ذكريات كامل الشناوي في رمضان.. انتقد المفطرين ومدح "مجتمع الفيشاوي"
الشاعر المصري كامل الشناوي لم ينشر كتاباته طوال حياته، وتوالى نشرها عقب وفاته ومنها كتاب "لقاء معهم"، الذي تعاقد على نشره قبل وفاته
يبدو أن الحنين للطقوس القديمة التي كانت تصاحب شهر رمضان شعور متأصل لدى جميع الأجيال، وكل جيل يستحث ذاكرته على الوقوف على أطلال الذكريات، ومن بين هؤلاء الشاعر المصري كامل الشناوي الذي تشير يومياته التي جمعتها رحاب خالد ونشرتها دار الكرمة مؤخراً إلى ارتباطه بشهر رمضان المعظم.
وكامل الشناوي صحفي مصري راحل ولد في 7 ديسمبر/كانون الأول 1908 في "نوسا البحر" مركز أجا بمحافظة الدقهلية، وتوفي في 30 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1965، وعمل بالصحافة مع العمالقة؛ بداية من الدكتور طه حسين في "جريدة الوادي"عام 1930، ومروراً بمحمد التابعي، والأخوين علي ومصطفى أمين، وإحسان عبدالقدوس، ومحمد حسنين هيكل.
وعُرف "الشناوي" بدوره في رعاية المواهب الشابة، وعباراته الرومانسية، وقصائده التي تغنت بها أصوات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ونجاة وعبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، ومنها "لا تكذبي"، و"عش أنت"، و"لا وعينيك" و"على باب مصر"، و"حبيبها".
ويكشف المقال الذي كتبه في صحيفة الجمهورية عدد أول مايو/أيار 1956 عن انزعاجه من اهتزاز هيبة رمضان في بعض الأوساط التي لا تلتزم بالصوم أو قواعده.
وتحت عنوان "أين رمضان؟" كتب متسائلا: "هل رمضان الذي نلقاه اليوم هو رمضان الذي طالما لقيناه ونحن في سن الطفولة وسن الشباب؟".
ويضيف: "كان نوما وصوما، فصار عملا وصوما عند ناس، وعملا بلا صوم عند ناس، وكان مهيبا فصارت هيبته موضع جدال، ولكن هل أصبح رمضان كذلك في جميع البيئات؟ إن رمضان القديم لا يزال كما هو في القرى، ففي القرية لا يجرؤ أحد علي الإفطار، ومن اضطرته الضرورة إلى أن يفطر تظاهر بالصيام تطبيقا للقاعدة المعروفة "إذا بليتم فاستتروا".
ثم يتحدث الشناوي عن الفارق بين رمضان في القرى وفي أحياء مدينة القاهرة وينتهي إلى التأكيد على أن "رمضان ما زال كما هو بهيبته وقداسته في حي السيدة زينب بالقاهرة".
ويتابع: "وددت لو ظل رمضان كذلك في جميع الأحياء، ليس معنى هذا أني متزمت، فلست متزمتا، ثم إن مرضي يمنعني أحيانا من الصوم، لكن احترام الشعور العام يقتضي ألا نجهر بالإفطار، فليس هذا من الحرية في شيء، وإنما هو استخفاف ينطوي على التحدي لشعور الآخرين، والفرق بين الحرية والاستخفاف أن الحرية رأي يتحدى رأيا، والاستخفاف مجون يتحدى الذوق والشعور".
وفي مقال آخر حول السهرات الرمضانية بمقهى الفيشاوي الشهير بالقاهرة كتب الشناوي: "الطريق إلى مقهى الفيشاوي ضيق درب نحيل، زاد من نحوله اصطفاف الدكاكين والكراسي والدكك على جانبيه، ولا تكاد تصل إلى القهوة حتى تصطدم بالناس، والمقاعد وأكواب الشاي وأواني الأكل ونراجيل التمباك وباعة ينتحلون صفة الشحاذين أو شحاذين ينتحلون صفة الباعة".
وأضاف: "الجالسون في المقهى لا يضيقون بما يواجهونه كل يوم خلال شهر رمضان، كل منهم يعزي نفسه بأنه شهر ويمضي ولهذا يتسامحون ويغفرون ويرحمون، لا يحقد فقير على غني، ولا يقسو قوي على ضعيف".
وتابع: "هذا المجتمع بأقويائه وضعفائه خلا من الحقد والحسد والقسوة لأنه أدرك أن رمضان شهر ويمضي، فمجتمعنا الكبير في حاجة إلى أن يتعلم الحب والعطف والرحمة من مجتمع قهوة الفيشاوي".
ولم يجمع "الشناوي" كتاباته طوال حياته، وتوالى نشرها عقب وفاته ومنها كتاب "لقاء معهم"، الذي تعاقد على نشره قبل وفاته، وكذلك مؤلفات: "ساعات"، و"بين الحياة والموت"، و"زعماء وفنانون وأدباء"، وكلها لم تطبع في حياته، وطوال حياته الصحفية، غلب عليه الوجه الساخر، وطبيعة الشاعر الذي يفرط في كل شيء.. السهر والإنفاق.
aXA6IDE4LjExNy43OC4yMTUg جزيرة ام اند امز