هناك اتفاق عام على أن حمد بن خليفة ما يزال يدير مسرحيته باقتدار، لكن المستغرب أن هناك تخبطاً في الرواية القطرية حول أسباب أزمة قطر.
ما حدث في قطر، من قبل ومن بعد، يبدو مسرحية من نوع الكوميديا المريرة السوداء، مؤلفها ومخرجها وبطلها حمد بن خليفة، نعم ذلك الذي انقلب على أبيه في عام 1991، على الرغم من أنه في لحظة الانقلاب كان ولياً للعهد، ونائباً للأمير والده، وقائداً عاماً للجيش.
عودة إلى عبدالله العطية، باعتباره «كومبارساً» في مسرحية حمد بن خليفة.. لقد كان التوقع أن يكون عقلانياً حكيماً وواقعياً، على معرفة بالإمارات وأهلها، وذا علاقات حسنة مع أخيارها وشخصياتها، فلا يظهر بهذا المظهر المزري الذي قضى فيه على صورته، وبدا على رؤوس الأشهاد «كومبارساً» في مسرحية حمد بن خليفة
وعلى الرغم من أن الأمير أباه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، رحمه الله، كان خارج دولة قطر، ما يجعل الأمر كله، من أوله إلى آخره، قابلاً للاختصار في كلمة واحدة هي كلمة «الخيانة»، وهي التي استمرت بعد ذلك وتوالت فصولاً في ولاء حمد بن خليفة لبيعة تنظيم «الإخوان المسلمين» أكثر من بيعته لوطنه، أو الشعب القطري الشقيق، وفي التدخل في شؤون الجيران والأشقاء وإيذائهم بالوسائل كافة، خصوصاً عبر تمويل ودعم الإرهاب والتطرف وتيارات الظلام والتكفير، من تنظيم «القاعدة» الإرهابي، إلى «النصرة» و«داعش»، وصولاً إلى مليشيات الحوثي الإيرانية الإرهابية، وما يسمى «حزب الله». أما الفصل الأخير من مسرحية حمد بن خليفة، فهو هذا الذي ترتب على تنازله عن حكم قطر بين قوسين لولده الشاب تميم، فيما أثبتت التجارب والأيام أن الحاكم الفعلي في قطر هو حمد بن خليفة نفسه ممثلاً لتنظيم «الإخوان»، وهو أي التنظيم الذي فقد عقله ورشده بعد أن فقد حكم مصر، وبعد أن اكتشف الشعب المصري الشقيق مبكراً، سوء المآل الذي كان يمكن أن يكون عليه مصير مصر العروبة والإسلام والحضارة، لو أن حكم مُرسي «الإخواني» استمر أكثر من عام.
على كل حال، ربك ستر، وعادت مصر إلى نفسها وشرعيتها بعد عام كامل من المعاناة وسوء التدبير والتقدير، فيما أبقى المؤلف وكاتب السيناريو حمد بن خليفة، أجواء مسرحيته على حالها، فما حدث في مصر ليس إلا «الانقلاب»، حيث الرجل، وهو المنقلب «خلقة» منذ نعومة أظفاره، لديه تعريفه الخاص وإنْ خالف الإجماع العالمي، بعد أن شهدت مصر في عام 2013، أكبر احتشاد بشري في التاريخ مهد لانتخابات حرة نزيهة بمعرفة كل العالم.
هناك اتفاق عام على أن حمد بن خليفة، ما يزال يدير مسرحيته باقتدار، لكن المستغرب إلى حد بعيد أن هناك، ضمن المسرحية ذاتها، تخبطاً في الرواية القطرية حول أسباب أزمة قطر، وكل يغرد فيها على ليلاه.
أوّلهم من يغرد بأن السبب، الطمع في ثروة قطر، وآخر من أشار إلى ذلك عبدالله بن حمد العطية، نائب رئيس الوزراء وزير الطاقة والصناعة القطري السابق، حيث بادر بمجرد خروجه من عملية جراحية صعبة ومعقدة لزراعة رئتين (شفاه الله وأدام عليه ثياب الصحة والعافية)، باعتباره «كومبارساً» في مسرحية حمد بن خليفة، أو هو أراد لنفسه أن يكون في ذلك المستنقع إلى بث الأكاذيب والافتراءات ضد دولة الإمارات، حيث أكد أن سبب الأزمة طمع الإمارات في الاستيلاء على الغاز القطري (!).
يُرجى الانتباه إلى الكمية الهائلة من الكوميديا السوداء المضجرة والمضحكة في آن معاً، في كلام العطية، الذي يُفترض أنه من أذكياء قطر في قطاع الطاقة والصناعة والاقتصاد (تدرج في الحقل منذ أن كان رئيس قسم بعد أن تخرج بدرجة بكالوريوس في جامعة الإسكندرية).
من يطمع في ثروة قطر؟ من يطمع في ثروة هذا البلد أو ذاك فليستهدف وهذا خلط متعمد للجد والهزل، تماشياً مع كوننا في أجواء مسرحية حمد بن خليفة ثروات دول مثل ألمانيا وأمريكا واليابان والصين. من ناحية متصلة، فإن موضوع الغاز خاضع لاتفاقية مسبقة بين البلدين، وكل منهما مستفيد منها، وفي خطة شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) زيادة إنتاج واستثمار الغاز، ولدى سلطنة عمان الشقيقة فائض، وفي استراتيجية المملكة العربية السعودية الشقيقة، اشتغال على زيادة إنتاج وتجارة الغاز في خلال السنوات المقبلة.
هذا الهاجس لدى قطر يكاد اليوم يتحول إلى مرض، والمرجوّ ألا يكون مرضاً مزمناً، فلدى جارة السوء من الأمراض والعقد ما يكفيها.
ثاني المغردين على ليلاهم، ضمن مسرحية حمد بن خليفة، من يذهب إلى أن سبب الأزمة تنظيم قطر لبطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، وهذا تبرير مضحك وغريب، مع تأكيد أن هذا الموضوع أساء لقطر نفسها على صعيدين: ملف الرشوة الذي ارتبطت به قطر شاءت أم أبت، وعدم قدرتها على تنظيم كأس العالم لكرة القدم منفردة وخارج محيطها الجغرافي والطبيعي، ذلك الذي أصبح بمثابة مسلسل مكسيكي، أو على الأصح، مسلسل تركي طويل وممل.
ثالث شلة المغردين على ليلاهم، يرد سبب أزمة قطر إلى الغيرة والحسد (ولا تعليق احتراماً لعقول القراء الأعزاء).
رابع المغردين على ليلاهم، يعزف على وتر السيادة، في أفق قفزت معه قطر من فكرة أو توجس انتهاك السيادة الصغيرة إلى واقع انتهاك السيادة الأخيرة.
وكما لو أن الكل مطالب بأن يكون «كومبارساً» في مسرحية حمد بن خليفة، انضم إلى جوقة المنضمين أمثال حمد بن جاسم بن جبر، وعبدالله بن حمد العطية، اللذين أساءا لموقعهما وعلاقتهما بطريقة تبين أن طرحهما من دون منطق. ومثالاً، فإن عبدالله العطية يعرف الإمارات جيداً، وله علاقات بل صداقات في الإمارات لم يحترمها، مضطراً كما يبدو، أو مريضاً شفاه الله.
كان الرجاء أن يكونا وأمثالهما أصحاب الرأي والمشورة، لإخراج قطر من أزمتها، بدلاً من ترديد هذا الكلام المضحك والمبكي في آن معاً، فإن كان من أحد يطمع في ثروات قطر فالأكيد أنه إيران وتركيا، وإذا كان من أحد «يغار» من قطر، فالأكيد أنه لن يكون دولاً متقدمة تسبق قطر بسنوات طويلة حتى لا نقول بسنوات ضوئية شاسعة، وإذا كان الموضوع هو السيادة، فكيف بيعت رخيصة للأتراك والإيرانيين؟
عوداً على بدء، وعودة إلى عبدالله العطية، باعتباره «كومبارساً» في مسرحية حمد بن خليفة.. لقد كان التوقع أن يكون عقلانياً حكيماً وواقعياً، على معرفة بالإمارات وأهلها، وذا علاقات حسنة مع أخيارها وشخصياتها، فلا يظهر بهذا المظهر المزري الذي قضى فيه على صورته، وبدا على رؤوس الأشهاد «كومبارساً» في مسرحية حمد بن خليفة.
نقلا عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة