المصالحة مع إخوان مصر.. رحلة اللاحق بالسراب

بدت جماعة الإخوان في مصر، وقوى إقليمية في سباق من أجل مطاردة سراب على طريق بدت نهايته محتومة.
ومنذ سنوات تخلت جماعة الإخوان عن لغة المواجهة، بعد أن أيقن قادتها على ما يبدو، أن أزمة الجماعة أعمق من صراعها مع السلطة، إذ فقدت حاضنتها الاجتماعية في بلد انتفض قبل نحو عقد للخلاص من سطوتها بعد عام واحد فقط في الحكم.
وخلال السنوات الماضية طالما روجت الجماعة بين أنصارها وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وفي منصاتها الإعلامية لمفاوضات مع السلطات المصرية لإعادة إدماج الجماعة في المشهد السياسي المصري، قبل أن تتخلى عنه وتتحدث عن احتوائها ضمن النسيج الاجتماعي.
وأمام تلك المحاولات الإخوانية كانت وما زالت الدولة المصرية حكومةً وشعباً ترفض التصالح مع تنظيم الإخوان، إنطلاقاً من عقيدة راسخة بأنهم جماعة غير وطنية تستهدف هدم الدولة المصرية، ورغم إعلان الدولة لموقفها مراراً سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي وفي مناسبات عديدة، إلا أنه وبالمقابل لم يمل التنظيم من الترويج لهذا "الوهم".
ويرى مراقبون أن منبع هذا الإلحاح يستند إلى إدراك قادة الإخوان أن الأزمة التي يمرون بها لا مخرج منها إلا عبر بوابة التصالح مع الدولة.
على مدار الأعوام الخمس الماضية لا تكاد تمر أسابيع إلا وتنتشر شائعة مصدرها الجماعة، تؤكد أن ثمة اتفاق تم بين الإخوان والدولة، مبشرين بعفو قادم عن قادة وزعماء الجماعة في السجون، حيث يقضي غالبيتهم عقوبات في قضايا إرهابية.
كما تخرج قادات التنظيم ليعلنوا عن مبادرة لحل الأزمة من جانب واحد، ومع استمرار تجاهل الدولة المصرية لكل شائعاتهم، وانشغال المسؤولين بإعادة تأسيس البنية التحتية المتهالكة، والعمل على جني ثمار التنمية، تزداد مشاكل الإخوان الداخلية وتظهر عمق الانشقاقات والخلافات.
وللمرة الأولى تبدو الصدوع في جسد التنظيم الإرهابي بهذا العمق وتمس منصب الإرشاد في جماعة تؤسس أيديولوجيتها على مبدأ السمع والطاعة، وفق تراتبية صارمة.
ويتصارع القائم بأعمال المرشد إبراهيم منير مع محمود حسين الأمين العام السابق للجماعة ما قسم الجماعة إلى جبهتين، الأولى في لندن والأخرى في إسطنبول، فيما تشظت كوادر الجماعة ضمن دوائر أصغر في مشهد لم يمر على جماعة اعتادت الصدام مع السلطة منذ تأسيسها في عشرينيات القرن المنصرم.
وفي الوقت الراهن تتنافس الجبهتان المتصارعتان على التصالح مع الدولة، في محاولة لكسب "شرعية المنقذ".
السيسي يغلق الباب
وفيما تبني الجماعة مشروع الإنقاذ على ترويج لوهم المصالحة، وجه الرئيس المصري لكمة قاضية لآمال التنظيم بإعلانه خلال كلمته في افتتاح القرية الأولمبية لهيئة قناة السويس أن ضغوطا اقتصادية تمارس على الدولة المصرية من أجل قبول المصالحة، مؤكدا أنه لا مجال لتمرير هذا الأمر طوال وجوده على رأس السلطة في البلاد.
وجدد الرئيس المصري توضيح موقفه السابق والذي كان قد أعلنه بشكل قاطع في حواره مع جريدة "الشاهد" الكويتية، في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أو خلال فعاليات الندوة التثقيفية للقوات المسلحة الـ32 في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وفي كلا المرتين صرح بأن جماعة الإخوان لن يكون لها دور في المشهد المصري خلال فترة وجوده في السلطة، وأن شعب مصر لن يقبل عودتها "لأن فكر الإخوان غير قابل للحياة ويتصادم معها".
كما شدد غير مرة على أنه "لا تصالح مع من يريدون هدم مصر".
لا تصالح مع "الغرغرينا"
وحول رفض المصالحة وتداعيات ذلك على الجماعة وعلى المشهد السياسي الإقليمي، يرفض طارق البشبيشي القيادي السابق بالإخوان والكاتب والباحث في الإسلام السياسي المصالحة شكلاً وموضوعا.
وتساءل البشبيشي في تصريحات لـ"العين الإخبارية" "هل يمكن أن يتصالح الجسد مع الغرغرينا؟"، موضحا أن "مصر دولة كبيرة وتاريخية والإخوان كمرض الغرغرينا يجب بتر العضو المصاب به من الجسد، فإن ترك سيقضي عليه".
وأشار القيادي الإخواني السابق إلى أن "الأزمة الحالية بين الدولة المصرية بمؤسساتها وشعبها وقيمها مع تنظيم جماعة الإخوان الإرهابية، وليس بين الإخوان والرئيس السيسي، كما يروج التنظيم، فهم يريدون شخصنة القضية، حتى يتمكنوا من تغيير قواعد اللعبة".
وتوقع البشبيشي زيادة الخلافات بين قادة الجماعة واحتدام صراعاتهم بعد تصريحات الرئيس المصري، مع فقدان الأمل في العودة للمشهد، وإن رجح أن تستمر محاولات دفع وسطاء آخرين للضغط على القاهرة.
مسار محتوم
وفي السياق ذاته، رأى عمرو فاروق الكاتب والباحث المتخصص في الجماعات المتطرفة أن الإخوان لم تكن جماعة مستقلة في يوم من الأيام، وهي تقوم بدور وظيفي تخريبي داخل العالم العربي.
وأضاف في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن الدولة المصرية تعاني من ضغوط شديدة ربما من دول إقليمية، تدفع نحو إعادة دمج الجماعة في الحياة المصرية، موضحاً أن تلك القوى الإقليمية لا تريد أن تعود الجماعة كمنافس للنظام الحالي أو كشريك في صناعة الحياة السياسية والبرلمانية، بل ولا حتى كقوة اجتماعية لها القدرة على التأثير على الرأي العام بل كل أملها أن يعودوا مجرد جماعة دعوية مع إيقاف التنفيذ.
وأشار فاروق إلى أن هذه العودة تحتاج خروج مرشد الإخوان محمد بديع من السجن بعفو رئاسي، مع قادة آخرين، لتهدئة الأجواء داخل التنظيم ولاستعادة اللحمة التنظيمية والتئام الصف.
وأوضح أن الإخوان يمتلكون سيطرة نسبية على الفضاء الإلكتروني والعالم الافتراضي، ويرغبون في إيجاد سيطرة حقيقية في العالم الواقعي، وقادة الجماعة يدركون أنه إذا لم يحدث هذا السيناريو فالبديل تفكك الجماعة وانهيار التنظيم.
ويستدرك فاروق قائلا: "إن هذه القوى الإقليمية (التي تسعى لإعادة إحياء الجماعة) تعمل على وقف تدهور الأوضاع في اليمن وليبيا وتهديد مصالحها هناك، والإخوان يمكنهم القيام بهذا الدور، والثمن هو المصالحة".
ويفسر فاروق إصرار الدولة المصرية على رفض المصالحة بأن خطراً كبيراً أدركه المسؤولون المصريون يترتب على السماح للجماعة بالتمركز مرة أخرى في العالم العربي، لهذا كانت تصريحات الرئيس الواضحة والصريحة موجه لأكثر من جهة؛ القوى الإقليمية التي تقف وراء إعادة دمج الإخوان، والثانية الإخوان أنفسهم، والثالثة أي قوى سياسية معارضة تحاول الحصول على دعم التنظيم في أي استحقاق انتخابي أو شعبي قادم.
ويرى فاروق أن تأثير غلق باب المصالحة من شأنه أن يؤثر أكثر على جبهة إبراهيم منير التي كانت تروج لأنها طرف في المصالحة والقادرة على إنهاء أزمة الجماعة، متوقعا أن ترتفع حدة التراشق الإعلامي في الفترة القادمة بين الطرفين.
أحلام يقظة
من جانبه، يرى هشام النجار الباحث والمتخصص في الإسلام السياسي أنه لا جديد في موضوع المصالحة وهو أمر محسوم من الدولة المصرية والمشاركين في الحوار الوطني.
وتجري في مصر الاستعدادات لعقد مؤتمر للحوار الوطني كان الرئيس السيسي قد دعا إليه في أبريل/نيسان الماضي، وتوافق المشاركون في الحوار على عدم توجيه الدعوة للجماعة المصنفة إرهابية.
وأشار النجار في تصريحات لـ"العين الإخبارية" إلى أن" المصالحة وهم في أذهان الإخوان أقرب إلى أحلام اليقظة، فالدولة تتعامل مع الإخوان بعد 30 يونيو/حزيران 2013 أمنيا وقضائيا فقط، ولا تتعامل معها سياسياً، فهم لم ليسوا فصيلا سياسيا أساء التصرف أو أخطأ التعبير عن غضبه، بل هم أعداء حقيقيون للدولة المصرية الوطنية بمؤسساتها الحديثة.
وأوضح النجار أنه "من الواضح أن ثمة ارتباكات حلت بين صفوف الإخوان بعد إعلان الرئيس عدم قبوله لفكرة المصالحة من الأساس، نظرا لأن (جبهة إبراهيم منير) تستخدم ملف المصالحة للحصول على الشرعية التنظيمية في قيادة الجماعة، أمام غريمهم التقليدي محمود حسين.
وأشار إلى أن منير يرغب في تقديم مجموعته للرأي العام على أنهم الأكثر فاعلية والأقدر على إعادة الجماعة إلى مربع العمل الدعوي، محذرا من الوقوع في فخ "العرض غير جدي".
لا صلح مع الإرهاب
ومن جهته، رأى مصطفى حمزة، الكاتب والباحث في "الأهرام الاستراتيجي"، أن السياسة لا تعرف إلا المصالح، والدولة المصرية أدركت من فترة طويلة أن مصالحها مهددة بسبب وجود الإخوان، وهم مصدر تهديد داخلي يؤرق صانع السياسات، نظراً لعدم وطنيتهم.
وتابع إنه "عندما تكون هذه الجماعة إرهابية وتعلن العداء والتحرض على هدم الدولة وإفشاء أسرارها لممويلها، فيكون من الصواب التوقف عن التعاطي معها كقوة سياسية مهما كانت تمتلك من أعداد".
ودعا حمزة السلطات المصرية إلى الاستمرار في اجتثاث جذور الإرهاب من المجتمع ومحاربة أفكاره مهما كانت التكلفة، لأن تكلفة المصالحة حسب قول الباحث المصري أكبر بكثير من تحمل الضغوط الاقتصادية التي تخلقها قوى عالمية ترغب في توظيف الإخوان في بعض الملفات العالقة في المنطقة، مثل الصراع الأمريكي الصيني أو الحرب الأوكرانية الروسية، أو غيرها من موضوعات يمكن للإخوان أن تسهم فيها بشكل مختلف حال تم السماح لهم بالحركة في المجتمع المصري.
aXA6IDIxNi43My4yMTcuMSA= جزيرة ام اند امز