مصرف لبنان يفاجئ السوق برفع سعر الدولار.. من المستفيد؟
في قرار مفاجئ رفع مصرف لبنان سعر سحب الودائع الدولارية ورفعه من 3900 إلى 8000 ليرة، وبسقف لا يتخطّى 3000 دولار شهرياً.
القرار الذي كان مطلباً سياسيا منذ مدة، باعتبار أنه يقلل من قيمة الاقتطاع "المقنع" الذي يتعرض له المودعون اللبنانيون، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق والذي تجاوز الـ 28000 ليرة لبنانية، وساهم التعديل في خفض نسبة الاقتطاع من نحو 83% إلى نحو 68%.
إلّا أنه فور صدور القرار، شهد سوق الصرف الموازي (السوداء) ارتفاعاً جنونياً للدولار، رده البعض إلى حصول المودعين على كميّات أكثر من الليرة اللبنانية. وهذا سيدفع البعض إلى شراء الدولار النقدي من السوق بالليرات الإضافية التي سيحصلون عليها.
- الخزانة الأمريكية لمصارف لبنان: احذروا التعامل مع "حزب الله"
- صندوق النقد يرى تقدما كبيرا في تقييم خسائر لبنان.. حلحلة أزمة الليرة
فيما البعض الآخر رفض فكرة أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة معدلات التضخم، لأنّ سقف المبلغ الذي سيُسحب من المصرف سيبقى هو نفسه، إنما قيمته ستنخفض، أي سيؤدي هذا التعميم إلى تخفيف الـ"HAIRCUT" والتخفيف من الخسائر على المودع.
وفي هذا السياق، قالت الخبيرة الاقتصادية فيوليت بلعة إن "رفع الدولار المصرفي هو إجراء لم يكن يريد حاكم مصرف لبنان اتخاذه لأنه له تداعيات على التضخم، وهو صرح بذلك قبل أسبوع، وهو يعلم أيضاً أن هذه الإجراءات تعتبر مرحلية لا تؤدي إلى معالجة المشكلة من جذورها".
وأضافت في حديث لـ"العين الإخبارية": "الوضع بحاجة إلى معالجات كبيرة وشاملة لإصلاح الوضع المالي، واتخاذ هذا القرار جاء نتيجة ضغط سياسي على الحاكم خصوصاً من مجلس النواب وجميع الكتل النيابية التي تطالب برفع دولار المصارف من 3900 إلى 8000 ليرة.. ولاحقا عادوا تنصلوا منه لأنهم يعلمون أنه سيؤدي إلى حدوث تضخم، على غرار ما فعلوا قبل الانهيار المالي عندما دفعوا إلى إقرار زيادات كبيرة لموظفي القطاع العام بإطار حملة شعبوية قبل الانتخابات النيابية وأدت إلى ما أدت إليه من انهيار، بحيث أن تقديراتها كانت خاطئة وارتفعت كلفتها من 800 مليون دولار إلى مليارين ومئتي مليون".
وشددت على أن رفع دولار المصارف لا علاقة برفع سعر دولار السوق السوداء لأن الدولار بمسيرة تصاعدية، سواء اتخذ هكذا قرار أو لم يؤخذ، وتابعت: "رأينا أن مصرف لبنان تأخر لإتخاذ هكذا قرار كان من المفترض أن يتم اتخاذه قبل سنة لأنه هناك فوارق بين 3900 ليرة للدولار المصرفي و25 ألف ليرة للدولار في سعر السوق الموازية، ولازال الدولار مستمر صعوداً".
وأضافت: ارتفاع سعر الدولار له أسباب أخرى تتعلق بالاستقرار السياسي ومنها عدم انعقاد الحكومة للمباشرة بمفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشكل رسمي وله تداعيات أخرى..
أسباب رفع الدولار له أسباب سياسية بالدرجة الأولى، شلل الحكومة، والغموض الذي يلف المشهد اللبناني بالنسبة لمصير الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية أو تشكيل حكومة بعد الانتخابات، وهذا النفق غامض".
وبرأي بلعة "هذا الإجراء يعطي بعض الحقوق للمودعين بالأخص أصحاب الودائع الصغيرة الذين يتأثرون أكثر من اصحاب الودائع الكبيرة ويسمح لهم باستعمالها ويخفض "الهيركات" الذي كان يجري على ودائعهم من 85 بالمئة إلى 65 بالمئة، بالمقابل التضخم سيرتفع بطريقة غير مدروسة".
وتختتم قولها بالتأكيد على أن العلاجات يجب أن تكون شاملة على رؤية للأمد الطويل وليس إجراءات ضغط السياسي وليس إجراءات الأمر الواقع التي تفرض عليه.
بدوره رأى الخبير الاقتصادي فادي قانصو "أن رفع سعر صرف الدّولار المصرفي إلى 8000 ليرة يحمل في طيّاته بالتّأكيد ضخ كتلة نقديّة إضافيّة، حتى ولو افترضنا بأن سقف السّحوبات قد انخفض من 5000 دولار شهرياً على بعض الودائع (أي 19.5 مليون ليرة على سعر صرف الـ3900)، إلى 3000 دولار (24 مليون ليرة على أساس سعر صرف الـ8000)، فبهذه المعادلة الحسابية البسيطة، نرى بأن ما سيتمّ طبعه وضخه من كتلة نقدية بالليرة سيتجاوز بالتّأكيد حجم الكتلة النّقديّة التي كانت تُضخ قبل رفع السعر، وهذا دون احتساب تأثير عمليّة رفع سقف السّحوبات على الودائع الصغيرة من 1000 دولار إلى 3000 دولار شهرياً، ناهيك عن كتلة أجور شريحة لا بأس بها من العاملين في القطاع الخاص والمقيّمة بالدّولار المصرفي والتي تُسحب باللّيرة اللّبنانية على أساس سعر الصّرف وفق التّعميم 151".
أضاف: "قد يكون لهذا القرار تداعيات ملموسة على سعر الصّرف في السّوق السّوداء، إذ أن هذا الفائض في السّيولة باللّيرة، سيسلك حُكماً معبر السّوق السّوداء، ما يعني المزيد من الطّلب على الدّولار وبالتالي المزيد من الانهيار في سعر الصّرف، سواء توفّرت هذه السّحوبات على شكل كاش أو على شكل إيداعات في حسابات مصرفيّة، إذ ستعود عملية بيع وشراء الشّيكات باللّيرة بقوة لتسييلها ومن ثمّ تحويلها إلى دولار، ما يعني أيضاً أن نسبة الحسم على الشّيكات باللّيرة سترتفع بطبيعة الحال. وكأنّ أبناء شعبنا".
وأشار إلى أن هكذا قرار كان ينبغي أن يترافق مع خطة اقتصاديّة شاملة تقوم بالدّرجة الأولى على تحديد الخسائر المالية وتوزيعها ومعالجتها بشكل عادل ومنصف، وإلا فنحن ذاهبون بلا أدنى شك باتجاه عملية إطفاء أو شطب مُمنهجة للخسائر في القطاع المالي، سيتحمّل المودع الجزء الأكبر منها من خلال دفعه على سحب ودائعه بالعملات الأجنبية على سعر صرف 8000 ليرة، ما من شأن ذلك أن يشرّع الأبواب أمام المرحلة الثّالثة والأخيرة من الانهيار الشّامل.