جائزة نوبل في الفيزياء.. كيف يُعيد العقل تشكيل الماضي بـ«ذاكرة البناء»؟
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم منح جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2024 إلى "جون جيه هوبفيلد" و"جيفري إي هينتون".
جاء هذا الفوز للعالمين بسبب الاكتشافات والاختراعات الأساسية التي تمكن التعلم الآلي باستخدام الشبكات العصبية الاصطناعية، التي تعتمد على ذاكرة إعادة البناء.
وفي عالم علم النفس، تُعد ذاكرة إعادة البناء واحدة من المفاهيم الأساسية التي تبرز دور العقل النشط في كيفية استرجاع الأحداث الماضية.
إذ تشير هذه النظرية إلى أن الذاكرة ليست مجرد استنساخ للأحداث التي عايشناها، بل هي عملية معقدة تتضمن إعادة تشكيل تلك الأحداث بناءً على تجاربنا السابقة وفهمنا الشخصي.
تعود جذور مفهوم ذاكرة إعادة البناء إلى أعمال السير فريدريك بارتيليت في ثلاثينيات القرن العشرين، الذي قارن بين الذاكرة التكرارية، التي تتمثل في استرجاع المعلومات بدقة، والذاكرة الإعادية التي تعكس طريقة تفكيرنا في الأحداث بشكل أكثر مرونة. فبدلاً من استعادة اللحظات بشكل دقيق، غالبًا ما نحتاج إلى التقاط جوهر الحدث أو معناه.
على سبيل المثال، عندما يسألك صديق عن حديث دار بينك وبين شخص آخر، لا يتوقع منك تقديم سرد دقيق، بل يكتفي بفهم عام لما جرى.
تستند ذاكرة إعادة البناء إلى افتراض أن كل عملية استرجاع تُبنى على مجموعة من المخططات الذهنية التي تساعد في تنظيم المعلومات وتسهيل استرجاعها.
على سبيل المثال، إذا تمت دعوتك لاستذكار مشهد على الشاطئ، فقد تتذكر وجود مظلة شاطئية حتى وإن لم تكن موجودة فعليًا، لأن هذه الصورة تتماشى مع المخطط الذهني لما يجب أن يتضمنه مشهد الشاطئ. لكن هذه المخططات، رغم فائدتها، قد تؤدي أيضًا إلى أخطاء في الذكريات.
البحوث الحديثة تؤكد أن جميع أشكال الذاكرة تميل إلى أن تكون إعادة بناء، حتى عندما تبدو وكأنها استرجاع دقيق. فعندما نتذكر حدثًا، نسترجع مكونات الذاكرة (مثل النص والمعلومات المرتبطة) ونقوم بإعادة تجميعها.
قد يؤثر تماسك النص الذهني على كيفية تذكر التفاصيل، مما يجعل بعض التفاصيل أكثر قابلية للتغيير أو الإغفال. إذا كان لدينا نص ذهني واضح عن حدث معين، فقد نتجاهل تفاصيل تبدو غير متعلقة، أو نعدل بعضها ليتناسب مع النص.
وتُعد تأثيرات السؤال والتوجيهات من الآخرين أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على ذاكرة الأطفال والمراهقين، حيث تُظهر الدراسات أن تغييرات بسيطة في صياغة الأسئلة يمكن أن تُحدث تغيرات جذرية في طريقة تذكر الأحداث.لذا، فإن النصوص التي يُقدمها المحاورون قد تؤثر بشكل كبير على كيفية استرجاع الأحداث.
كما تُعد ذاكرة إعادة البناء مسارًا معقدًا لفهم كيف نقوم بتشكيل ماضينا. فبدلًا من كونها مجرد جهاز تسجيل يسجل الأحداث، تتعامل الذاكرة مع الماضي كقصة تُنسج من خيوط الحقائق، والتفاصيل، والتصورات الذاتية.
هذا يفتح آفاقًا جديدة في الدراسات النفسية، حيث يمكن أن تساعدنا في فهم كيف نشكل هويتنا وكيف يمكن للذكريات أن تؤثر على تصرفاتنا ومشاعرنا.
aXA6IDMuMTQyLjQwLjE5NSA= جزيرة ام اند امز