أسوار العراق أمام مدافع إيران.. طهران تتوعد وبغداد تلتزم الصمت
مجدداً تغل إيران أظافرها بظهر العراق علانية بعد تصريحات رئيس فيلق القدس إسماعيل قاآني، والذي توعد بشن حرب برية لاجتياح إقليم كردستان.
وتشكل الجارة الشرقية إيران للعراق واحدة من أهم التحديات الأمنية والجيوسياسية التي وضعت مستقبل البلاد أمام هدر فرص البناء السياسي والتحصين السيادي من خلال تدخلها بالشؤون الداخلية والعمل على صناعة المجاميع الولائية في عمق سلطة بغداد.
وكانت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، كشفت، أمس الجمعة، أن إيران بعثت رسالة تهديد للمسؤولين في بغداد، بشن عملية عسكرية برية في شمال البلاد.
ووفق الوكالة الأمريكية، فإن التهديد الإيراني باجتياح العراق نقله قائد فيلق القدس قاآني الذي وصل إلى بغداد الإثنين الماضي في زيارة غير معلنة استمرت يومين.
وجاءت تصريحات قاآني بعد نحو أربعة أيام على هجوم بطائرات مسيرة استهدف مناطق في السليمانية وأربيل في إقليم كردستان مقار حزب معارض لطهران ما أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 10 أشخاص قابلها إدانات ورفض دولي وأممي.
وتوعد قاآني خلال الزيارة السرية بتنفيذ عملية عسكرية بالقوات البرية لاجتياح مناطق في شمال العراق ما لم تتحرك بغداد لإبعاد خطر المعارضة الإيرانية التي تقيم على أراضيها بزعم تهديد الأمن القومي الإيراني، بحسب ما نقلته وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
وكان مجلس النواب العراقي أفصح في منتصف أكتوبر/تشرين الثاني الماضي عن تحرك نيابي يتضمن تدويل الانتهاكات الإيرانية والتركية بحق سيادة العراق وكذلك بما يختص بموضوع المياه واعتماد سياسة تعطيش أرض الرافدين.
ومنذ أكثر من عامين بدأت إيران بتصعيد هجماتها باتجاه مناطق إقليم كردستان، كان أشدها هجوماً بـ12 صاروخاً باليستياً، مارس/آذار الماضي، استهدف مناطق في أربيل تسبب بخسائر مادية كبيرة، تبنى مسؤوليته الحرس الثوري بذريعة وجود مقار إسرائيلية.
وعلى مدار عقدين، عمدت إيران على تأسيس ودعم قوى مشبوهة شكلت لاحقاً بما يعرف بدولة الظل، أكسبتها الولاء وضمنت لطهران بقاء مصالحها الجيوسياسية والاستراتيجية في العراق.
وتبدي الأوساط الشعبية والعامة رفضاً واستياء كبيرين للتدخلات الإيرانية في شؤون العراق، وقد انعكس ذلك الغضب عبر العديد من المظاهرات الاحتجاجية التي حملت طهران مسؤولية عمليات القتل الممنهج الذي طال الكثير من الرموز الوطنية.
وقال غازي فيصل، رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، إن "إيران عمدت ومنذ سنوات على خرق المواثيق الدولية والقوانين المنظمة لشكل العلاقات بين الدول من خلال الإصرار على التعامل مع العراق بأنه منطقة نفوذ لها وساحة حرب بالنيابية لإدارة صراعها مع المحيط الإقليمي والدولي.
ويضيف فيصل لـ"العين الإخبارية" أن "طهران تعيش وضعاً مضطرباً من الداخل وقد تهيئ ذلك منذ سنوات بفعل سياسات ولاية الفقيه التي جعلت من الشعب الإيراني غاضباً ومزدرياً من هؤلاء الساسة الذين حكموا البلاد طيلة أكثر من أربعين عاماً، ومن ثم هي تحاول الخلاص من الضغط الشعبي عبر تصدير أزماتها إلى الخارج".
ويتابع بالقول: "تلك الانتهاكات والتهديد بشن عملية برية إيرانية شمال العراق تأتي انعكاساً لتلك الاضطرابات التي يعشها النظام السياسي في طهران، استخفافا بقدر صانع القرار السيادي والسياسي ببغداد بعد أن وضعت أسسها وقنواتها داخل عمق الدولة العراقية".
من جانبه يقول الخبير الاستراتيجي إحسان عبدالله أن "حركة الصراع العالمي بطبيعتها المعاصرة دائما ما تختار النقطة الأضعف لكسب الأرباح وتحقيق المآرب والغايات الكبرى، وباعتبار أن العراق بلد تتقاسمه الأحزاب والقوى التي تقدم الربح الشخصي على حساب الصالح العام، فإنه من البديهي أن نكون بلاداً بلا أسوار وأرض مباحة لإيران وغيرها".
وأوضح عبدالله، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "إيران ليس لديها خيار استراتيجي ومتنفس لعزلتها الدولية سوى العراق بحكم الجغرافية وطبيعة النظام السياسي القائم، لذا فإن المتتبع للأحداث سيجد أن طهران حاضرة ولها لمسات واضحة في كل القضايا المفصلية التي عاشتها البلاد منذ عام 2003".
وبشأن فرص العراق وقدراته في ردع التدخلات الإيرانية، يشير عبدالله إلى أن "الأمر يحتاج إلى قرار وطني سيادي سياسي يتعامل مع البلاد كدولة مستقلة وليس تابعة وهذا ما يصعب إيجاده في ظل المعطيات القائمة على الأرض"، منوهاً إلى أن "هنالك الكثير من الأوراق التي تستطيع بغداد اللعب من خلالها مثل الاقتصاد والاستثمار والسياحة وغيرها التي تمثل أهمية كبرى لإيران ولكن لا توجد رغبة جادة وحقيقية لإشهار تلك البطاقات".
ولم تصدر من الجهات الرسمية من الجانب العراقي أي مواقف أو ردود حتى الآن بشأن تصريحات قائد فيلق القدس، فيما توالت ردود غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي لمدونين وناشطين دعوا من خلالها ردع عدائية طهران وإبعاد نيران خروقاتها عن البلاد.