رأس شقير في مصر.. من بئر بترول إلى مركز إقليمي للطاقة الخضراء

على بعد نحو 350 كيلومترًا جنوب شرق القاهرة، تقع "رأس شقير" على الساحل الغربي للبحر الأحمر، بالقرب من الطرف الجنوبي لخليج قناة السويس.
إداريًا، تتبع المنطقة مركز ومدينة رأس غارب بمحافظة البحر الأحمر، وتبعد حوالي 130 كيلومترًا شمال مدينة الغردقة.
موقعها الجغرافي الفريد، عند تقاطع طرق بحرية ولوجستية رئيسية، جعل منها نقطة جذب للاستثمارات البترولية ثم لاحقًا لمشروعات الطاقة المتجددة.
قلب الإنتاج البترولي في البحر الأحمر
منذ عقود، ارتبط اسم رأس شقير بإنتاج النفط، حيث تعد أكبر موقع لإنتاج النفط البحري في مصر بقدرة تصل إلى 100 ألف برميل يوميًا، ما أسس لنشوء منطقة لوجستية ضخمة تضم محطات تخزين وتبادل الزيت الخام، بالإضافة إلى محطات ضخ وخطوط أنابيب تنقل الخام إلى محطات التكرير وموانئ التصدير.
وتضم المنطقة كذلك عددًا من المنشآت الحيوية مثل آبار النفط، محطات معالجة، وموانئ شحن، بالإضافة إلى البنية التحتية التابعة لشركات بترول كبرى أبرزها شركة بترول خليج السويس – جابكو، التي تسيطر على معظم الامتيازات في المنطقة.
التحول نحو الطاقة النظيفة والمتجددة
رغم شهرتها التاريخية بالنفط، برزت رأس شقير خلال السنوات الأخيرة كإحدى أهم مناطق الاستثمار في الطاقة المتجددة في مصر، إذ تتميز المنطقة بسرعات رياح تصل إلى 8 و10 أمتار في الثانية، ما جعلها بيئة مثالية لتوليد الكهرباء من الرياح.
وعلى بعد 10 كيلومترات فقط تقع منطقة جبل الزيت، التي تحولت بدورها إلى مركز عالمي لمزارع الرياح، ومع التوسع في هذه المشروعات، صارت رأس شقير وجهة رئيسية لشركات الطاقة النظيفة، وساهمت في إنتاج جزء متزايد من الكهرباء المتجددة على الشبكة القومية.
خلال العام الماضي، دخلت رأس شقير مرحلة جديدة من التحول الاستراتيجي، فقد شهدت المنطقة توقيع اتفاق مصري فرنسي لإقامة مشروع عملاق للهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء باستثمارات تقدر بـ 7 مليارات يورو.
يتضمن المشروع إنشاء محطة متكاملة لتوليد الكهرباء من مصادر متجددة، وتحويلها عبر تقنيات المحلل الكهربائي لإنتاج الهيدروجين، ثم استخدامه لإنتاج مليون طن سنويًا من الأمونيا الخضراء بحلول 2029، إذ تُنفذ الخطة على ثلاث مراحل، تبدأ بضخ استثمارات مباشرة بقيمة ملياري يورو في المرحلة الأولى لإنتاج 300 ألف طن سنويًا.
ومن المقرر أن يتم تمويل المشروع بالكامل من التحالف المنفذ دون أي التزامات مالية على الدولة المصرية، مع التزام الجانب الفرنسي بنقل التكنولوجيا وتدريب العمالة، بحيث تصل نسبة العمالة المصرية إلى 95% من إجمالي العاملين بالمشروع.
الصكوك السيادية
على صعيد التمويل، دخلت منطقة رأس شقير خريطة الاستثمار في الصكوك السيادية للمرة الأولى بصدور القرار الجمهوري رقم 299 لسنة 2025
القرار الذي صدر في يونيو/حزيران الماضي، نص على تخصيص نحو 41515 فدانًا (174 مليون متر مربع) لصالح وزارة المالية لاستخدامها كضمانة لإصدار صكوك سيادية، في إطار خطة الدولة لتقليل تكلفة الدين العام وتنويع أدوات التمويل.
وبهذا، تحولت أراضي رأس شقير إلى أصول إنتاجية قابلة للتصكيك، دون التفريط في ملكيتها، بما يفتح الباب أمام جذب استثمارات محلية ودولية لمشروعات تنموية كبرى في الطاقة والصناعة واللوجستيات.
الأبعاد السياحية والبيئية
لا تقتصر قيمة رأس شقير على النفط والطاقة فقط، بل تمتاز المنطقة بجمال طبيعي فريد يجمع بين الجبال والشواطئ الرملية والخلجان الصغيرة الغنية بالشعاب المرجانية.
ورغم أن معظم الأراضي مخصصة للأنشطة البترولية، فإن هناك مشاورات لتنفيذ مشروع سياحي جديد يستغل الطبيعة الساحرة للمنطقة، إلى جانب مشروعات لوجستية وصناعية، ما قد يحولها مستقبلًا إلى وجهة استثمارية متكاملة تجمع بين الاقتصاد والبيئة والسياحة.
رؤية مستقبلية
وفقًا لوثائق المخطط الاستراتيجي لمحافظة البحر الأحمر حتى عام 2032، جرى إدراج رأس شقير كمحور رئيسي لمشروعات الطاقة المستدامة.
كما يجري طرحها كمرشح مستقبلي لإنشاء منطقة لوجستية صناعية خضراء تضم ميناء جديدًا على ساحل البحر الأحمر، يخدم مشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، ويعزز الربط الكهربائي العربي، ويمد ممر قناة السويس بالوقود الأخضر للسفن.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTQ5IA== جزيرة ام اند امز