الصدر والمالكي.. صفقة أم تنازل لتشكيل حكومة العراق؟
بعد ركود سياسي استمر نحو شهر، تحرك المكالمة الهاتفية التي أجراها مقتدى الصدر إلى رئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، المياه الراكدة وتدفع فرص استئناف التفاوضات مجدداً.
ويحتدم الموقف السياسي بين طرفي القوى الشيعية السياسية في العراق، الصدر وتحالفه الثلاثي مع قوى الإطار التنسيقي الذي يضم أغلبية الأحزاب والمليشيات المسلحة المقربة من إيران.
وتتعارض رغبتا الطرفين في طرح مشروعِمها بتشكيل الحكومة المقبلة، ما بين الأغلبية الوطنية التي يثبت الصدر على خيارها وقرارها، والأغلبية التوافقية التي يسعى الإطار لفرضها على أرض الواقع بمختلف أشكال الضغط.
واستطاع الصدر عقب الفوز الكبير الذي حققه في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضية تحريك القوى السنيتين الأكبر (تقدم وعزم)، باتجاه قافلته السياسية وضم الحزب الديمقراطي الكردستاني القادم من جبال الإقليم.
وباتضاح شكل ذلك التحالف الذي ظهر جلياً في الجلسة الأولى لمجلس النواب خلال انتخاب هيئة رئاسة البرلمان، يكون الصدر الأقرب من تحقيق الكتلة الأكبر عدداً كونها تضم الفائزين الكبار وأصحاب الحظوظ الانتخابية الأثقل.
دفع ذلك التحالف الرباعي، قوى الإطار التنسيقي إلى دوائر الإنذار والخطر الذي يهدد بإفلاسها سياسياً خلال المرحلة المقبلة إذا ما أصر الصدر الذهاب باتجاه القوى السنية والكردية منفرداً من البيت الشيعي.
وعد القوى المقربة من إيران، مضي الصدر بمشروع الأغلبية الوطنية خروجاً عن العرف والسائد السياسي الذي حكم البلاد ما بعد 2003، مما انعكس على تأزم الأوضاع العامة والتهديد بورقة السلم الأهلي.
ورغم الوساطات المحلية والإقليمية التي بذلت طيلة الشهور الثلاث الماضية للتقريب بين الصدر والإطار التنسيقي، إلا أنها لم تحرك ساكناً أو تغير ثابتاً في معادلات الخلاف السياسي الراهن.
ويصر الصدر بالمضي في مشروعه السياسي المتمثل بالأغلبية الوطنية، إبعاد قوى الإطار التنسيقي عن تركيب الحكومة المقبلة أو السماح لهم بدخول المشهد ضمن هامش القائمة، وهذا ما ترفضه القوى الولائية المقربة من إيران.
واشترط الصدر على قوى الإطار الصعود في مركبه السياسي بالتخلي عن رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي الذي يشكل الركن الأكبر في ذلك التحالف ومكونه الرئيس.
ويعيش الصدر خلافاً يمتد لأكثر من عقد مع نوري المالكي منذ شغل الأخير لمنصب رئيس الوزراء ضمن ولايته الأولى عام 2006، على خلفية حملة مداهمات واعتقالات واسعة طالت اتباع مقتدى الصدر.
وظلت القطيعة ما بين الطرفين تتسع شيئاً فشيئاً، بتبادل التصريحات والاتهامات ما بينهما على مدار السنوات الماضية، حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي بعد زيارة الصدر إلى العاصمة بغداد ولقائه قادة الإطار التنسيقي بينهم نوري المالكي.
ورغم ذلك اللقاء الذي ظهر فيه الخلاف واضحاً مع المالكي، إلا أن الصدر لم ينثن عن رغبته بالذهاب نحو الأغلبية الوطنية وعزل المالكي عن قوى الإطار التنسيقي كشرط للانضمام معه.
وكان الصدر قبل نحو شهر قد علق جميع التفاوضات مع قوى الإطار وبقية المكونات السياسية في المشهد العراقي بشأن ظروف تشكيل الحكومة المقبلة.
جعفر الصدر مرشحا
أمس الجمعة، أجرى الصدر، بحسب مكتبه الإعلامي، مكالمات هاتفية مع شخصيات سياسية بارزة، من بينها نوري المالكي وهو ما عده بعض المراقبين انفراجاً في المشهد المأزوم.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الصدر طرح على المالكي خلال الاتصال الهاتفي اسم مرشحه لمنصب رئاسة الوزراء، جعفر الصدر.
وجعفر الصدر هو ابن رجل الدين محمد باقر الصدر ومؤسس حزب الدعوة، الذي ينحدر منه رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي.
وتحدثت مصادر مطلعة لـ"العين الإخبارية" أن "جعفر الصدر جاء مرشح تسوية مع قوى الإطار بعد أن وضعت الأخيرة الفيتو على ترشيح مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الحالي لولاية ثانية".
وعقب تلك التطورات، غرد رئيس الوزراء المنتهية ولايته الكاظمي فيما يشبه "خطبة الوداع"، مؤكداً أنه أدى ما عليه من تحقيق انتخابات ومطاردة للفساد والمهمة الآن في عاتق القوى السياسية والوطنية.
تزامن ذلك مع تصريح، لعضو تحالف السيادة مشعان الجبوري، الذي أكد أن جعفر الصدر بات الشخصية الأقرب لمنصب رئيس الوزراء وإذا ما رشح "سيمضي مع تحالفه بالتصويت عليه".
تحريك المشهد السياسي
المحلل السياسي نجم القصاب، يقول إن "الأحداث العالمية المتمثلة بما يجري في أوروبا الشرقية عقب الحرب الروسية وتداعيات المشهد على المنطقة قد فرضت على الفرقاء في المشهد العراقي الركون إلى الحلحلة وطرح مبادرات التقريب".
ويضيف القصاب لـ"العين الإخبارية" أن "مبادرة الصدر لحل الخلاف ستفضي، وأن تحقق تقاربا ووفاقا مع الإطار سيكون التعامل مع رأس واحدة وبقية من أطراف وليس كما كان سائداً من قبل".
فيما يرى المحلل السياسي إحسان عبدالله أن "الصدر وعبر مشواره السياسي دائماً ما يتنقل ما بين مواقف متضاربة ومتناقضة، وبالتالي فإنه من المتوقع أن ينهي خلافه الأزلي مع المالكي في أي لحظة".
ويضيف عبدالله لـ"العين الإخبارية" أن "دخول قوى الإطار كجرز من الحكومة وإفراغ مشروع الأغلبية الوطنية من محتواه يعد حنثاً باليمين وتنصل عن الوعود التي قطعها الصدر أمام الجماهير".
وبشأن تأثير التقارب المحتمل على تفاهمات الصدر مع القوى الثلاث، يؤكد المحلل السياسي غالب الدعمي أن "التحالف باق ولكنه يتمدد".
ويضيف الدعمي، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "اتصال الصدر بالمالكي وبغض النظر عن مضمون المكالمة الهاتفية، تعني أن الأبواب المقفلة قد فتحت وأن الانسداد السياسي الذي رافق المشهد منذ شهور قد بدأ بالتقويض والانتهاء".
ولكنه يلفت إلى أن "تلك التطورات الأخيرة قد تنقل الخلاف ما بين الصدر وقوى الإطار إلى داخل كيانات الأخيرة ومكوناتها الحزبية".
ويوضح الدعمي أن "ائتلاف دولة القانون يمتلك نحو 40 مقعداً وبالتالي يمثل الطرف الأكبر في قوى الإطار التنسيقي وإذا ما جرى تحالف مع الصدر سنكون أمام خلافات وجدل بشأن استحقاقات الحقائب الوزارية ضمن الحكومة بين المالكي وبقية الشخصيات من الفصائل والأحزاب المنضوية تحت ذلك التشكيل، كون أن أغلبها لا تمتلك أحجاماً برلمانية كبيرة".
aXA6IDMuMjEuNDYuNjgg
جزيرة ام اند امز