لا تكاد تمر بضعة أيام دون إعلان عن عقوبات غربية جديدة ضد روسيا، لكن الغريب في الأمر أن صدى العقوبات الغربية على موسكو نسمعه في أوروبا والولايات المتحدة، وبالطبع في مناطق مختلفة من العالم.
الجميع بات يصرخ من ارتفاع أسعار الوقود وانعاكساتها على أسعار السلع كافة، وعلى النقيض من ذلك تحقق روسيا أرباحًا ضخمة من عائدات بيع النفط والغاز.
وبعد مرور 5 أشهر على حرب أوكرانيا، وصلت تبعاتها إلى كل أصقاع العالم، ما بين موجة تضخم كبرى وتغيرات سياسية طالت لعنتها قادة وزعماء، بدأت بخسارة الرئيس الفرنسي أغلبيته في البرلمان، ثم استقالة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، ثم استقالة رئيس وزراء إيطاليا ماريو دراجي.
ولم يُخفِ مسؤولون روس سعادتهم -وأحيانا سخريتهم- من سقوط "جونسون" و"دراجي"، واعتبروا استقالتيهما نتيجة لعقوبات "إيذاء النفس"، التي فرضها الغرب على روسيا.
فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي أعاد لروسيا هيبتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، يراهن على سلاح قديم أقوى من الصواريخ، التي تزود الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون بها أوكرانيا، وهو عامل الوقت، حيث تأمل روسيا في أن يضعف عزم الغرب بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، والتي ساعدت الحرب على تأجيجها.
ورغم اعتراف "بوتين" بوجود تأثيرات للعقوبات الغربية فقد اعتبر أن موسكو "استعدت جيدا وكانت تتوقع ذلك".
ومع طول أمد الحرب وانعكاساتها يسعى "بوتين" لـ"خنق" الاقتصاد الأوكراني وإرهاق القيادات الأوروبية، وحتى الولايات المتحدة، وبالفعل بدأت النتائج تظهر، فقد تواجه أوروبا كارثة إذا لم تنجح في توفير بدائل للغاز قبل الشتاء المقبل، حيث إن الجهود المبذولة في الوقت الراهن لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة.
ألمانيا قد تكون الضحية الأقرب، حيث يواجه أضخم اقتصاد في أوروبا أزمة غاز جعلت المستشار الألماني، أولاف شولتز، يصف الحرب بأنها "تهديد غير مسبوق"، سواء على الصعيدين الأمني أو الاقتصادي، وسط آفاق قاتمة على المدى المنظور.
مناطق العالم المختلفة تشهد زيادات بأسعار الوقود، فالأمريكيون مثلا يعانون من ارتفاعات غير مسبوقة في كُلفة الوقود والطعام دفعت الرئيس جو بايدن للإفراج عن كميات قياسية من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، قدرها مليون برميل يوميا لمدة ستة أشهر، ولكن دون جدوى.
وتشكل الأسعار المرتفعة خطرا على الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي بالكونجرس، والمقررة في نوفمبر المقبل، بينما يسعون للحفاظ على أغلبيتهم بمجلسَيْ الشيوخ والنواب الأمريكيين، وهو أمر قد يكون مستحيلا في ظل شعبية تتهاوى وأوضاع اقتصادية تزداد سوءا.
وفي حال خسر حزب الرئيس السيطرة على المجلسَين، فربما يواجه "بايدن" العزل، بعد ما أشار العديد من النواب الجمهوريين إلى أن الأغلبية الجمهورية في كلا المجلسين ستتحرك عندئذ في هذا الاتجاه.
وبحسب استطلاع رأي أجرته جامعة ماساتشوستس أمهيرست، في مايو الماضي، فإن 68 بالمائة من الجمهوريين، و66 بالمائة من المحافظين، يريدون عزل "بايدن" حال سيطر الجمهوريون على مجلس النواب، بينما اعتقد 53 بالمائة من الجمهوريين أن مجلس النواب، الذي تهيمن عليه أغلبية جمهورية، "سيقوم فعليا بعزله".
فهل تتحقق نبوءة بوتين، التي كررها خلال احتفالات بلاده بذكرى عيد النصر موجها حديثه للغرب: "سنحقق مرادنا وسنحمي بلادنا وأنتم سوف تفشلون"؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة