"رشيد العناني".. يبحث عن الحرية في الحياة والأدب
بعد غياب عن الساحة التأليفية باللغة العربية لما يزيد على 15 عاما تقريبا، يعود الناقد رشيد العناني إلى جمهور القراء والمهتمين بالمتابعات النقدية، بكتابه الجديد "البحث عن الحرية ـ مقالات في الأدب والحياة".
بعد غياب عن الساحة التأليفية باللغة العربية لما يزيد على 15 عاماً تقريباً، يعود الناقد والأكاديمي الدكتور رشيد العناني إلى جمهور القراء والمهتمين بالمتابعات النقدية والدراسات الأدبية الكاشفة، بكتابه الجديد "البحث عن الحرية ـ مقالات في الأدب والحياة" الصادر أخيراً عن الدار المصرية اللبنانية، ضمن سلسلتها (رؤى نقدية).
الكتاب الذي يقع في 252 صفحة من القطع المتوسط، يضم بين دفتيه فصولاً ممتعة تراوح بين المقالة النقدية المضيئة لنص سردي، أو القراءة الثقافية لحدث سياسي أو اجتماعي أو تقديم قراءة تجمع بين الهمين الثقافي والاجتماعي العام في إطار الدراسة الأدبية الموجزة أو المكثفة.. تقريباً ضم الكتاب كل المقالات التي نشرها رشيد العناني على صفحات جريدة الشروق المصرية (أعوام 2010، 2011، 2012)، والمقالات التي نشرها في جريدة القدس العربي في ما بين سنتي 2010 و2013، وأخرى نشرت باللغة الإنجليزية في عدد من الدوريات الأجنبية.
لكن، ومن عنوان الكتاب، مروراً بفصوله ومقالاته، يبدو أن الهاجس المشترك بينها جميعاً هو هاجس "الحرية"؛ الحرية الشاملة بكل معانيها ولوازمها وتداعياتها؛ الحرية السياسية، الحرية الاجتماعية، الحرية الفكرية، الحرية الدينية، الحرية الفردية، حرية المرأة، حرية النشر، حرية التعبير.. إلخ.
وما يتبع كل ذلك ويلزمه ويترتب عليه، من مبادئ حقوق الإنسان والمواطنة وقيم التعددية والتسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي مع المختلف دينياً وعرقياً ومذهبياً وطائفياً. في الفترة المرهصة بثورة يناير 2011، والفترة اللاحقة لها مباشرة، كانت هذه التطلعات جميعاً هي التي تشغل بال المجتمع بكل الفئات، اتسق ذلك مع الطموح العام على كل الأصعدة للتغيير.. لكن المخاض عسير بكل تأكيد!
ضمن رؤية نقدية كلية شاملة، لا يفصل رشيد العناني قراءة الواقع والمجتمع عن قراءة النصوص الأدبية؛ الروايات والقصص، والعكس صحيح أيضاً، فحين تواترت الأحداث وتدافعت خلال العامين 2011 و2012 في مصر ومحيطها العربي والإقليمي، كانت قراءة نصوص نجيب محفوظ ونصوص أخرى في الأدبين العربي والإنجليزي ملهمة بأكثر من معنى ومنتجة للعديد من التأويلات التي تحاول أن تقرأ أو تعيد قراءة الواقع الموار الذي يتبدل ويتشكل في كل لحظة إلى مدى غير قصير.
فـ "إلى الحرية والكرامة والسلام"، عبارة صابر السيد الرحيمي، بطل رواية محفوظ "الطريق" تشير بأكثر من معنى إلى شعارات ثورة يناير 2011 "العيش، الحرية، الكرامة الإنسانية، العدالة الاجتماعية".. كان هذا مثالاً من شواغل المجتمع، التي هي بدورها أيضاً شواغل الأدب، وشواغل النقد الأدبي، يفرط الدكتور رشيد العناني في حماسته للنصوص الأدبية وتأويل معناها إفراطاً بادياً، وهو يؤكد أن "كان الأدب والنقد يبشران بالثورة!"، صحيح أنه يعود ليحترز بقوله: "ولكن ليس من طريق مباشر"، لكن الحماسة معدية!
خبرة رشيد العناني الطويلة بنصوص نجيب محفوظ ومعايشته لها لما يقرب من 40 عاماً، جعلته يضمن الكتاب 3 مقالات أو دراسات قصيرة عن أدب نجيب محفوظ والثورة والحرية، رغم أنه أفرد لدراسة نصوص محفوظ أكثر من كتاب ودراسة باللغتين العربية والإنجليزية خلال ما يربو على 25 عاماً. "نجيب محفوظ وثورة 23 يوليو"، و"تأملات عقب ذكرى ميلاد نجيب محفوظ"، و"رسالة من وراء القبر: نجيب محفوظ يكتب للمصريين محذراً من مغبة الفرقة الوطنية".
ولأن العناني ناقد "محترف" يقتنص النصوص المميزة، فأفرد لعدد من الروايات التي عالجها قراءة ونقداً فصولاً في كتابه، خاصة من النصوص التي وصلت إلى قوائم الجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" في السنوات الأخيرة.. منها "ساق البامبو"، و"القندس"، و"يا مريم"، و"طشاري".. إلخ. ولم يخل الكتاب من مقالات "حرة" عن نصوص أخرى تنتمي لإبداعات أجيال أكبر وأكثر رسوخاً في الكتابة الإبداعية (بدءاً من جيل الستينيات صعوداً إلى السبعينيات والثمانينيات وما تلاها).. "سليمان فياض، غادة السمان، حنان الشيخ، أهداف سويف، هالة البدري..".
في المجمل، يوفر كتاب رشيد العناني لقارئه سياحة ممتعة ومفيدة بين جنبات عدد من النصوص الروائية، والموضوعات الأدبية، والظواهر الإبداعية، فضلاً عن تناولات ثقافية خاصة ومقارنات لا تخلو من ومضات تثير الإعجاب وتدعو إلى التأمل، بهذا الكتاب "البحث عن الحرية" يعود العناني إلى الساحة الأدبية العربية، ويستعيد شهيته للكتابة النقدية والنشر باللغة العربية بعد انقطاع طويل.
مؤلف الكتاب، هو الدكتور رشيد العناني، كاتب وناقد وأكاديمي مصري. درس الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة، وعمل بها عدة سنوات، قبل أن يسافر إلى بريطانيا ويحصل على الدكتوراه من جامعة إكستر البريطانية، وبها قضى الشطر الأعظم من حياته، وترأس قسم الدراسات العربية والإسلامية فيها، كما شغل منصب أستاذ الأدب العربي الحديث بها، وعين أستاذاً فخرياً في جامعة "إكستر" تقديراً لمساهمته الأكاديمية الطويلة بها.
في عام 2014، دُعي للمشاركة في تأسيس جامعة جديدة في دولة قطر هي "معهد الدوحة للدراسات العليا"، حيث يعمل الآن عميداً مؤسساً لكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية وأستاذاً للأدب العربي الحديث والمقارن.
من مؤلفاته الأكاديمية كتاب بالإنجليزية عن نجيب محفوظ عنوانه "Naguib Mahfouz: His Life and Times" صدر عن الجامعة الأمريكية في القاهرة سنة 2007، له أيضاً دراسة مطولة صدرت في 2006 عن دار روتلدج البريطانية بعنوان "Arab Representations of the Occident" تبحث في تاريخ اللقاء الحضاري بين الشرق العربي والغرب الأوروبي - الأمريكي منذ الحملة النابوليونية على مصر وحتى مطالع القرن الحادي والعشرين. وله أيضاً "نجيب محفوظ ـ حصاد القول"، و"استنطاق النص ـ دراسات نقدية"..
aXA6IDMuMTQwLjE4NS4xOTQg
جزيرة ام اند امز