"سقطة الجزيرة" بين إثنية "الماساي".. تنزانيا بأي ذنب شُوّهت؟
سقطة مهنية مدوية وقعت فيها قناة الجزيرة القطرية، وهي تلفق أحداثا لا تستند إلى وقائع، وتتصيد في مياه عكرة، بشبكة مثقوبة.
هذا ما وقعت فيه القناة القطرية، وهي تنقل عن منظمة دولية خبرا يتعلق باحتجاجات بعض السكان في تنزانيا على مشاريع حكومية، لتغطي جزءا من الصورة تعشي عيون مشاهديها عن الحقيقة الكاملة.
صيد الجزيرة هذه المرة كان في تنزانيا؛ الدولة الأفريقية التي تسعى حكومتها لإنقاذ قبائل "الماساي" من الحيوانات المفترسة، دون أن تضر بهم، أو تجبرهم على التهجير من أراضيهم، كما تقول.
سياسة تنموية حكومية سعت إليها تنزانيا، وقوبلت ببعض الرفض من سكان تلك المناطق، والقصة تعود لعام 2009، لكن ما الذي اكتشفته الجزيرة الآن وهي تغوص في أوحال تشويه هذا البلد الأفريقي، وتزج باسم دولة الإمارات، وتصور الحكومة التنزانية كأنها سمسار يستهدف تشريد أهله على عكس الواقع وما رصدته تقارير وكالات الأنباء العالمية وعلى رأسها وكالة الأنباء الفرنسية؟.
ونشرت منظمة "سيرفيفال إنترناشيول"، المهتمة بشؤون القبائل، تغريدات على تويتر، ومقطع فيديو يوثق تظاهرات لعدد من "الماساي" يحتجون ضد الحكومة في تنزانيا، تخللها اشتباكات أدت لمقتل جندي تنزاني وإصابة عدد من الماساي.
وورد في تغريدات المنظمة ذكر لشركة خاصة إماراتية كانت تستهدف المشاركة في خطة الحكومة لتطوير المنطقة التراثية التنزانية، وهو ما تلقفته الجزيرة فورا، لتبني عليه مسلمات، تسيء للحكومة التنزانية وتلفق دورا مزعوما لدولة الإمارات في تشريد أبناء القبائل الأفريقية، بزعم شرائها محمية هناك.
سقطات بالجملة
وهنا أعدت قناة الجزيرة عدتها في سقوط مهني حر، يهمل جوانب الحقيقة، ويعتمد مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة"، لتقودها خطتها للسقوط في وحل الكذب، وتنسب للمنظمة الدولية ما لم تنشره.
أهملت الجزيرة في تغطيتها وهي تعرض "مانشيت" على الشاشة، أن شعوب إثنية الماساي ليست كلها ضد مشروع الحكومة، الذي يهدف أساسا لتحسين حياة أولئك السكان، عكس ما تم تصويره على أنه تهجير وحشي ظالم وتشتيت لهم لمجرد مقايضة وهمية تروج لها الجزيرة.
أما السقطة المدوية فهو تضمن "المانشيت" لمعلومة "لقيطة"، تقول إن تنزانيا باعت أراضي مواطنيها لدولة لإمارات، وهو افتراء على منظمة "سيرفيفال إنترناشيول"، التي لم تقل في تغريداتها على "تويتر"، ولا في موقعها الإلكتروني أي شيء مما ذكرته الجزيرة على لسانها.
وموقع المنظمة متاح على الإنترنت والتغريدات متاحة على "تويتر" ولم يرد فيها إطلاقا أي ذكر أن تنزانيا باعت أراضيها لدولة الإمارات وأن هدف التهجير هو تسليم الأرض للإمارات.
والحقيقة التي ذكرتها وكالة الأنباء الفرنسية في تقريرها المنشور بتاريخ ١١ يونيو/حزيران ٢٠٢٢ أن الحكومة التنزانية استعانت بشركة إماراتية في عام ٢٠٠٩ لمساعدتها في إنشاء منطقة سفاري سياحية ضمن مشروع كبير يهدف لتطوير المنطقة المصنفة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وكان هدف المشروع بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، تطوير تلك المنطقة الأثرية والهامة التي بدأت تزيد فيها عشوائيات الهجرة لقبائل الماساي (من ٨ ألف شخص إلى أكثر من ١٠٠ ألف شخص الآن)، إذ يعيشون حياة رعوية شبه بدائية وسط المنطقة.
ولكن بعد تعقد الأمور وعدم نجاح الحكومة في تنفيذ المشروع انتهى التعاقد وانسحبت الشركة الإماراتية في ٢٠١٧. ومنذ ذلك الحين، لا يوجد أي طرف إماراتي له صلة بمشروع تطوير تلك المنطقة.
والسؤال الآن من أين جاءت قناة الجزيرة بتلك الفرية، التي تقول إن تنزانيا باعت أراضيها لدولة الإمارات؟.
دعك من هذه الكذبة التي تبين أن الهدف منها السعي بأي شكل للزج باسم دولة الإمارات، ولكن انظر إلى التشويه الذي يطال أيضا دولة تنزانيا التي يظهرها التقرير على أنها دولة تبيع أراضيها، وأيضا تهجر أفراد شعبها بالقوة والعنف من أراضيهم مقابل تسليمها لدولة أجنبية، وهو تشويه تام للحكومة التنزانية فضلا عن انتهاك حرمة الموضوعية والمعايير المهنية التي لطالما تشدقت بها "الجزيرة".
أما الحكومة التنزانية فكانت واضحة وهي تؤكد أن ما تقوم به في المنطقة، هو إيجاد حلول لوقف هجمات الحيوانات المفترسة ضد أبناء "الماساي" عبر السعي لإنشاء محميات طبيعية في منطقة "نغورونغورو"، نقل السكان إلى مناطق آمنة قريبة من المدراس وخدمات الحياة.
وما أهملته الجزيرة كذلك هو قواعد المهنية، والتورع عن التقول على حكومة تنزانيا ودولة الإمارات، في كل سانحة تشوه فيها صورة ناصعة البياض، ونقية من أدران التعدي على الحقوق واستغلال الشعوب.
كما أن ما أهملته الجزيرة هو أن مشكلة شعوب الماساي والحكومة التنزانية قضية داخلية بين سلطة تنفيذية ومواطنين أصليين لا ناقة للإمارات فيها ولا جمل.
منطقة تراثية عريقة
يعيش الرعاة المنتمون إلى إثنية الماساي في تنزانيا منذ أكثر من قرن مع الحمير الوحشية والفيلة والحيوانات البرية في موقع "نغور ونغورو" المدرج على قائمة التراث العالمي لدى منظمة "اليونسكو".
وتسمح تنزانيا لمجتمعات السكان الأصليين مثل شعب الماساي، بالعيش في منتزهات وطنية معينة، لكنّ السنوات الفائتة شهدت تناميا في المسار التصادمي في العلاقة بين البشر والحياة البرية، مع تسجيل هجمات حيوانية على الأشخاص أو المواشي، كما تقول وكالة "فرانس برس".
وجاء في تقرير وكالة الأنباء الفرنسية أن رعاة من الماساي أعربوا عن استعدادهم للمغادرة إزاء التصادم المتزايد بين البشر والحيوانات البرية.
في أوائل آذار/مارس الماضي، قتل أحد الفيلة رجلاً كان يجمع الحطب في نغورونغورو. أما في أغسطس/آب الماضي، فلقى ثلاثة أطفال حتفهم بعدما هاجمتهم أسود قرب المحمية عندما كانوا يبحثون عن رؤوس ماشية ضائعة.
ويقول لازارو، وهو واحد من السكان رفض ذكر اسمه كاملاً خوفًا من إغضاب زعماء الماساي "على المستوى الشخصي، سأحترم اقتراح الحكومة طالما أنّه يضمن حياة أفضل لي ولماشيتي".
وأكّد رئيس الوزراء قاسم مجاليوا مؤخرا، أنّ أكثر من 450 شخصاً وافقوا على الانتقال إلى منطقة هاندني.
ولا يزال سكان آخرون مترددين في ترك المحمية. وتقول واحدة من أفراد الماساي رفضت الكشف عن اسمها لوكالة الأنباء الفرنسية "أريد أن أستمر في العيش هنا لكنّ الضغط الممارس من الحكومة يدفعني للتفكير في الرحيل".
موقف حكومة تنزانيا
والعام الماضي، دقت رئيسة تنزانيا سامية صولحو حسن، ناقوس الخطر، قائلةً إنّ "نغورونغورو تضيع".
وأوضحت رؤية الحكومة للقضية قائلة: "كنّا اتفقنا على جعل المنطقة فريدة من خلال السماح للبشر والحيوانات بالعيش معاً، لكنّ أعداد البشر أصبحت خارجة عن السيطرة"، مطالبة بدراسة سبل الحدّ من التدفق البشري.
ومنذ تصريح الرئيسة، احتدم الجدل بين شعوب الماساي الذين انقسموا في مواقفهم من سياسة الحكومة الجديدة حول المنطقة.
وهنا اقترح رئيس الوزراء قاسم مجاليوا برنامج انتقال طوعي إلى منطقة هاندني التي تقع على بعد 370 كيلومتراً من الفوهة الشهيرة، حيث خصصت الحكومة 162 ألف هكتار للرعاة.
وتوجّه رئيس الحكومة إلى أفراد الماساي بالقول "نأخذكم إلى مناطق يمكنكم الاستفادة فيها من المدارس والمستشفيات والكهرباء"، فضلاً عن المراعي والأراضي للزراعة.
وبينما وافق أكثر من 450 شخصاً على الانتقال إلى هاندني، لا يزال سكان آخرون مترددين في ترك المحمية.
وتؤكد الحكومة التنزانية أنها تريد حماية 1500 كيلومتر مربع من الأنشطة البشرية من أصل 4000 كيلومتر مربع، من هذه المنطقة الواقعة قرب متنزه سيرينغيتي، تاركة 2500 كيلومتر مربع لرعاة الماساي.
aXA6IDMuMTQ4LjEwOC4xOTIg جزيرة ام اند امز