفان على المشروع، إلى رفع دعوى قضائية بقيمة 81 مليون جنيه إسترليني، اتهموا فيها قطر بالانصياع لمطالب الأمير تشارلز.