حكم الجماع في رمضان.. متى يجب الكفارة؟
الجماع بين الزوجين في رمضان من الأمور التي يطولها الكثير من اللغط، فما حقيقة أنه محرم في الشهر الكريم، وما حكم جماع الزوجة في نهار رمضان؟
رمضان المعظم هو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر العتق والرحمة والغفران، شهر الصدقات والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتضاعف فيه الحسنات، شهر تجاب فيه الدعوات، وترفع فيه الدرجات، وتغفر فيه السيئات، ويجود الله فيه على عباده بأنواع الكرامات.
وصوم رمضان من أركان الإسلام الخمسة التي فرضها الله على كاّفة المسلمين، لذا فمن أدرك الشهر وكان سليماً غير مريض، أو مُقيماً غير مسافرٍ، أصبح الصوم عليه واجباً شرعيّاً، إمّا أداءً وإمّا قضاء.
ويستثنى من ذلك الهرم الكبير الطاعن في السن، ومن به مرض مُزمن وشديد لا يشفى منه، فهذان لا يستطيعا صيام رمضان لا قضاءً ولا أداءً.
الصيام شرعاً هو "الامتناع والإمساك بنيَّةٍ عن مُفسدات الصوم وعن جميع المُفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشّمس"، أي أنّ الصوم هو الإمساك عن تناول شيء حِسّي يدخل بطن الشخص في فترة مُعيّنة، وهو من طُلوع الشّمس إلى غروبها.
وتُعدّ النيّة شرطاً من شروط استحضار القلب والعزم على تمسّك الشّخص بنيّة الأجر و الثواب؛ ليتميّزالعبد بأفعاله بين العادة والعبادة، فيُعتَبر الصوم بذلك طاعةً وتقرُّباً لله تعالى.
حكم الجماع في نهار رمضان
يندرج الجماع في نهار رمضان ضمن مُفطرات الصوم، وهي الأشياء التي تبطل الصوم إمّا بانتفاء شرطٍ من شروطه، أو باختلال ركن من أركانه.
وأصل هذه المُفطرات ثلاثة وردت في كتاب الله في سورة البقرة، حيث قال تعالى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ).
وقد أجمع علماء الأمّة على أنه يجب الإمساك وقت الصوم عن المطعوم، والمشروب، والجماع، وقسّموا المُبطلات إلى قسمين وفقا للحكم الشرعي لمسبب الإفطار.
القسم الثاني منها هو "ما يبطل الصيام ويوجب القضاء والكفَّارة"، ويشمل الجماع فقط باعتباره الفعل الوحيد الذي يبطل الصوم ويوجب القضاء والكفَّارة.
والكفارة هي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
وذكر مركز الأزهر العالمي للفتوى، في فتواه بعنوان "44 تساؤلا حول المفطرات"، أن الجماع في نهار شهر رمضان ولو بلا إنزال يندرج ضمن جدول المفطرات.
وأوضح مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، أن جماع الرجل لزوجته في نهار رمضان لا يصح ولا يحل ومحرم شرعًا، والشخص الذي يقع في مثل هذا الذنب عليه أن يتوب إلى ربه سبحانه وتعالى وعليه أن يلتزم بما ألزمه به الرسول محمد.
وشدد المفتي على ضرورة أن "يتوب الرجل والمرأة إلى الله على ارتكاب ذنب الجماع في نهار رمضان بأن يندما على ما فات وأن يعزما ألا يحصل منهما هذا الفعل في المستقبل، وأن يتلزما بما جاء عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن".
حكم الإفطار في رمضان عمدا بالجماع
صيام رمضان واجب على كل مسلمٍ مكلَّفٍ صحيحٍ مُقيم، وحال الإفطار في نهار الشهر الكريم لأي سبب يستوجب القضاء أو الفدية، وهناك حالة استثنائية هي حكم الإفطار في رمضان بالجماع، وذلك طبقا لإجماع الفقهاء.
ويختلف حكم من أفطر في رمضان بالجماع عن أي حالة أخرى للإفطار، فلا يترتب عليه القضاء أو الفدية وإنما القضاء والكفارة سويا.
والكفارة هي عقوبة وضعت لمعالجة كل مخالفة غير مصرح بها أو غير مشروعة عن تفويت صيام يوم في رمضان أو ارتكاب محظور من محظورات الصيام.
بالنسبة لحكم الإفطار لمن جامع زوجه متعمدًا في نهار رمضان، فهو وجوب قضاء الزوجين يوما عن اليوم الذي حصل فيه الجماع، والزوج عليه كفارة وهي صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
ويستدل على ذلك بقوله تعالى: "فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ".
كما ورد في حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: "مَا لَكَ؟" قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟" قَالَ: لاَ، قَالَ: "فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَ: لاَ، فَقَالَ: "فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا". قَالَ: لاَ، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ - وَالعَرَقُ المِكْتَلُ - قَالَ: "أَيْنَ السَّائِلُ؟" فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: "خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ" فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا - يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: "أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ"، متفق عليه.
وأوضح مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام، أن "الكفارة واجبة مع القضاء على من اقترف إثمًا يكفر عنه، كأن يجامع زوجه متعمدًا في نهار رمضان".
وقال علام إن "القضاء هو صيام الأيام التي أفطرها المكلف ذكرًا كان أو أنثى بعد انقضاء رمضان، وهو واجب في حق كل من أفطر في رمضان بعذر أو بغير عذر".
وأضاف: "يقضي أيامًا بعدد الأيام التي أفطرها، ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه، بأن يقضي يوم صيف عن يوم شتاء، وعلى المكلف أن يسارع إلى قضاء ما فاته من أيام رمضان قبل دخول رمضان آخر".
بشأن الحكم الشرعي للجماع في رمضان قبل الفجر، فقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله إن "جامع الرجل أهله في الليل لا بأس في رمضان كله حتى في العشر الأخيرة، ويحرم عليه جماعها في نهار الصيام، أما كونه يقبلها أو يلمسها أو يضمها إليه أو ينام معها فكل هذا لا حرج فيه".