الإمارات وروسيا.. قيم مشتركة تخلق شراكة مثمرة
حرص روسيا على تمتين العلاقة مع الإمارات يعكس، إضافة إلى دوافعه الاقتصادية، نظرة قوى عالمية للإمارات كشريك مهم بالشرق الأوسط
يمثل الثاني من يونيو عام 2018 تاريخا مهما في مسيرة العلاقات الروسية الإماراتية الممتدة، ففي هذا اليوم وفي خطوة لرفع مستوى العلاقات الروسية-الإماراتية وفتح مرحلة جديدة، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على إعلان حول التعاون والشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
جاء توقيع الإعلان المشترك على هامش زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا، حيث أشاد الرئيس الروسي خلال الزيارة بنتائج التعاون مع دولة الإمارات العربية المتحدة في مختلف المجالات، وعلى رأسها استقرار سوق النفط العالمية.
وحضت روسيا والإمارات في إعلان مشترك على إنشاء تحالف دولي واسع لمحاربة الإرهاب، على أساس احترام سيادة البلدان المتضررة من الهجمات الإرهابية.
وأشارت وثيقة الإعلان المشترك إلى أن "الطرفين سيعملان لتنسيق الجهود وتبادل الخبرات والمعلومات في مجال محاربة الإرهاب والتطرف، بما في ذلك التعاون في إعداد الكوادر اللازمة".
كما نصت على التعاون في مجال الإنترنت والفضاء السيبراني لمنع استخدامه في نشر الأفكار المتطرفة.
وشدد إعلان التعاون والشراكة الاستراتيجية بين البلدين على رغبة الجانبين في "العمل على تعزيز وتنمية التعاون السياسي في القضايا الثنائية والإقليمية الرئيسة، بما في ذلك في إطار الحوار الاستراتيجي روسيا-مجلس التعاون الخليجي، وصيغة التعاون الروسية-العربية وغيرها من الصيغ".
تمتين العلاقات
وخلال لقائه بولي عهد أبوظبي في موسكو في يونيو 2018 قال الرئيس الروسي "الإمارات تعد شريكنا القديم والموثوق في منطقة الشرق الأوسط، وإعلان التعاون والشراكة الاستراتيجية سيكون خطوة جيدة أخرى لتعزيز العلاقات".
وثمن بوتين مبادرات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لتطوير العلاقات الروسية-الإماراتية في مجال التقنيات العالية، مشيراً إلى أن "صندوق الاستثمارات الإماراتي وصندوق الاستثمارات الروسية المباشرة وظفا نحو بليوني دولار في مشروعات مشتركة، تراوحت عائداتها ما بين 15 و17%".
وبشر حينها الرئيس الروسي بأن هذا الإعلان المشترك سيسهم في تمتين العلاقات بين الجانبين، لافتاً إلى وجود "صف واسع من المشروعات والمصالح المشتركة".
من جانبه أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن الإمارات تسعى إلى التعاون مع جميع أصدقائها من أجل ضمان مستقبل زاهر للمنطقة، مشددا على أن الإمارات "تنظر بجدية إلى تعزيز العلاقات مع روسيا وترى أنها علاقات مهمة".
وأعرب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن أمله بأن "التعاون سيتعزز مع توقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية"، وهو عينه ما بدت ملامحه في الزيارة المهمة التي يقوم بها الرئيس الروسي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في أكتوبر 2019.
وكان الطرفان الإماراتي والروسي اتفقا في أبريل/نيسان 2017 على "إعطاء العلاقات بينهما طابع شراكة استراتيجية وإعداد إعلان مشترك في هذا الشأن".
آفاق واسعة بإمكانات ضخمة
أكد خبراء اقتصاديون أن إعلان الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات وروسيا يسمح بتعزيز وتطوير العلاقات الروسية المتطورة في مجالات عدة، لتصل إلى مستوى إمكانات البلدين الضخمة ورغبة الطرفين.
وبلغ حجم الاستثمارات الإماراتية في الاقتصاد الروسي نحو 6 بلايين دولار، وعام 2013 أُعلن عن إنشاء صندوق استثماري مشترك بين الإدارة المالية لأبوظبي وصندوق الاستثمار الروسي المباشر في مختلف قطاعات الاقتصاد الروسي.
وتسعى دولة الإمارات إلى زيادة استثماراتها في قطاعات مختلفة في روسيا، منها الطاقة والعقارات وإدارة وتشغيل الموانئ.
وقفز التبادل التجاري بين البلدين من نحو مليار دولار في 2010 إلى أكثر من 3 مليارات دولار أمريكي في 2015، كما تطمح أبوظبي إلى تطوير تعاونها العسكري مع موسكو، واشترت الإمارات ما بين عامي 2000 إلى 2014 أسلحة ومعدات عسكرية روسية بقيمة 714 مليون دولار.
وعلى المستوى السياسي، فإن العلاقات بين روسيا والإمارات تتميز بمستوى عالٍ من الحوار السياسي والزيارات المتبادلة منذ سبتمبر 2007، أسهمت في تجاوز حجم التجارة البينية بين البلدين في عام 2018 حاجز 3.4 مليارات دولار أمريكي.
لماذا الشراكة الاستراتيجية؟
وفقا لخبراء الاقتصاد والسياسة فإن الشراكة تمثل شكلا من أشكال التعاون والتقارب بين المؤسسات الاقتصادية وكذلك التفاهمات السياسية بما يحفظ لكلا الطرفين مصلحتهما في ذلك، خاصة بعد أن أصبحت الشراكة الاستراتيجية في السنوات الأخيرة عاملا أساسيا في تطور المؤسسات اقتصاديا، خاصة بالنظر إلى التطور السريع للمحيط العام للاقتصاد الدولي.
أيضا فإن التحولات السياسية التي طرأت على الساحة العالمية والتي أثرت بدورها على الجانب الاقتصادي للدول أسهمت في التحول نحو نظام اقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات الوطنية والأجنبية، وهو ما لقي استجابة لدى الجانبين الروسي والإماراتي.
وفي هذا الإطار فإن الإمارات تمتلك بيئة استثمارية خصبة وطموحة، وتتمتع بحضور إقليمي ودولي قوي على المستوى السياسي والاقتصادي، بفضل حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي التي خلقتها قيادة الإمارات والتي دعمتها سياسة دولة الإمارات الخارجية.
الزيارات المتبادلة بين الإمارات وروسيا والتي تتوج بالزيارة الثانية للرئيس الروسي بوتين إلى دولة الإمارات تضع على طريق التنفيذ العملي مخطّط تفصيلي للشراكة متعدّدة المجالات، كان قد وضع بالتدريج خلال التواصل والنقاشات المستفيضة والمستمرّة بين مسؤولي البلدين من مختلف المستويات.
هذا بدوره يجعل الشراكة الروسية الإماراتية مثمرة وبناءة للطرفين مع امتلاك البلدين من المؤهلات ما يتيح لهما تأسيس شراكة تكاملية في عدد كبير من المجالات الاقتصادية والتجارية والعلمية وغيرها.
كما أنّ للبلدين فرصا كثيرة عبر الشراكة السياسية في حلحلة قضايا المنطقة وملفاتها، والتنسيق الأمني بشأن محاربة التطرف والإرهاب، حيث تعلن الإمارات وروسيا مواقف متطابقة في هذه المسألة.
وبحسب مراقبين، فإن الحرص الروسي على تمتين العلاقة مع الإمارات، يعكس بالإضافة إلى دوافعه الاقتصادية، نظرة قوى عالمية للإمارات كشريك ضروري في إيجاد حلول للأزمات الإقليمية، بما تمتلكه هذه الدولة الخليجية من قوّة ناعمة تجسّدها دبلوماسيتها النشطة.
التسامح قيمة مشتركة
تعليقاً على الزيارة الرسمية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدولة الإمارات العربية المتحدة، تحدث الدبلوماسي الروسي يوري فيداكاس، نائب رئيس البعثة في السفارة الروسية في أبوظبي، مع مجموعة من الصحفيين في أبوظبي حول العناصر والقيم المشتركة التي تربط البلدين الصديقين، مشيراً إلى التسامح، باعتباره واحداً من أهم هذه القيم المشتركة.
وأكد الدبلوماسي الروسي أن احتضان دولة الإمارات أكثر من 200 جنسية على أرضها، وكذلك تستضيف روسيا نحو 180 جنسية، والحياة المتناغمة التي ينعم بها أفراد هذه الجنسيات المتعددة في كلا البلدين هي مثال جلي لممارسة "التسامح" في المجتمعات متعددة الثقافات.
ولفت في هذا الشأن إلى وجود جالية كبيرة ناطقة باللغة الروسية في دولة الإمارات، مما جعل العلاقات بين البلدين أكثر قوة وقربا، مؤكداً أن الإمارات من أهم الشركاء لروسيا في الشرق الأوسط.
وقال إن استضافة دولة الإمارات جالية ناطقة بالروسية -تضم نحو 100 ألف شخص، منهم نحو 40 ألف روسي و60 ألف من دول الاتحاد السوفييتي السابق- تعزز مفهوم التسامح وقيمته وتقوي العلاقات بين الشعبين العظيمين.
وقال فيداكاس إن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الوحيدة في منطقة الخليج موجودة في الشارقة، مشيراً إلى وجود العديد من المساجد في روسيا، منوهاً بأن السلطات في منطقة الشيشان الروسية قامت مؤخراً بافتتاح أحد أكبر المساجد في أوروبا، ما يعد دليلاً على الوئام والتسامح الديني في كلا البلدين.
وقال إن زيادة حركة السياحة بين البلدين تعزز العلاقات بين الأفراد، مضيفاً أن نحو 900 ألف سائح روسي زاروا الإمارات العربية المتحدة في عام 2018.
وأوضح الدبلوماسي الروسي أن هناك نحو 111 رحلة أسبوعياً بين روسيا والإمارات، وأن هناك العديد من الرحلات التي تجلب السياح من مختلف المناطق الروسية إلى الإمارات، خاصة إلى الشارقة ورأس الخيمة والفجيرة، إضافة إلى دبي وهذا يدل على العلاقة المتنامية بين مختلف المناطق الروسية ومختلف إمارات الدولة.
ولفت إلى أن العلاقات نمت بين حكومتي البلدين، حيث حصلت الشارقة على لقب "ضيف شرف مميز" من قبل المنظمين للنسخة الـ32 من معرض موسكو الدولي للكتاب، الذي عُقد في سبتمبر وبالمثل، فإن المناطق الروسية المختلفة لها حضور منتظم في العديد من الفعاليات التي تعقد في الإمارات العربية المتحدة.
الابتكار أولوية للبلدين
يقول الدبلوماسي الروسي يوري فيداكاس نائب رئيس البعثة في السفارة الروسية في أبوظبي إن لدى روسيا العديد من الجامعات والمؤسسات التعليمية ذات مستوى عالمي، خاصة في مجال التعليم الطبي.
وأوضح أن هناك 5 جامعات روسية على الأقل تعمل على فتح فروع لها في الإمارات، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حيث يتعين عليهم إكمال العديد من الإجراءات الرسمية، مثل إصدار الشهادات والمسائل ذات الصلة وفقا للوائح المحلية.
وفيما يتعلق بالنقاط المشتركة بين البلدين، قال الدبلوماسي الروسي إن "الابتكار أيضا يمثل أولوية لكلا البلدين ويمكننا مشاركة ثمار ابتكاراتنا ويمكننا أن نكون شركاء في التقدم."
وعلى الصعيد السياسي، فإن الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين في السنوات الأخيرة تؤكد الأهمية التي يوليها كل منهما للآخر.
وأشار فيداكاس إلى أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، زار روسيا 6 مرات خلال السنوات الخمس الماضية.
واعتبر الدبلوماسي الروسي أن "إعلان الشراكة الاستراتيجية" الذي وقعه الطرفان الإماراتي والروسي في يونيو 2018 كان خطوة مهمة تعمل كإطار أساسي للتطورات المستقبلية في العلاقات الثنائية.
ولفت إلى أن أن روسيا كانت من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الإمارات العربية المتحدة عندما تأسست في ديسمبر 1971.
aXA6IDMuMTQzLjIwMy4xMjkg جزيرة ام اند امز