المخرج المغربي محمد اليونسي: "حب تحت عتبة الفقر" مستوحى من الواقع
اليونسي يكشف في حواره مع "العين الإخبارية" أسباب اتجاهه للعمل في الدراما وسر حماسه لـ"حب تحت عتبة الفقر" وإمكانية استعانته بممثلين عرب.
يراهن المخرج المغربي محمد اليونسي على نجاح تجربته الأولى في الدراما التي يخوضها بالمسلسل الرمضاني "حب تحت عتبة الفقر"، الذي يطرح قضايا واقعية ويكشف عن سيطرة الماديات على نواحي الحياة كافة.
"اليونسي" يكشف في حواره مع "العين الإخبارية" عن أسباب اتجاهه للعمل في الدراما وسر حماسه لتجربة "حب تحت عتبة الفقر" ورؤيته للفرق بين العمل السينمائي والتليفزيوني وإمكانية استعانته بممثلين عرب في أعماله المقبلة.
ما الذي دفعك لتجربة العمل بالدراما رغم نجاحك على شاشة السينما؟
للسينما جمهور قليل ونخبوي في معظم الحالات، ودور العرض أصبحت قليلة جداً، ففي المغرب لا توجد إلا 33 صالحة للعرض السينمائي، وبسبب ظروف الإنتاج في المغرب لا نستطيع أن نصنع فيلماً إلا في مدة تترواح بين 3 أو 4 سنوات، بينما ما أحمله من أفكار أود طرحها للمناقشة أو تسليط الضوء عليها يفوق الزمن المتوفر لدي.
في المقابل تملك الشاشة الصغيرة جمهوراً عريضاً، ووقت إنتاج أعمالها يرتبط غالباً بالعرض في شهر رمضان، لذلك قررت الانفتاح على التليفزيون حتى أتمكن من طرح كل تساؤلاتي الفكرية والفنية.
وساعدني انفتاح رجال التليفزيون على مخرجي السينما بالمغرب، ما زاد من حماسي للعمل في الدراما التليفزيونية، رغم أنها قد لا توفر الإمكانيات الضرورية للإنتاج والإبداع، لكن بالتضامن وبعض التنازلات المادية يمكن لي أن أرفع بصحبة زملائي مخرجي السينما من جودة العمل التلفزيوني نظراً للخبرة التي نملكها.
وفي المجمل دوافعي للعمل في الدراما التلفزيونية كانت هدفها الأول والأخير المساهمة في رفع جودة المنتج التليفزيوني، والحصول على أرضية أخرى لطرح كل ما أود طرحه من التساؤلات الفكرية والفنية.
ما الذي جذبك في "حب تحت عتبة الفقر"؟
المسلسل كتبته سهام لودونة، وكان فرصة للتقرب من عموم المشاهدين لما يحمله من أفكار أصبحنا في أمس الحاجة إليها، فمجتمعاتنا العربية وبالتالي مجتمعنا المغربي أصبحت تسيطر عليه الماديات أكثر من القيم التي كنا نتصف بها حتى عهد قريب. الأغلبية انشغلت بالمظاهر الزائفة، وابتعدنا عن تقاليدنا وموروثنا، فلم تعد هناك أهمية للقيم التي تربينا عليها.
والمسلسل به سرد درامي يرسم لنا مسارين متشابهين ومتناقضين، متشابهين في المكان والزمان، ومتناقضين في القناعات، مسار يظهر الناس التي سيطرت عليها الماديات، ومسار يقدم لنا الناس التي ما زالت تقاوم من أجل المبادئ والقيم.
ومن خلال أحداث العمل، نتتبع الصراع بين المسارين اللذين تتخللهما لحظات درامية مشوقة، وينتهي بنهاية غير منتظرة، كل هذه المعطيات جعلتني أتمسك بالعمل في هذا المسلسل المأخوذ أغلب أحداثه من واقع نعيشه، حيث لم يعد هناك مكان للحب.
ما الاختلافات التي رصدتها بين العمل سينمائيا وتليفزيونيا؟
للتواصل مع العموم يجب تبسيط الخطاب، لذلك كان يجب عليّ أن أكون أكثر مرونة في طريقة تناول المسلسل، لا من حيث تمرير الفكرة الرئيسية التي تعيد قيمة الحب إلى العلاقات الإنسانية، بحيث اشتغلت على إعادة كتابة السيناريو حتى يبدو مرناً في تسلسله وترابط أحداثه.
أما من ناحية رمزية ودلالة الخطابات البصرية، فكنت أعتمد على توضيحها أكثر، وأقتصر على الدلالات الأكثر شيوعاً في مجتمعي، لأن السينما تعتمد على التفاصيل الدقيقة في بعدها الفني والرمزي، وهو ما يجعل الاشتغال بها أكثر صعوبة من التلفزيون، فهي تتطلب وقتاً وجهداً أكثر، لذلك دائماً أقول إن الفرق بين التليفزيون والسينما يكمن في طريقة الخطاب، أكثر ما يكمن في طريقة الصناعة.
صحيح أن السينما تكلفتها الإنتاجية أكبر بكثير من التليفزيون، لكن حتى الأعمال التليفزيونية أصبحت تتوفر على بعض الميزانيات التي تخول لها صناعة بصرية متقدمة، وما يعيبها هو عدم توفر إنتاجاتها على الوقت الكافي، لذلك فمتعة الاشتغال بالسينما لا يضاهيها شيء، حيث يتم التفرغ كلياً لأدق التفاصيل، ولا يترك شيئاً للصدفة أو للمزاج، بل يكون كل شيء معداً سلفاً.
كيف تستثمر وقتك في فترة الحجر الصحي المنزلي؟
أعتقد أن هذه الأزمة قد تكون نافعة للكتاب أو المخرجين، بحيث يستغلون الوقت للاشتغال على أعمالهم القادمة، كما فعلت، حيث بدأت في كتابة روايتي الثانية التي كنت أبحث عن وقت لكتابتها، فأنا تعودت على العزلة خاصة في كل استعداد لعمل جديد، لأنني أعتبر أن العزلة نوع من أنواع التأمل.
وما الفائدة التي قد تعود على المبدعين بشكل عام من أزمة كورونا؟
المبدعون يمتازون بمشاعرهم الرهيفة والرقيقة، لذلك هم أكثر حساسية عن باقي الناس، وبالتالي سيكونون أكثر الناس خسارة في ظل أزمة كورونا، لأنهم الأكثر تأثراً بما يدور من حولهم، والأكثر حسرة على ما يقع للبشرية من هلع وذعر وموت، خاصة أن المبدع دائماً ما يفكر في المجتمع أولاً، لذلك يحمل همومه وهموم الآخر، ولا أظن أن هناك مبدعاً سيستفيد من هذه الأزمة غير ما ستدونه ذاكرته من أحداث.
هل نجحت السينما المغربية في التعبير عن معاناة المرأة؟
السينما المغربية قطعت أشواطاً مهمة في مسارها، فرغم حداثة وجودها فإنها أبرزت تميزها وتطورها المستمر، خاصة على المستوى التقني والفني. أما على مستوى تناول الموضوعات فهي تخلصت من مجموعة من القيود وتحديداً على مستوى حرية التعبير، لكن ما زال ينقصها التخلص من بعض موروث التقاليد والماضي، والخوض في بعض "التابوهات" التي تمنع تناول بعض الموضوعات الحساسة، ومنها التعبير عن معاناة المرأة.
وينقصنا الكثير للتعبير عن معاناة المرأة النفسية. لا أنكر أن بعض المحاولات في السينما المغربية تطرقت فعلاً لمعاناة المرأة لكنها كانت وما زالت محتشمة، وفيلم "دقات القدر" كان من ضمنها، بالطبع به بعض العمق من ناحية زاوية تناول المعاناة النفسية للمرأة، لكنه يبقى في نفس الخانة المحتشمة، فللمرأة معاناة عميقة يجب علينا الخوض فيها بكل جرأة وقوة.
بعد استعانتك بالممثلة الجزائرية بهية راشدي في "دقات القدر"، هل تكرر التجربة مع نجوم عرب؟
كانت تجربة جميلة وناجحة مع الممثلة الجزائرية القديرة بهية راشدي، لما تمتاز به من احترافية وأخلاق عالية، لذلك أوجه لها تحية خالصة وأتمنى أن ألتقي بها في عمل آخر.
أما فكرة الاستعانة بممثلين ونجوم عرب فهي تراودني في كل أعمالي، وأعمل جاهداً على تحقيقها، لكنها ليست بالأمر السهل لما تتطلبه من إمكانيات مادية، لكن طبيعة الموضوعات التي أشتغل عليها تتطلب مني إشراك العديد من النجوم العرب حتى أرتقي بمستوى العمل إلى الأفضل.
واختيار الممثل الأفضل والمناسب للشخصية يعد نصف نجاح العمل، لذلك أتمسك دائماً بهذا الطرح، لأتقاسم أيضاً تجاربي مع جميع ممثلي العالم العربي دون استثناء، فبتقاسم التجارب يتطور الإنسان.
ماذا عن تجربتك السينمائية المقبلة؟
لم أبدأ فعلياً التحضير لعملي السينمائي الجديد، بسبب ظروف هذه الأزمة التي أقعدت أكثر من ثلثي العالم في الحجر بالمنزل، وكان من المقرر أن أبدأ التحضير الأولي في مايو/أيار، لكن رب ضارة نافعة، إذ عكفت على كتابة روايتي الثانية، وأخرت بداية التحضير للفيلم السينمائي المقبل حتى تنفرج هذه الأزمة التي أتمنى أن تمر بأقل الخسائر في الأحباب والعباد.