فن
صباح فخري.. "مؤذن المسجد" الذي خطفه سحر الغناء (بروفايل)
غابت البهجة عن مسارح الغناء، حزنا على رحيل الفنان السوري صباح فخري أيقونة الطرب الأصيل، الذي غيبه الموت، الثلاثاء، عن عمر ناهز 88 عاما.
لم يضع "صباح الدين أبو قوس" المولود في 2 مايو 1933، بمدينة حلب السورية، منهجا خاصا لحياته ولم يخطط ليكون مطربا، تلتف الجماهير العربية حوله، وينحني صناع الموسيقى أمام حضوره الطاغي ونغمة صوته العابرة للقلوب، فعندما نتأمل رحلته الفنية نكتشف أن الصدفة كانت البطل.
بداية صباح فخري
يعد صباح فخري، أيقونة طرب عربية، حيث بدأت موهبته الغنائية منذ الصغر، لكنه وجد معارضة شديد من جانب والده المنشد الصوفي، ووالدته التي عرف عنها التزامها الديني الشديد.
وتعامل" فخري" مع التحديات التي واجهته بذكاء شديد، إذ التحق بأكاديمية الموسيقى العربية في حلب، بجانب دراسته العامة، وتخرج في المعهد الموسيقي الشرقي عام 1949.
درس الموشحات والإيقاعات والقصائد والأدوار وتعلم العزف على العود، وتتلمذ على يد أعلام الموسيقى العربية في سوريا مثل الشيخ علي درويش، والشيخ عمر البطش، ومجدي العقيلي، ونديم إبراهيم الدرويش، ومحمد رجب، وعزيز غنام.
المؤذن الصوفي
مثل الكثير من الناس فكر "فخري" في العمل موظفا، لمواجهة متطلبات الحياة، وبالفعل تم تعيينه مؤذنا في المسجد، وبعد فترة شعر بأن الموسيقى هي الطريق، الذي يجب عليه السير بين دروبه.
وخرج للناس وقرر احتراف الغناء، وشجعه على مواصلة المشوار دعم الزعيم السوري "فخري البارودي" الذي منحه اسمه ليصبح "صباح فخري" وطلب منه البقاء في سوريا وعدم الهجرة للخارج مهما كان حجم الإغراء.
تألق فخري على كل مسارح العالم، وقدم روائع غنائية منها "يا حادي العيس، ومالك يا حلوة مالك، وخمرة الحب، ويا طيرة طيري، وفوق النخل، وقدك المياس، ويا مال الشام، وموشحات، يا شادي الألحان، وابعتلي جواب، وآه يا حلو".
حقق فخري نجاحا كبيرا في جميع مهرجانات الغناء، ولحن قصائد عربية رائعة لعمالقة الشعر مثل "أبي الطيب المتنبي، وأبي فراس الحمداني، كما لحن أيضا لشعراء معاصرين مثل فؤاد اليازجي وأنطوان شعراوي.
السطوع
اهتم فخري بتوثيق الفولكلور الفني، الذي تتميز به حلب السورية، ولم يتوقف أمام عتبة الغناء، حيث عملا ممثلا في مجموعة من الأفلام السينمائية منها فيلم" الوادي الكبير" بطولة الراحلة وردة الجزائرية،و فيلم" الصعاليك" أمام الفنانة المصرية مريم فخر الدين.
وعلى شاشة التليفزيون شارك في مسلسل بعنوان "نغم الأمس" وقدم برنامجا تلفزيونيا بعنوان "أسماء الله الحسنى".
وتميز هذا الفنان الاستثنائي بالحضور على خشبة المسرح، وتفاعله الكبير مع الجمهور، لذا حقق شهرة كبيرة في أوروبا وآسيا وأستراليا، وسجل اسمه في موسوعة جينيس للأرقام القياسية بعدما غنى لمدة 10 ساعاتٍ متواصلة دون توقف في فنزويلا عام 1968.
مناصب وجوائز
في عام 1998، أصبح صباح فخري عضوًا في مجلس الشعب السوري (البرلمان) في تلك الدورة النيابية، كممثلٍ عن الفنانين، كما شغل مناصب عدة منها نقيب للفنانين السوريين ونائب رئيس اتحاد الفنانين العرب وسفير الغناء العربي.
وحصد عملاق الطرب العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الفنية، مثل وسام تونس الثقافي عام 1975، ووسام التكريم من جلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان في عام 2000، ونال الميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية العربية في دمشق عام 1978، وحصل على وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة عام 2007 في دمشق.
ومن الأشياء التي تدعو للفخر، ترشيحه للغناء في قاعة نوبل للسلام في السويد، وقصر المؤتمرات في العاصمة الفرنسية باريس.
وبعد مسيرة فنية طويلة وحافلة بالعطاء، رحل صباح فخري عن عالمنا، تاركا خلفه سمعة طيبة وحالة فنية فريدة، يستحيل أن تسقط من ذاكرة المستمع العربي مهما مر الزمن وتعاقبت السنوات.