رمضان زمان بعيون الأديب يحيى حقي.. شوارع خالية وقلوب عامرة
الأديب الكبير يحيى حقي، صاحب رائعة "قنديل أم هاشم" يصف الشوارع قديما كأنما يصفها اليوم في ظل انتشار فيروس كورونا
يعد الكاتب المصري الرائد يحيى حقي من أكثر المبدعين التفاتا إلى شهر رمضان وأثره الاجتماعي، إذ تناول في كتاباته عددا من الطقوس والتقاليد المرتبطة بالشهر الكريم في مصر.
ويحيى حقي (17 يناير/كانون الثاني 1905- 9 ديسمبر/كانون الأول 1992) رائد من رواد القصة القصيرة، وأحد الآباء المؤسسين للأدب المصري في القرن العشرين، ولد في القاهرة لأسرة ذات جذور تركية، درس الحقوق وعمل بالمحاماة والسلك الدبلوماسي والعمل الصحفي، ومن أشهر رواياته "قنديل أم هاشم"، بالإضافة إلى 30 كتابا تمثل مجمل إنتاجه من مقالات وقصص وروايات قصيرة.
وفي كتاباته اعتنى حقي بالتغييرات الاجتماعية وأثرها على الناس، وهناك بين النقاد من يقرأ أدبه من زاوية اعتباره "مؤرخا اجتماعيا"، ففي روايته الفذة "قنديل أم هاشم" الكثير ليؤكد ذلك، غير أنه في مقالاته التي تعد من درر النثر العربي رصد ما يحدثه شهر رمضان من تغييرات في المزاج اليومي للناس.
وتوزعت مقالاته في أكثر من كتاب أظهرت كلها هذا الشغف في تأمل الحياة اليومية خلال هذا الشهر الكريم، ففي كتابه "فيض الكريم" أكثر من مقال عن العادات والطقوس المرتبطة بأعياد دينية، مثل ليلة النصف شعبان وليلة الرؤية، غير أن شهر رمضان حظي باهتمام أكبر خصوصاً في سيرته "كناسة الدكان"، وكتابه "فيض الكريم" الذي يرصد مظاهر كثيرة مرتبطة بالشهر الفضيل خلال 6 مقالات، علّق فيها حقي على المظاهر الاجتماعية وعودة الغافلين إلى رشدهم والتوبة والصلاة.
واللافت أن المقال المنشور في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1969 بصحيفة "التعاون" يكاد يصف وضع الشوارع اليوم في ظل انتشار كورونا. كتب حقي: "قبيل ضرب المدفع تخلو الشوارع من الناس، أقل هواء له صرير الريح وأشد الأصوات خفوتا يسمع من قريب، حتى لتحاذر أن تطأ الأرض إلا بخفة يرضى عنها أبو العلاء المعري، نداء حازم خفي يتردد في الجو، كأنما في يده سوطا: بيتك بيتك.. هيا هيا. في البيوت بهجة وفي الشوارع رهبة، حتى لو كان معك رفيق فأنت تحس بأنك وحيد، لا شيء يخيف مثل منظر مدينة كبيرة مهجورة.. ولكن هذه الرهبة في الشوارع تزيد من تلألؤ البهجة في البيوت".
وهناك مقال آخر يفسر فيه محبته لرمضان قائلا: "أحب رمضان لأنه، إلى جانب فضائله الجمة، هو الذي سينفرد بانتزاع الأسرة من التشتت ويلم في البيت شملها على مائدة الإفطار".
ومن فضائل رمضان أيضا كما يراها حقي: "يتيح لعدد كبير من الصائمين أن يتذوقوا بعد السحور متعة فترة تفوتهم، هم وأغلب الناس، بقية العام لأنهم من حزب نوم الضحى، فيهم من يسهر اضطراراً لأنه من الكادحين، وفيهم من يسهر دلعاً لأنه من عشاق الليل أعداء الشمس. إنها شقشقة الفجر، يا له من جمال، أعجب كيف يغفل كثير من الناس عنها، ليس إلا عندها يمتلئ القلب بأقصى ما يقدر عليه من الإحساس بعظمة الخالق، بروعة الكون، بالتشوف للطهر، بالانبهار بالجمال".
وفي مقال آخر عنوانه "ياميش رمضان " يواصل صاحب (تراب الميري) رصد المتغيرات التي يخلقها الشهر الكريم بما في ذلك الإقبال على قراءة الكتب الدينية. يقول: "الأمل أن تكون هذه الشحنة المركزة قادرة على أن تسند الشعور الديني وأن تغذيه بقية العام".
ويربط في مقال عنوانه "شقشقة الفجر" ضمن سيرته "كناسة الدكان" بين استقبال الفجر في رمضان وقراءة القرآن الكريم، ويلاحظ كيف كان القرآن منتبها لشقشقة الفجر متيما بجمالها، ويقول إن القرآن "أقسم بالفجر والليالي العشر، وربط بينه وبين صدق النية وصفاء الروح، فقرآن الفجر كان مشهودا".
aXA6IDMuMTQ0LjQwLjIzOSA= جزيرة ام اند امز