غرائب ونجوم وبطولات.. سالزبورج يبني قواعد المجد الكروي
تحقيق لـ"العين الرياضية" يستعرض نجاح رد بول سالزبورج النمساوي بشكل استثنائي في كرة القدم الأوروبية.
قصة بدأت بشكل غريب في دوري كرة قدم غير مصنف على المستوى الأوروبي، لكنها أصبحت في خلال 15 عاما، قصة النجاح الأوروبية الأبرز في عالم الساحرة المستديرة، ومنجم المواهب لكبار القارة العجوز.
ومن السنغالي ساديو ماني إلى النرويجي إيرلينج هالاند، قدم نادي رد بول سالزبورج النمساوي العديد من اللاعبين الكبار للأندية الأوروبية خلال السنوات القليلة الماضية.
لكن النادي لا يعد فقط مفرخة للمواهب، بل إنه يملك مشروعا واضحا ومتكاملا منذ اللحظة الأولى، يمكن اعتباره نموذجا للأندية العربية التي ترغب في النجاح بعالم كرة القدم.
البداية
يحمل تأسيس رد بول سالزبورج مفارقة غريبة، ربما لا توجد في أي نادٍ آخر بالعالم، فشركة "رد بول" النمساوية الشهيرة للمشروبات ومالكة النادي تعتبره بلا تاريخ قبل استحواذها عليه في عام 2005، لكن الاتحاد النمساوي لكرة القدم يؤكد أنه يملك تاريخا كبيرا.
القصة بدأت في عام 1933 عندما تأسس نادي "إس في أوستريا سالزبورج" من اندماج ناديين هما "أف سي رابيد" و"أف سي هيرتا"، وبات النادي الوليد هو الممثل الأبرز لمدينة "سالزبورج" الواقعة في غرب النمسا.
وتأهل النادي لأول مرة للدوري النمساوي في 1953، ونجا من الهبوط بصعوبة في أول مواسمه بين كبار الكرة في النمسا، ثم تأرجح بين الدوري الممتاز والدرجات الادنى حتى عام 1971، حين حقق المركز الثاني في الدوري وتأهل لكأس الاتحاد الأوروبي، لكنه خرج من الدور الأول.
وفي 1978، تغير اسم النادي إلى "كازينو سالزبورج"، لكنه لم يحقق أي جديد في مسيرته حتى مطلع التسعينيات، حين بدأت فترته الذهبية باسم جديد "فوستن روت سالزبورج"، وتوج في هذه الفترة بالدوري 3 مرات في 1994 و1995 و1997، ولعب نهائي كأس الاتحاد الأوروبي في 1994 ولكنه خسر اللقب لصالح إنتر ميلان الإيطالي.
استحواذ "رد بول"
بعد هذه الصحوة، عاد النادي للتخبط وبات في هامش الكرة النمساوية حتى عام 2005، عندما استحوذت شركة "رد بول" عليه، وغيرت اسمه إلى "رد بول سالزبورج"، واسم ملعبه إلى "رد بول أرينا".
اقتصاديا، أدت عملية الاستحواذ إلى تقوية العلامة التجارية للنادي، وتغير كل شيء بما فيه ألوان الفريق وشعاره واللاعبين والموظفين بالكامل.
وتصر إدارة "رد بول سالزبورج" على أنه نادٍ جديد بالكامل وليس له أي تاريخ، فيما لا يزال الاتحاد النمساوي يعتبره الوريث القانوني لنادي أوستريا سالزبورج، رغم أن مشجعي الأخير رفضوا عملية الاستحواذ وأعادوا تأسيس نادي بنفس الاسم في 2005 ويلعب حاليا في الدرجات الأدنى.
نجاح استثنائي
منذ استحواذ "رد بول" على النادي في 2005، استطاع تحقيق 11 بطولة دوري نمساوي من أصل آخر 15، فضلا عن 7 بطولات كأس محلي.
وتأهل الفريق إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي عام 2018، حيث خرج على يد مارسيليا الفرنسي، ثم قدم أداء كبيرا في دوري المجموعات بدوري أبطال أوروبا في الموسم الماضي، وفشل في التأهل عن مجموعة ضمت ليفربول الإنجليزي ونابولي الإيطالي.
وتسائل كثيرون عن كيفية تحقيق فريق منحدر من دوري غير مصنف أوروبيا لكل هذه النجاحات المحلية والأوروبية رغم تصديره المستمر للمواهب لكبار القارة؟.
ففي مباراته ضد ليفربول التي انتهت بهزيمته 3-4 في الموسم المنصرم، قدم سالزبورج أداء كبيرا يجمع بين الضغط العكسي والكرة المباشرة، التي تميز الأسلوب الألماني، فضلا عن التمريرات القصيرة وتبادل المراكز.
وتعود طريقة اللعب المميزة للفريق إلى الفترة بين 2012 و2014، وهي مدة تولي المدرب الألماني روجر شميدت تدريب الفريق، والذي قال: "رد بول يلعب كرة القدم لتحقيق المستحيل، وتقديم كرة قدم استثنائية".
وفي هذا الإطار، قال تحقيق صحفي أجرته صحيفة "دي فيلت" الألمانية عام 2014: "بات تطور سالزبورج مثير للإعجاب، ويتم مناقشة طريقة لعب الفريق السريعة والقوية في مقاطع الفيديو التدريبية والتعليمية حول العالم".
وتابعت: "يتميز الفريق بالضغط العالي والعكسي بكثافة واتساق وسرعة، وتعمل إدارة الفريق باستمرار على تقليل متوسط أعمار اللاعبين وتبحث بشكل دائم عن استراتيجيات وتكتيكات جديدة لكرة القدم بدعم من مركز أبحاث يضم احصائيين وخبراء في اللعبة".
وتستند تدريبات الفريق في كل المراحل السنية إلى دراسة أكاديمية خلصت إلى أن عدد كبير من الأهداف في كرة القدم يتم احرازها بعد 10 ثواني من استعادة الكرة من الخصم.
لذلك، يضع مدربو الفرق المختلفة في النادي "ساعة إيقاف" في ملعب التدريب، تقوم بالعد بصوت مسموع من بداية فقدان الكرة، وفي حال عدم استرجاعها بعد 5 ثوانٍ من فقدانها، يعاقب الفريق بالكامل.
وبعد استعادة الكرة، تعد الساعة 10 ثوانٍ، ولابد أن يحرز الفريق هدفا خلال هذه المدة من تمريرات مباشرة نحو مرمى الخصم.
وفي هذا الإطار، يقول المحلل ألكسندر زيكلر: "ريد بول سالزبورج يلعب كرة قدم حديثة، من الواضح أنها أسرع وأكثر عدوانية من أي كرة قدم أخرى في أوروبا".
تجدر الإشارة إلى أن النادي افتتح أكاديميته الجديدة في يوليو/ تموز 2014 والمكونة من 7 ملاعب وفنادق إقامة تسع إلى 140 شخصا، والمجهزة بمركز طبي، ومركز للعلاج الطبيعي ، وصالات الألعاب الرياضية، وتعد الأكبر والأكثر تجهيزا في القارة.
النادي يجيب: كيف تحقق النجاح؟
أكاديمية للشباب، وطريقة لعب موحدة لكل فرق النادي من البراعم إلى الفريق الأول، وإنفاق ذكي للموارد، وفريق كشافين على أعلى مستوى، ومركز أبحاث قوي يتابع اللاعبين بشكل دائم ويبحث عن أحدث تكتيكات اللعب، هذه هي أسس مشروع رد سالزبورج في كرة القدم منذ 2005، وفق ما ذكره كريستيان كيشرر، مسؤول الإعلام والاتصال في النادي، في تصريحات خاصة لـ"العين الرياضية".
يقول كيشرر: "رد بول سالزبورج، مثل أي نادٍ آخر لكرة القدم، يركز بشكل أساسي على النجاح الرياضي، ولقد حققنا هذا بشكل جيد للغاية في السنوات الأخيرة، على المستويين المحلي والأوروبي".
وتابع: "كما طورنا الكثير من المواهب التي انتقلت إلى أفضل الأندية الأوروبية، مثل إيرلينج هالاند، وساديو ماني، ونابي كيتا، وتاكومي مينامينو، ومارسيل سابيتزر، وكونراد لايمر، ودايوت أوبيكانو".
وأضاف: "كل هذه الانتقالات أدخلت الكثير من الإيرادات إلى خزينة النادي وكان لها تأثير إيجابي على تطور مشروعنا رغم أننا ننفق مواردنا بحساب ونستثمر في المواهب الشابة فقط".
وتابع: "أهدافنا في بداية كل موسم هي الفوز بكل الألقاب المحلية، وتقديم مستويات قوية على المستوى الأوروبي".
وأكمل: "نحن نعلم جيدا من أين بدأنا في 2005، وكيف كان وضع النادي وقتها، كما نعرف حجم الفجوة الفنية والمالية بين الدوري النمساوي والبطولات الأوروبية الكبرى، لكننا نملك طموحا كبيرا وتخطيط جيد".
وأردف: "لعبنا في السابق نصف نهائي الدوري الأوروبي، ويمكننا أن ننطلق في هذه البطولة ونحقق لقبها في المستقبل القريب".
وواصل: "نملك فريق كشافين على أعلى مستوى يتابع المواهب في كل مكان، ومركز لرصد وتحليل إحصائيات اللاعبين، ما جعلنا نجلب الكثير من المواهب من جميع أنحاء العالم إلى نادينا في سن مبكرة".
واستطرد: "النجاحات التي تحققت في مجال تطوير المواهب وانتقال لاعبينا لفرق كبيرة كانت بدورها حافزًا كبيرًا للعديد من اللاعبين الشباب الآخرين الذين لولا ذلك لما كانوا ليأتوا إلى سالزبورج".
وفي حديث لـ"العين الرياضية"، قال توماس شنايدر، وهو مشجع للنادي ويبلغ من العمر 30 عاما: "النادي يسير وفق خطة علمية واستثمارية قوية، ولقد حققنا نجاحات مالية ورياضية قوية في 15 عاما".
وأضاف: "أنظر إلى طريقة لعبنا وسرعة لاعبينا وضغطهم المجنون على الخصم.، هذه هوية الفريق التي تترسخ في وجدان اللاعبين بداية من مراحل الناشئين".
وأتم: "العالم كله شاهد أدائنا أمام ليفربول، وقوة لاعبينا البدنية والذهنية والمهارية، وأؤكد أن سالزبورج قادم بقوة لكرة القدم الأوروبية، والأعوام المقبلة هي أعوامنا".
aXA6IDE4LjIyMS4xOTIuMjQ4IA== جزيرة ام اند امز