الخصومات والعروض القطرية لم تقف عند هذا الحد، فقد قدّم "تنظيم الحمدين" مساهمة بلغت قيمتها نحو 100 مليار دولا لدعم الاقتصاد الأمريكي،
كم كانت ملفتة للانتباه تلك الصورة التي جمعت وزيرَيْ الخارجية والدفاع الأمريكيَيْن، ريكس تليرسون وجيمس ماتيس مع وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد في النظام القطري، على هامش الحوار الاستراتيجي القطري الأمريكي، حيث أوحت الصورة وكأنّ الوفد القطري قد حقق جميع ما كان يصبو إليه من إنجازات اقتصادية وعسكرية وسياسية؛ تحفظ "سيادة قطر" تماشياً مع ذلك الموال الذي ملّ الجميع من سماعه على لسان رموز "تنظيم الحمدين" وأبواقه داخل قطر وخارجها.
لقد سبق هذا الحوار العديد من الخصومات والتنزيلات والعروض المغرية التي قدمها رموز هذا النظام في محاولة يائسة لتحسين تلك الصورة السوداوية التي لطّخت سمعة النظام عبر دعمه للإرهاب والمنظمات المتطرفة في المنطقة والعالم، ولـ "التحريج" على بيع قطر في سوق المزاد السياسي لمن يقدم الوعود لهذا التنظيم حفاظاً على سيادته كما يدّعي.
فكانت البداية باستقبال تميم بن حمد في الدوحة زعيم المنظمة الصهيونية بأمريكا مورتون كلاين؛ في محاولة لكسب دعم اللوبي اليهودي في واشنطن، والتي كشفت عن مدى الانحطاط السياسي الذي وصل له "تنظيم الحمدين" في استجداء الوساطة من الصهاينة لكي يجدوا منهم العون في مواجهة أشقائهم في الدين واللغة والجوار.
العرض التالي قدمه وزير شؤون الدفاع القطري للساسة الأمريكان، من خلال عرض مغر يؤكد مدى تمسك هذا النظام بموال السيادة المزعوم، حين صرح قائلاً: "لدينا خطة كبيرة لتوسيع العديد لتكون قاعدة دائمة... نظراؤنا في وزارة الدفاع الأميركية يترددون في استخدام كلمة الدائم، لكننا نعمل من جانبنا لتحقيق ذلك"، وكأنه يقول لهم إذا كنتم مُحرَجين سياسياً وبروتوكولياً من التصريح أنكم ترغبون في وجود دائم على أراضي قطر، فنحن نرفع هذا الحرج عنكم ونقدم لكم عرضاً آخر بتوسعة القاعدة الجوية، ومنحكم قطعة أرض جديدة قرب الشاطئ، لإنشاء قاعدة بحرية أمريكية أيضاً ستكون مدفوعة التكاليف بشكل كامل من خزينة الشعب القطري.
تنازلات وعروض وخصومات قدمها نظام الدوحة ولا يزال لـ"التحريج" على سيادة قطر، مبذراً ثروات شعبها في مغامرات سياسية غير محسوبة، وفي محاولات يائسة لكسب بعض الوعود التي من الممكن أن ترفع معنوياته في مواجهة تلك الآثار الاقتصادية والسياسية التي هزّت أركان نظامه بعد المقاطعة المشروعة.
الخصومات والعروض القطرية لم تقف عند هذا الحد، فقد قدّم "تنظيم الحمدين" مساهمة بلغت قيمتها نحو 100 مليار دولار لدعم الاقتصاد الأمريكي، حيث قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني؛ إن بلاده تستثمر 100 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي، من بينها 10 مليارات في البنية التحتية ـ وهو مجال غالباً ما يعتبره الرئيس دونالد ترامب أولوية، وهنا يحق لنا أن نتساءل أين تلك الاتهامات التي وزعتها الأبواق الإخونجية ضد أي تقارب عربي مع الولايات المتحدة؟، أين هم من هذا الخضوع المذل ومن تلك العطايا السخية التي منحها "تنظيم الحمدين" لبلاد العم سام، والتي شملت توسيع القاعدة الأمريكية العسكرية التي تصدح أصوات محركات طائراتها في مكاتب قناة الجزيرة التي تدعي محاربة الإمبريالية ونصرة المستضعفين؟!.
اتفاقية أخرى أقدمت عليها الدوحة خلال هذه الزيارة، وهي من خلال التعهد الذي قدمه وزير الاقتصاد القطري بالكشف عن التقرير المالي للخطوط الجوية القطرية، والتي ستكشف حجم تلك الخسائر الذي تكبدتها الشركة بعد المقاطعة، وبلا شك ستكون تبعاتها وخيمة على مستقبل هذه الشركة، حيث من المتوقع أن يكشف التقرير المالي الذي سيتم الإفصاح عنه في مارس المقبل حجم الديون والخسائر والدعم الحكومي المقدّم لهذه الشركة، وهو بلا شك سيفتح المجال للمزيد من ابتزاز شركات الطيران الأمريكية للطيران القطري، مما قد يدفعه لإلغاء العديد من الخطوط المباشرة التي تربط الدوحة بعدد من المدن الأمريكية.
هذه التنازلات سبقها "تحريج" آخر قدمه الحمدان لأردوغان حين عرضا عليه مبلغ 22 مليار دولار سنوياً نظير استضافة أكثر من عشرة آلاف جندي تركي في قاعدة الريان، والتي أعلنت الدوحة أنها ستعمل على توسعة التعاون العسكري مع أنقرة في إشارة إلى إنشاء قاعدة بحرية تركية على سواحل الدوحة، وهي الخطوة التي فتحت شهية الأتراك لابتزاز قطر لتقديم المزيد من التنزيلات السخية، من خلال ذلك التسريب الإعلامي الذي كشف عن أن القوات التركية إنما قَدِمت للدوحة لحماية قصر تميم خوفاً من محاولة انقلابية قد يُقدِم عليها عدد من الضباط القطريين.
تنازلات وعروض وخصومات قدمها نظام الدوحة ولا يزال لـ "التحريج" على سيادة قطر، مبذراً ثروات الشعب القطري في مغامرات سياسية غير محسوبة، وفي محاولات يائسة لكسب بعض الوعود التي من الممكن أن ترفع معنوياته في مواجهة تلك الآثار الاقتصادية والسياسية التي هزت أركان نظامه؛ بعد المقاطعة المشروعة لكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، والتي مازالت الدوحة تكابر في الاعتراف بآثارها الكبيرة في الحد من تمويل الإرهاب، ودفعتها صاغرة لتوقيع اتفاقيات مكافحة الإرهاب مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا والصين، وغيرها من الدول.
اتفاقيات وضعت الدوحة في حرج شديد مع حلفائها وآخرها ما تم الإعلان عنه بالأمس بعد انتهاء الحوار الاستراتيجي القطري الأمريكي، حيث أدرجت واشنطن كلا من إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس "حليف الدوحة في غزة" على لائحة الإهاب، كما أدرجت على ذات اللائحة حركتي "حسم" و"ولواء الثورة" الإخونجيتين المدعومتين من الدوحة لزعزعة استقرار مصر وأمنها، وهو ما شكل صفعة قوية لـ "تنظيم الحمدين" وموفديه قبل أن تقلع طائرتهم من واشنطن، وهم الذين علت الابتسامة وجوههم في الصورة التي جمعتهم بوزيرَيْ خارجية ودفاع الولايات المتحدة، فرحين بما حققوه من نجاح في بيع قطر في "حراج" السياسة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة