سلام الكونغو ورواندا.. خبراء يرسمون لـ«العين الإخبارية» خارطة النجاح

في لحظة مفصلية من تاريخ منطقة البحيرات العظمى، يلوح في الأفق اتفاق سلام شامل بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، بوساطة أمريكية مباشرة.
المساعي الأمريكية تعد أحدث محاولة لكسر دوامة العنف التي تعصف بشرق الكونغو منذ عقود، فمع استمرار تصاعد التوترات وانخراط جماعات مسلحة مثل M23 وFDLR، يبدو أن واشنطن قد قررت الانتقال من مربع المراقب إلى موقع الوسيط الاستراتيجي، مدفوعةً بمصالح أمنية واقتصادية تتجاوز البعد الإنساني للأزمة.
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان مشترك، الأسبوع الماضي، أن حكومتي رواندا والكونغو الديمقراطية وقعتا بالأحرف الأولى على نص اتفاق سلام، على أن يتم التوقيع النهائي في 27 يونيو/حزيران الجاري في واشنطن.
وسيمثل هذا التوقيع في حال تنفيذه خطوة دبلوماسية بارزة، لكن الشكوك ستظل قائمة بشأن التنفيذ الفعلي للاتفاق.
وقال سامبا سومانا أستاذ العلوم السياسية، في جامعة باماكو، بمالي لـ"العين الإخبارية" إن "الاتفاق المزمع بين كينشاسا وكيغالي هو في ظاهره انتصار دبلوماسي، لكنه في جوهره اختبار لقدرة الفاعلين الإقليميين والدوليين على إعادة صياغة علاقة تتسم بعداء تاريخي، وجراح لم تلتئم منذ التسعينيات".
وأوضح سومانا أن السلام لا يُبنى بالنوايا، بل بالإرادة السياسية المشتركة، والتخلي الفعلي عن سياسات الهيمنة والتدخل.
كما يرى سومانا أن الوساطة الأمريكية تمثل تغييرًا جوهريًا في مقاربة القوى الكبرى تجاه الأزمة، لا سيما أن واشنطن لم تكتفِ بالدور الإنساني كما في السابق، بل دخلت كوسيط سياسي واقتصادي.
وحذر من أن "الاتفاق لا يزال يفتقر إلى آليات العدالة الانتقالية، ولا يتضمن إقرارًا صريحًا بالمسؤولية عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين، خصوصًا تلك التي ارتكبتها القوات المتحالفة مع M23".
وأكد أن نجاح الاتفاق "سيعتمد بدرجة كبيرة على جدية رواندا في سحب دعمها لحركة M23"، وكذلك "على قدرة حكومة الكونغو على التعامل بشفافية مع قضية إعادة دمج المقاتلين ضمن المؤسسات الأمنية، دون إثارة الغضب الشعبي".
وشدد سومانا على أن أي سلام "لن يصمد دون إشراك المجتمعات المحلية في شرق الكونغو في الحوار الوطني، وإعطائهم الحق في تقرير مصيرهم التنموي والسياسي".
من جانبه، قال الدكتور جوزيف نيونز مدير قسم الدراسات الأمنية بالمركز الرواندي للدراسات الاستراتيجية لـ"العين الإخبارية" إن "ما يُعرض اليوم كاتفاق سلام هو نتيجة ضغوط استراتيجية وليست قناعة تامة من الطرفين".
ورأى أن "رواندا ترى في شرق الكونغو فضاءً أمنياً عازلاً، في حين ترى كينشاسا في الوجود الرواندي انتهاكًا للسيادة. إذا لم يتم بناء الثقة المتبادلة، سيبقى هذا الاتفاق حبراً على ورق".
وأشار نيونز إلى إن هذا الاتفاق "يمثل لحظة مفصلية في تاريخ العلاقات الثنائية، لكنه لا يغير من الواقع الجيوسياسي القائم، حيث لا تزال الأطراف تتعامل مع بعضها بمنطق العدو".
كما اعتبر أن أحد التحديات الرئيسية يتمثل في "التحقق من انسحاب القوات غير النظامية والدعم غير المباشر" الذي يتلقاه كل طرف من جماعات مسلحة عابرة للحدود مثل "FDLR" و"M23".
وأشار إلى أن "الولايات المتحدة دخلت هذا المسار من منطلق مصالحها الاستراتيجية، خاصة لضمان سلاسل إمداد مستقرة للمعادن الحيوية كالكوبالت والليثيوم"، وليس بدافع أخلاقي خالص.
وشدد نيونز على أن السلام "لن يتحقق دون تغيير جذري في الخطاب الإعلامي والسياسي بين البلدين، وتشكيل لجنة مشتركة لمراجعة ملفات الجرائم والانتهاكات الماضية".
وبذلك يرى الباحثان أن اتفاق 27 يونيو بين الكونغو الديمقراطية ورواندا لا يمكن اعتباره نهاية للعداء الممتد بين البلدين، بل بداية لمسار طويل ومعقد يتطلب التزامًا دوليًا، ومراقبة صارمة، وإصلاحات محلية شاملة.
وأعلنت الكونغو الديمقراطية ورواندا عن التوصل إلى اتفاق سلام مبدئي يهدف إلى إنهاء الأعمال العدائية في شرق الكونغو الديمقراطية، بحسب بيان مشترك صادر عن الولايات المتحدة والبلدين، بعد عدة أيام من محادثات سلام في واشنطن.
وجاء في البيان: "قامت الفرق الفنية لكل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية رواندا بالتوقيع بالأحرف الأولى على نص اتفاق السلام، بحضور مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، أليسون هوكر".
ويتوقع أن يتم توقيع الاتفاق النهائي رسميًا في واشنطن في 27 يونيو الجاري، بحضور وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، كما أوضح البيان.
وتمهد هذه الخطوة لانعقاد قمة رؤساء الدول في واشنطن، حيث ستُناقش جهود تعزيز السلام والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى.
قاد هذه المفاوضات كل من أليسون هوكر، نائبة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، وماساد بولوس، المستشار الأمريكي لشؤون إفريقيا، إلى جانب خبراء من الجانبين الكونغولي والرواندي، واستمرت لمدة ثلاثة أيام.
وأكد البيان أن توقيع الاتفاق سيكون خطوة تمهيدية يتبعها بدء التنفيذ العملي على الأرض، في إطار رزمة متكاملة من الأمن والتنمية تشمل وقف إطلاق النار، سحب القوات، نزع السلاح، وحماية المدنيين، إلى جانب استثمارات اقتصادية في المناطق المتأثرة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTY4IA==
جزيرة ام اند امز