التفاصيل الكاملة لحفل "صوت الصمود".. لبنان يخاطب العالم من مدينة الشمس
شارك في الحفل أكثر من 170 عازفا ومغنيا في الكورس، في مبادرة هي الأولى من نوعها في العالم منذ تفشي وباء كورونا.
في حدث وليلة استثنائية ملأ صوت الموسيقى مدينة بعلبك اللبنانية وصدح في كل أرجاء لبنان ناقلا رسالة صمود إلى العالم، تتحدى كل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها البلاد، بالإضافة إلى وباء كورونا الذي أصاب أيضا كل بلدان العالم.
وفي الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير، حيث كان من المفترض الاحتفال بهذه المناسبة بباقة من الأنشطة والحفلات حالت الظروف دون تنفيذها، جاء الاحتفال الوحيد موسيقي بامتياز من معبد باخوس في قلب مدينة الشمس حيث قلعة بعلبك الأثرية، التي كانت تستقبل سنويا أهم وأشهر الفنانين.
وشارك في الحفل أكثر من 170 عازفا ومغنيا في الكورس، في مبادرة هي الأولى من نوعها في العالم منذ تفشي وباء كورونا.
وفيما كانت حفلات بعلبك تستقبل آلاف المشاهدين والمستمعين في ليالي مهرجانها السنوي، اختارت اللجنة المعنية بالمهرجان هذا العام تنظيمه دون جمهور تنفيذا لإجراءات الوقاية من وباء كورونا لتصل الموسيقى إلى منازل اللبنانيين وكل العالم عبر قنوات التلفزيون.
كان الحفل عالمي بكل المستويات بل وفاق كل التوقعات، خاصة أن التحضيرات بدأ العمل عليها منذ 3 أسابيع، حيث كان ينتظره اللبنانيون وبدأوا التفاعل والترويج له عبر هاشتاج "علّي (ارفع) الصوت"، الذي تصدر وسائل التواصل الاجتماعي، وأبدى اللبنانيون فرحتهم بهذا الحدث في ظل كل الأزمات التي يعيشونها.
وتوحدت في هذه الليلة شاشات قنوات التلفزيون اللبنانية حيث نقلت جميعها الحفل باستثناء تلفزيون "المنار" التابع لميليشيا حزب الله الإرهابية، المصنفة على قوائم الإرهاب الدولي، كما نقل الحفل أيضا على واجهة المتحف الوطني في بيروت، وتحوّلت شاشات الإعلانات بوسط المدينة، وتحديدا على جسر الرينج الذي لطالما شهد تظاهرات شعبية، إلى شاشات لنقل الحفل.
وتخلل الحفل الذي بدأ بموسيقى النشيد الوطني اللبناني مقاطع موسيقية للأخوين الرحباني وأغنيات للسيدة فيروز ومقطع موسيقي للفنان اللبناني غبريـال يارد من فيلم جبران خليل جيران، مع مشاركة للفنان رفيق علي أحمد.
هذا بالإضافة إلى عرض رسوم لأطفال بين عمر 5 و10 سنوات، تكشف رؤيتهم لمستقبل لبنان، كما تخلل السينوجرافيا صورا من الأرشيف وإبداعات بصرية، للفنان جان لوي مانجي، بحسب ما أوضحت رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك الدولية نايلة دي فريج.
وقالت دي فريج لـ "الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام": "نحن في المهرجانات كلما كانت الصعوبات كبيرة، كلما زادت عزيمتنا وإصرارنا على أن نكمل مسيرتنا رغم الصعاب، وسنبقى صامدون ونؤدي رسالتنا الثقافية في بعلبك".
وأضافت: "هذه السنة كنا نحضر لمهرجان مصغر بسبب الأوضاع المالية ووضع البلد، وكان يتضمن حفلة أجنبية موسيقية مع الأوركسترا الوطنية الفرنسية تحية إلى بيتهوفن في ذكرى ميلاده الـ 250، وكان هناك عمل لبناني كبير بمناسبة مئوية دولة لبنان الكبير، ولكن توقف كل شيء بسبب وباء كورونا والمشاكل الصحية وحجر الناس في البيوت، وتوقف حركة الملاحة الجوية في المطار".
وأشارت إلى أن فكرة ومشروع الحفل كانت بمبادرة من قائد الأوركسترا الفليهارمونية اللبنانية المايسترو هاروت فازليان، وهي المبادرة التي لاقت ترحيبا واستعدادا للمشاركة من كل المعنيين، إضافة إلى دعم وتشجيع من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
وختمت دي فريج: "العمل صوتي وبصري وفكرته استثنائية، واخترنا (صوت الصمود) اسما للعمل للدلالة على هذه الصرخة الثقافية والفنية التي تؤكد أن هذا القطاع يجب ألا توقفه الصعاب والتحديات، وهو لا يموت، ولا بد من الإشارة إلى أن مشاركة كل الموسيقيين والفنانين والتقنيين والإعلام وشركات الإعلان جاءت بدون مقابل مالي، وهذا يظهر التضامن بين اللبنانيين في هذا القطاع الثقافي، ليس في مهرجانات بعلبك فحسب، بل على المستوى الوطني، ويجب أن يكمل قطاع الثقافة المشوار، فهو نبض لبنان وإبداع اللبنانيين".
بدوره قال المايسترو فازليان: "كنا نعيش جميعا قبل أشهر تحت غيمة سوداء ولم يكن أحد لديه أملا، عن نفسي كنت على يقين بأن هذه الأزمة ستمر وسنتجاوزها، ومنذ اللحظة الأولى فكرت بأن هذا العمل يجب ألا يكون مجرد حفل موسيقي، وإنما رسالة لكل اللبنانيين ولكل المنطقة، والآن وصلت رسالتنا إلى كل العالم وأكدنا على وجود حياة ثقافية موسيقية خلال وبعد كوفيد- 19، وهذه المعابد في بعلبك تقول لي اشتقنا ونريد أن نفرح ونغني ونرقص معك".
وأضاف: "نريد أن نثبت للعالم مجددا أن لبنان الذي يبدو كنقطة على خريطة العالم يستطيع تصدير شغف اللبنانيين الفني والثقافي ورؤيتهم وأن نثبت أن صمودنا أكبر من مساحة بلدنا، بل بحجم العالم".
وأوضح أن حف الليلة شارك به أكثر من 170 عازفا ومغنيا في الكورس، وهذا لم يحدث في العالم أجمع، ففي أوروبا يقدمون حفلات حاليا يشارك فيها بين 30 أو 40 شخصا فقط".
وتابع: "أردت تحقيق الصعب بهذه المشاركة الكبيرة مع مراعاة التباعد بين العازفين في الأوركسترا، لقد قدمنا هذا العمل دون مقابل لأن الرسالة أغلى بكثير من العائدات المالية".
من جهتها، أكدت المشرفة على التحضيرات تانيا أبومرعي، الالتزام بالإجراءات والتدابير الوقائية المعتمدة من منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة العامة اللبنانية في مواجهة "كوفيد- 19"، خلال التدريبات وخلال الحفل الذي تواجد به فريق طبي متكامل من الجامعة اللبنانية الأمريكية لقياس درجة الحرارة عند المدخل، وتوزيع الكمامات، والتأكد من الالتزام بالتدابير الوقائية.
وقبل بدء الاحتفال زار وزير الثقافة اللبناني عباس مرتضى قلعة بعلبك، وقال: "العنوان الكبير الذي يقام في ظله هذا الاحتفال هو الذكرى المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير، ونؤكد من قلعة بعلبك على الحياة والفرح وعلى الأمل بهذا الوطن، ونقدم نموذجا رائعا للبنانيين، يدخل إلى بيوتهم بسبب الظروف والأوضاع الصحية التي حالت دون إحياء المهرجان بحضور الجمهور".
وأكد أنه "رغم كل الظروف الصعبة، ورغم كل الأزمات الموجودة في البلد، نحن شعب يحب الفرح والحياة، وأؤكد للبنانيين أن كل هذا العمل الجبار والجهود المبذولة هي مجانية بدون مقابل".
من جهته، قال محافظ بعلبك بشير خضر: "اليوم وزارة الثقافة ولجنة مهرجانات بعلبك الدولية التي تعد من أعرق مهرجانات في الشرق الأوسط، يوجهان من أعرق صرح ثقافي في لبنان قلعة بعلبك، رسالة أمل إلى نفوس اللبنانيين، ونحن اليوم في أمس الحاجة إلى الأمل وإلى أي مؤشر إيجابي، في ظل هذه الظروف الصعبة والمرهقة والأليمة التي نمر بها".
واختتم: "اليوم نخفف الألم ولو لليلة واحدة، لنوجه رسالة بأننا لن نسمح لهذه الظروف بأن تقهرنا، بل نحن سنقهرها وننتصر عليها".