بين حذف الأصفار وتضخيم الفئات.. ما أسباب إصدار الدول أوراقاً نقدية جديدة؟

في الفترة الأخيرة، برزت قضية إصدار أوراق نقدية جديدة في عدة دول عربية مثل سوريا ولبنان وليبيا، وهو أمر يعكس تعقيدات اقتصادية ونقدية عميقة تعيشها هذه البلدان.
وتتنوع الأسباب والدوافع التي تقف خلف هذا التوجه بين محاولة ضبط التضخم الجامح، وتسهيل المعاملات اليومية، وتعزيز الثقة بالعملة الوطنية، بالإضافة إلى تزويد السوق بوسائل دفع أكثر أمانًا ومرونة.
التجربة السورية.. حذف الأصفار
تستعد سوريا لإصدار أوراق نقدية جديدة مع حذف صفرين من عملتها، في محاولة لاستعادة ثقة المواطنين بالليرة التي فقدت أكثر من 99% من قيمتها منذ اندلاع الحرب عام 2011، حيث وصل سعر الصرف إلى نحو 10 آلاف ليرة مقابل الدولار مقارنة بـ50 ليرة قبل الحرب.
هذا التدهور الحاد جعل التعاملات اليومية شبه مستحيلة، إذ أضبحت الأسر السورية مضطرة إلى حمل أكياس مليئة بأوراق نقدية لتغطية مشترياتها الأساسية، لذا، أعلن مصرف سوريا لمركزي أن الإصدار الجديد يهدف إلى تسهيل المعاملات وتحسين الاستقرار النقدي.
اجتماعات مكثفة عُقدت داخل المركزي السوري برئاسة نائب الحاكم مخليس النازر لدراسة خطط إعادة هيكلة العملة، بينما أفادت تقارير باتفاق سوريا مع شركة "غوزناك" الروسية لطباعة الأوراق الجديدة، وهو ما يعكس أيضًا بعدًا سياسيًا يتجاوز الطابع الاقتصادي، خاصة مع الرمزية المرتبطة بالوجوه المطبوعة (بشار وحافظ الأسد) على الفئات النقدية.
بين تغيير الشكل وإصدار عملة جديدة
الخبير المصرفي الدكتور عز الدين حسانين، أوضح لـ«العين الإخبارية» أن تغيير العملة قد يتم عبر مسارين، الأول يقتصر على تعديل الشكل والتصميم مع الإبقاء على القيمة الاسمية.
والمسار الثاني يتمثل في إصدار عملة جديدة بالكامل لتحل محل القديمة، وهو خيار أكثر تعقيدًا يحتاج إلى استعدادات فنية وتشريعية وبنية تحتية مالية قوية، حسبما ذكر حسانين لـ"العين الإخبارية".
وأضاف أن أي إصدار جديد يخضع لمعايير دقيقة من حيث الجودة والأمان، مع تحديد قيمته وفق العرض والطلب وسوق الصرف، لضمان عدم انهياره مجددًا والحفاظ على ثقة المواطنين والمستثمرين.
ليبيا.. أوراق جديدة لتعزيز السيولة
وفي ليبيا، أعلن مصرف ليبيا المركزي طرح أوراق نقدية جديدة من فئات 5 و10 و20 دينارًا اعتبارًا من يناير/كانون الثاني الماضي، في إطار استراتيجية لتعزيز السيولة وتحسين جودة النقد المتداول.
وتميزت الأوراق الجديدة بتصاميم حديثة وخصائص أمنية متطورة لمكافحة التزوير، كما جرى استخدام مادة البوليمر في بعض الفئات مثل 5 و20 دينارًا، بما يضمن سهولة التداول وزيادة عمر الورقة النقدية، ما يظهر توجهًا نحو الحداثة في إدارة العملة، مع الحفاظ على قوتها وتعزيز ثقة المواطنين بها.
لبنان.. فئات كبرى لمجاراة التضخم
أما في لبنان، فقد أقر مجلس النواب إصدار أوراق نقدية جديدة عبر مصرف لبنان بفئات تصل إلى 5 ملايين ليرة، بعد أن فقدت العملة أكثر من 98% من قيمتها منذ اندلاع الأزمة المالية عام 2019.
جاء القرار بعد مسار تشريعي طويل استمر عامين، بهدف مواجهة التضخم الجامح الذي جعل الفئات الصغيرة عديمة القيمة تقريبًا، وتشمل الإصلاحات إدخال فئات كبيرة مثل 500 ألف، ومليون، ومليوني، وخمسة ملايين ليرة، ما يعكس الحاجة إلى إعادة ضبط هيكل العملة بما يتوافق مع الواقع الاقتصادي الجديد.
أبعاد إصدار النقد الجديد
الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، أكدت أن إصدار أوراق نقدية جديدة لا يقتصر على كونه إجراءً اقتصاديًا صرفًا، بل يحمل أبعادًا سياسية ورمزية أحيانًا، ففي سوريا، يهدف طباعة أوراق نقدية إلى إزالة صور النظام السابق، وهي أمور مرتبطة بالسلطة والشرعية.
وأضافت الدماطي لـ"العين الإخبارية"، أن الأمر مختلف في لبنان وليبيا، حيث يرتبط الإصدار الجديد بمحاولة إظهار قدرة الدولة على إدارة الأزمة النقدية وتوفير حلول عملية للمواطنين.
ومع ذلك، أشارت إلى أن إصدار أوراق نقدية جديدة يعد خطوة تلجأ إليها الدول في حالات الانهيار النقدي أو التضخم المفرط أو الحاجة إلى تطوير البنية النقدية بما يتناسب مع التكنولوجيا الحديثة.
وأوضحت أنه من جهة يسعى لتسهيل التعاملات وضبط السوق، ومن جهة أخرى يمثل محاولة لاستعادة الثقة المفقودة في العملة الوطنية، مضيفة أنه بينما تختلف الظروف بين سوريا ولبنان وليبيا، يبقى القاسم المشترك هو مواجهة أزمات اقتصادية خانقة تتطلب حلولًا نقدية عاجلة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMiA= جزيرة ام اند امز