زيارة بوتين للسعودية تأتي في خضم مستوى تنسيق عالٍ بين الرياض وموسكو خلال السنوات الأربع الماضية
بعد مرور 93 عاماً على العلاقات السعودية الروسية، تبرز العلاقات السياسية بين المملكة وجمهورية روسيا الاتحادية راسخة في التاريخ السياسي بين البلدين، وتعود لعام 1926 عندما اعترف الاتحاد السوفيتي آنذاك بالمملكة العربية السعودية، ليصبح أول دولة في العالم تعترف بالسعودية. ورغم أن العلاقات السعودية - الروسية مرّت بمراحل متعددة ومتباينة في المواقف والتوجهات السياسية، فإن العلاقة بين البلدين لم تتأثر بتلك الاختلافات في وجهات النظر وتضارب المصالح بين البلدين، إيقاناً من الطرفين بأهمية الطرف الآخر في الساحة السياسية والاقتصادية الدولية والإقليمية.
تأتي زيارة بوتين للسعودية في خضم مستوى تنسيق عالٍ بين الرياض وموسكو خلال السنوات الأربع الماضية، كانت ملفات الطاقة والاقتصاد أبرز تلك الأبواب التي عززت من رفع مستوى التعاون في مجالات أخرى. وقد استبق بوتين زيارته الأولى للمملكة منذ 12 عاما، بتأكيده على أدوار الرياض في قضايا المنطقة ومساهماتها الإيجابية
كانت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا في 2015 نقطة تحول في تاريخ العلاقات السعودية الروسية، وأسست لمرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين بعد عقود من البرود ونجحت في إذابة الجليد بين موسكو والرياض. وحينها أدرك البلدان أن ما يجمعهما أهم وأوسع نطاقاً من تباعد مواقفهما، وأن لديهما مصالح مشتركة في مجالات واعدة، تتطلب التركيز عليها أكثر من الاختلاف في المواقف على قضايا أخرى أثرت سلبا عليهما. هذه الزيارة مهّدت لزيارة تاريخية للملك سلمان لموسكو عام 2017، والتي كانت أول زيارة لملك سعودي لروسيا، وذلك ما جعلها تشكل منعرجا حاسما في مسار علاقات الرياض بموسكو، وتم خلالها زيادة حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي من خلال توقيع اتفاقيات عسكرية وأخرى في مجالات النفط والزراعة والطاقة النووية.
وتأتي زيارة بوتين للسعودية في خضم مستوى تنسيق عالٍ بين الرياض وموسكو خلال السنوات الأربع الماضية، كانت ملفات الطاقة والاقتصاد أبرز تلك الأبواب التي عززت من رفع مستوى التعاون في مجالات أخرى. وقد استبق بوتين زيارته الأولى للمملكة منذ 12 عاما بتأكيده على أدوار الرياض في قضايا المنطقة ومساهماتها الإيجابية، ومنها دورها في الحل في سوريا وشدد على أهمية التحول النوعي في العلاقات بين البلدين والتي وصفها بأنها "تغيرت جذريا"، مؤكدا ثقته بأن زيارته ستعطي دفعة جديدة لتطوير العلاقات الثنائية، والتعاون على الساحة الدولية.
بعيداً عن الاستقبال للرئيس بوتين في الرياض، والذي يعكس متانة العلاقات بين البلدين، لا بد من القول إننا فعلاً أمام زيارة تاريخية وغير مسبوقة من حيث النتائج، بما ظهر لنا من خلال المشاهدة والمتابعة لما جرى فيها من مباحثات ولقاءات ومنتديات واتفاقيات تم التوقيع عليها من الجانبين. وإذا كانت روسيا تنظر للسعودية كدولة محورية لها ثقلها السياسي والاقتصادي في العالم، فإن الرياض ترى في روسيا دولة مؤثرة من المهم أن تكون المملكة شريكاً معها في صنع السلام والاستقرار في العالم، وتعزيز المصالح الاقتصادية المشتركة بين البلدين. إذاً لا غنى لكل من الرياض وموسكو عن علاقة متوازنة بينهما، يكون فيها تعاون وثيق بينهما في جميع المجالات من السياسة إلى الاقتصاد والتجارة والاستثمار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة