روسيا أفريقيا.. آفاق الشراكة عبر بوابة الاقتصاد
تعد قمة روسيا أفريقيا تطورا نوعيا جديدا في العلاقات السياسية والدبلوماسية بين روسيا والقارة السمراء.
بعد طول انتظار وترقب للتحركات السياسية والاقتصادية الروسية انضمت روسيا أو الاتحاد الروسي أخيرا إلى قائمة الدول والتجمعات الإقليمية الكبرى والمتوسطة والصغرى، التي عقدت قمما ومنتديات للتعاون مع الدول الأفريقية، ومن أبرز هذه التجمعات والدول: الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والولايات المتحدة واليابان والصين وأستراليا والهند وكوريا الجنوبية والبرازيل.
وتستهدف روسيا وهذه الدول والتجمعات زيادة معدلات التبادل التجاري وجذب الاستثمارات الخاصة بهذه الدول والتجمعات لدول القارة الأفريقية للعمل في تطوير قطاعات البنية التحتية والتعدين واستخراج واستغلال مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة، علاوة على التشاور وتنسيق المواقف والسياسات بشأن القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية المطروحة على الساحتين العالمية والإقليمية.
روسيا تستعيد مكانتها في أفريقيا
حددت روسيا هدفها الرئيسي من عقد قمة روسيا-أفريقيا في استعادة دورها ومكانتها كقوة عالمية سياسية واقتصادية مؤثرة مرة أخرى في القارة الأفريقية، وهي المكانة والدور الذي فقدته مع تفكك الاتحاد السوفيتي السابق لنحو 17 جمهورية مستقلة بداية من عام 1992، لذلك لم يكن من المستغرب تكرار كلمات "العودة لأفريقيا" على ألسنة المسؤولين الروس بمختلف درجاتهم.
وأسفرت أعمال المنتدى عن توقيع نحو 50 وثيقة ما بين اتفاق أو برنامج للتعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بقيمة 800 مليار روبل، أي ما يعادل نحو 5‚12 مليار دولار أمريكي.
في المجالات المدنية نوه أنطون كوبياكوف مستشار الرئيس الروسي بتوقيع روسيا والدول الأفريقية اتفاقيات ومذكرات وعقودا بلغ إجماليها أكثر من 50 وثيقة، بقيمة نحو 800 مليار روبل، أي ما يعدل قرابة 5‚12 مليار دولار، إلى جانب إعلانِ روسيا عزمها شطبَ ديونِ بلدان أفريقية بقيمة أكثرَ من عشرين مليارَ دولار، وتطلع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مضاعفة التجارة مع القارة السمراء إلى أربعين مليار دولار في خلال عامين، وقد استحوذت عدة دول على الاتفاقات التجارية مع روسيا، من أبرزها:
مصر: كما ذكرنا في موضع سابق عناية روسيا باختيار توقيت إقامة المنتدى والقمة الروسية الأفريقية لارتباطها برئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، علاوة على استحواذ مصر على نحو 8 مليارات دولار من إجمالي التجارة الخارجية الروسية منها نحو 3‚7 مليار دولار صادرات روسية لمصر ونحو 700 مليون دولار صادرات مصرية لروسيا يغلب عليها السلع الزراعية.
واستمرارا لذات التوجهات، استحوذت مصر على نحو 45% من إجمالي العقود والاتفاقات التي تم توقيعها بين روسيا والدول الأفريقية، والتي من أهمها: توقيع الشركة "المتحدة لتجهيز وتعبئة الزيوت" المصرية، مذكرة تفاهم مع شركة "EFKO" الروسية لتصنيع الزيوت، لإطلاق مشروع استثماري يستهدف معالجة الحبوب في مصر بتصنيع وتعبئة الزيوت النباتية باستثمارات تصل إلى 300 مليون دولار وبحجم أعمال متوقع يصل إلى نحو 5‚1 مليار دولار خلال 5 سنوات، كما تشمل أنشطة المشروع زيادة الطاقة الإنتاجية وإنشاء مصانع منتجات الزيوت النباتية والتعاون في مجال زراعة الحبوب المحتوية على الزيوت للإنتاج والاستهلاك المحلي والاندماج في سلسلة توريد الزيوت النباتية العالمية واستحداث خط لمنتجات الألبان البديلة القائمة على النباتات، إلى جانب إنشاء صومعة حبوب لتخزين مليوني طن سنويا، وتوجيه فائض منتجات المشروع للتصدير للدول الأفريقية.
مصر
توسيع المنطقة الصناعية الروسية في قناة السويس
عقدت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري المصرية، اتفاقات مع عدد من المسؤولين الروس على إقامة عدة صناعات تتعلق بتجميع سيارات الركوب الروسية والمعدات الزراعية في المنطقة الصناعية الروسية بمصر التي جرى توقيع اتفاق إنشائها في 2018، والتي من المخطط أن تمتد على مساحة 25‚5 كيلومتر مربع وباستثمارات تبلغ 9‚6 مليار دولار، وستنفذ على 3 مراحل ولمدة 13 عاما، ومن المقرر افتتاح المرحلة الأولى من المنطقة في عام 2020.
- شركة "زاروبيجنفت" الحكومية الروسية عقدت اتفاقية مع الشركة الآسيوية "باسيفيك أويل أند غاز" المصرية، لتطوير الكتلة البحرية للجرف المصري جنوب شرق رأس العش، على أن يتم تقاسم الإنتاج بين الشركتين في قطاع النفط والغاز.
- أبرمت شركة ترانس ماتش الروسية المتخصصة في تصنيع عربات السكك الحديدية والقاطرات عقد توريد 1300 عربة سكك حديد بالإضافة إلى توريد 100 عربة سكك حديدية فاخرة للنوم للمسافات الطويلة، في إطار خطة مصرية لتحديث عربات قطاراتها.
وناقش الجانبان تحديث مشروع ترسانة قناة السويس، بما في ذلك بناء وصيانة السفن، وتوريد سيارات الشحن ودخول خط إنتاج خاص بها في المنطقة الاقتصادية الحرة في مصر.
ويجرى التفاوض حاليا حول بنود الاتفاق المنتظر توقيعه قبل نهاية العام الجاري، علاوة على قيام البعثة التجارية الروسية في مصر على إجراء مسح لأسواق أفريقيا والشرق الأوسط والنظر بشأن الطلب على الخزانات والحاويات المبردة في السوقين الأفريقي والشرق أوسطي.
الكونغو
وقعت مجموعة من الشركات الروسية من ضمنها المركز الروسي للتصدير ومصرفي VEB.RF وAfreximbank وشركة البترول الوطنية الكنغولية SNPC مذكرة تفاهم رباعية لمد خط أنابيب لنقل المنتجات النفطية في جمهورية الكونغو، ليربط بين ميناء بوانت نوار، المطل على المحيط الأطلسي والمحطة الوسيطة في لوتيتي.
ويستغرق تنفيذ هذا المشروع، الذي يعد أحد أكبر مشاريع البنية التحتية في تاريخ الكونغو، قرابة 3 سنوات، وتبلغ قدرة نقل خط الأنابيب 2‚2 مليون طن سنويا من المنتجات النفطية.
صناعة الألماس: أبرمت الشركات الروسية المتخصصة في استخراج وإنتاج الماس عدة اتفاقات مع وزراء التعدين والمناجم والصناعة في دول جنوب أفريقيا ونيجيريا وأنجولا وزيمبابوي وزامبيا للبحث عن وإنتاج الماس حيث تعد روسيا أكبر دولة في العالم في إنتاج الألماس، وتتمتع بخبرة غنية في التكنولوجيا وتنظيم الإنتاج وإدارة الشركات والمال، كما تتركز أكثر من 47٪ من احتياطيات الألماس في العالم في أفريقيا، مما يفتح آفاقا كبيرة للتعاون في مجال التسويق، وتنظيم عمليات التسليم المسؤولة.
مجالات متعددة للشراكة والتعاون
مجال إنشاء آلية شراكة الحوار:
يتم تنظيم منتدى شراكة روسيا-أفريقيا وتحديد قمة روسيا-أفريقيا تعقد مرة واحدة كل ثلاث سنوات يتخللها إجراء مشاورات سياسية سنوية في روسيا الاتحادية على مستوى وزراء خارجية روسيا الاتحادية والدول الأفريقية.
وفي التعاون في المجال السياسي تم الاتفاق على تطوير حوار على قدم المساواة مع مراعاة مصالح روسيا الاتحادية والدول الأفريقية، والتعاون الوثيق في تنفيذ أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتأمين الدور الناشط للأمم المتحدة في الشؤون الدولية، وخاصة فيما يتعلق بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وتنسيق الجهود الهادفة إلى إصلاح الأمم المتحدة بغية مواجهة التحديات والتهديدات العالمية القائمة والجديدة، وإصلاح مجلس الأمن للأمم المتحدة مع مراعاة الحقائق الجيوسياسية وبهدف جعله أكثر تمثيلا من خلال ضمان مشاركة الدول الأفريقية على نطاق واسع.
وإجراء مشاورات دورية وغير اعتيادية بين البعثة الدائمة لروسيا الاتحادية والبعثات الدائمة للدول الأفريقية لدى الأمم المتحدة، وتطوير التعاون في إطار المنظمات الدولية الأخرى وخاصة فيما يتعلق باتخاذ القرارات بشأن القضايا ذات الأهمية الخاصة لروسيا الاتحادية والدول الأفريقية، وتكثيف الاتصالات البرلمانية الروسية الأفريقية، وتوسيع الاتصالات الشخصية بين روسيا والدول الأفريقية.
وفي شأن التعاون الأمني، تم تعزيز التعاون لمواجهة الإرهاب الدولي بجميع أشكاله ومظاهره، إضافة إلى مكافحة الجريمة المنظمة والتداول غير الشرعي للمخدرات والاتجار بالبشر والاتجار غير المشروع بالأسلحة وغسل الأموال والهجرة غير القانونية والقرصنة، ومواصلة التعاون الوثيق بهدف تسوية النزاعات ومنع حدوثها في أفريقيا في إطار تنفيذ مبادرة الاتحاد الأفريقي الخاصة بإنهاء العمليات المسلحة في أفريقيا بحلول عام 2020. علاوة على التعاون من أجل ضمان السلامة والحيوية والتدويل لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ومواجهة محاولات تقويض البنيان القائم للاتفاقات القانونية الدولية في مجال مراقبة الأسلحة وعدم انتشار الأسلحة النووية ونزع السلاح.
علاوة على التعاون في منع سباق التسلح في الفضاء الخارجي، والعمل على إقرار المبادرة الروسية بمنع انتشار الأسلحة في الفضاء الخارجي أو استخدام القوة أو التهديد باستخدام القوة ضد الأجسام الفضائية، ودراسة إمكانيات التعاون بين روسيا الاتحادية والدول الأفريقية في الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي والتعهد بتطوير التعاون وتبادل البيانات التقنية مع وكالة الفضاء الأفريقية.
وتكثيف التعاون في مجال إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات في القارة الأفريقية من خلال بناء القدرات وبرامج البنية التحتية، وتطوير التعاون الروسي الأفريقي في مجال الأمن المعلوماتي الدولي وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والحد من "الفجوة الرقمية".
وفي مجال التعاون التجاري والاقتصادي، تضمن البيان الختامي تضافر الجهود لدعم التجارة والاستثمار والتنمية المستدامة ومعارضة أي مظهر من مظاهر النهج الأحادي الجانب، وسياسة الحماية والتمييز ودعم نظام التجارة العالمية القائم على قواعد منظمة التجارة العالمية، ودعم رجال الأعمال الروس والأفارقة في دراسة سبل التعاون وتحديد المجالات الواعدة للشراكة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين روسيا الاتحادية والاتحاد الأفريقي، والمنظمات الإقليمية الرائدة في أفريقيا، وبذل الجهود لزيادة التبادل التجاري بين روسيا الاتحادية والدول الأفريقية، وتقديم المساعدة اللازمة للجان والهيئات الحكومية الثنائية المشتركة الروسية-الأفريقية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني، وتطوير تبادل البعثات التجارية، وتعزيز التعاون في مجال تأمين الطاقة من خلال تشجيع تنويع موارد الطاقة وتحديدا عن طريق استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وكذلك تنفيذ مشاريع مشتركة في مجال الطاقة النووية المدنية، والمواجهة المشتركة للإملاءات السياسية وابتزاز العملة في سياق التعاون التجاري والاقتصادي الدولي، ومنع محاولات بعض الدول لاحتكار الحق الحصري في تحديد الجدوى والمعايير المقبولة للتعامل القانوني بين البلدان الأخرى.
وفي مجال التعاون العلمي والتقني والإنساني والمعلوماتي، تم تعزيز التعاون في مجال مشاريع البحث العلمي المشتركة وتوسيع الاتصالات بين الجامعات ومراكز البحوث في روسيا الاتحادية والدول الأفريقية، وعقد المؤتمرات والندوات العلمية، وتشجيع المزيد من التبادلات والتدريب المشترك والتعاون في المجالات الأكاديمية والثقافية والتعليمية التكنولوجية والرياضية والصحية السياحية والإعلامية.