"إخوان تونس" تسقط بلا سند.. ماذا تبقى من النهضة وحزامها السياسي؟
"كان صرحا من خيال فهوى"؛ ينطبق هذا الوصف على بيت العنكبوت الذي بناه إخوان تونس خلال العشرية الماضية، وتهاوى كأحجار الدومينو في أشهر قليلة.
فقد تداعت الأعمدة التي كانت ترفع بيت إخوان تونس، وانفض الجميع من حولهم، بمن في ذلك مؤسسون بارزون، وحلفاء، أضفوا في بعض الأوقات بعض المشروعية السياسية والشعبية لحركة النهضة، الجناح السياسي للتنظيم.
والآن لم يتبقّ من الإخوان وحلفائهم من الأحزاب التي شكلت يوما حزاما خدم مصالح هذا التنظيم، طيلة المرحلة السابقة، سوى الهيكل فقط، فنصفهم في السجون لجرائم ارتكبوها، وشق آخر في المنافي الاختيارية هربا من المحاسبة.
فبعد 25 يوليو/تموز 2021، وبعد الإطاحة ببرلمان الإخوان، انقسمت قيادات حركة النهضة؛ فمنها من ابتعد نهائياً عن الشأن العام مثل لطفي زيتون وحسين الجزيري، ومنهم من اتجه لتأسيس أحزاب جديدة كسمير ديلو وعبداللطيف المكي؛ لكن بقوا ملتزمين بنفس الأفكار.
تنازلات لم تجدِ
رغم أن حركة النهضة استطاعت الصمود عشر سنوات كاملة، عن طريق تمكنها من التغلغل في كل مفاصل الدولة التونسية، وعبر رسمها لتكتيكات ومخططات كيدية، وصل بها الأمر حد تنصلها من انتمائها لـ"جماعة الإخوان المسلمين التي تُصنف إرهابية في عدة دول"، معتبرة نفسها حزبا مدنيا، إلا أنها الآن تلفظ أنفاسها.
فحتى قناعاتهم تنكروا لها ومرروا قانون زواج المسلمة بغير المسلم، كما عبّر زعيمها التاريخي راشد الغنوشي سنة 2015 عن رفضه تجريم المثلية الجنسية، قائلا: "كل شخص لديه ميولات يجب احترامها، ولا يمكن أبدا التجسس على الناس في بيوتهم.. كل مسؤول أمام ربه".
ومن التنازلات التي تخلى فيها الغنوشي عن الأيديولوجيا سبيلا للتمكين الإخواني، قضية الإجهاض، التي تحدث حولها قائلا إن الجنين يمكن أن يتطور، وذلك برعاية طبية وموافقة قانونية.
تلك حركة النهضة الإخوانية التي لا تؤمن سوى بالسلطة والنفوذ، حاولت جاهدة في الفترة الأخيرة قبل أن يتلقى رئيسها راشد الغنوشي الضربة القاضية بسجنه لجرائمه الإرهابية، إيجاد منافذ لعدم الزج به وبجماعته في السجون، لكن كل المحاولات باءت بالفشل، فحتى التعاطف الدولي الذي كانت تعول عليه، لم تجده.
فحلفاء الأمس الذين كانت تعول عليهم، لم يتبق منهم أحد سوى القلة القليلة، فأغلبهم تحت قبضة القانون ومقصلة العدالة، والبقية فروا إلى الخارج.
ويتكون الحزام الذي كانت تتحصّن به حركة النهضة الإخوانية نفسها من حزب "قلب تونس" (حزب نبيل القروي)، و"ائتلاف الكرامة" الإخواني، وحراك تونس الإرادة (حزب المنصف المرزوقي) وحزب الأمل (حزب أحمد نجيب الشابي).
وهذا الحزام الذي كوّن حلفا في برلمان 2019 والذي تألف من الحاقدين والفاشلين والناقمين والمتملقين، أسس بعد 25 يوليو 2021، جبهة تسمي نفسها جبهة الخلاص الموالية للإخوان، حاولت من خلالها النهضة أن تعتمدها كمطية لخلاص نفسها من وحشة السجون.
لكن الرئيس التونسي قيس سعيّد كان جاداً في محاسبة كل مَن أجرم بغض النظر عن منصبه أو حزبه، أو حتى حساسية التعاطي معه، حيث ترك للسلطة القضائية كاملَ الصلاحيات لتمارس دورَها دون أي تدخل من السلطة التنفيذية، وهذا ما فعلته.
"قلب تونس".. حزب الانتهازيين
تأسس حزب قلب تونس سنة 2019 قبيل الانتخابات البرلمانية للسنة نفسها، على يد رجل الأعمال التونسي وصاحب قناة "نسمة" نبيل القروي، واكتسب شعبية كبيرة في تلك الفترة، مستغلا عواطف الناس إثر وفاة ابنه "خليل" في حادث مرور.
ثم أسس جمعيته الخيرية التي سماها على اسم ابنه المتوفى "خليل تونس" ومن خلالها أصبح يوزع المساعدات على الفقراء.
استغل القروي تلك الفئة من المجتمع للتسويق لحزبه في الانتخابات البرلمانية لسنة 2019 ومن خلالها تحصل على 38 مقعدا، وهو ما شجعه لخوض الانتخابات الرئاسية للسنة نفسها، والتي ترشح فيها، ووصل للدور الثاني مع قيس سعيد وهو في السجن.
وفجأة وبدون سابق إنذار وإثر إجراءات 25 يوليو اختفى رئيس حزب قلب تونس الحليف الأبرز لحركة النهضة في الائتلاف الحكومي المُطاح به، عن الأنظار، ولا تعلم قيادات حزب مرشح الرئاسة السابق مكانه، وغاب عنه أي تصريح إعلامي يعلق على مجريات التغير السياسي الحاصل في تونس، بعد تلك الأحداث.
نبيل القروي الذي تلاحقه قضايا فساد مالي وتهرب ضريبي، والذي تحالف مع الإخوان منذ صدور نتائج الانتخابات التشريعية لتونس سنة 2019، قفز من سفينة الإخوان الغارقة إلى وجهة مجهولة، حسب ما يذهب إليه العديد من المتابعين، ويؤيده الواقع، وصمت حزب قلب تونس الذي لم يتبق منه سوى القلة القليلة، وذلك إثر الاستقالات التي شهدها الحزب بعد حل البرلمان .
ويدفع حزب قلب تونس ثمن تحالفه مع حركة النهضة الإخوانية، والتي بات التقارب معها لعنة تحل بكل حزب يفكّر في موالاتها، على غرار ما حدث مع حزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية"، و"التكتل من أجل العمل والحريات"، واللذين تحالفا مع الإخوان بعد انتخابات 2011 وشاركا في الحكم خلال فترة "الترويكا"، ثم حزبي "نداء تونس" و"الاتحاد الوطني الحر" اللذين سارا على الطريق نفسه بعد انتخابات 2014.
ائتلاف الكرامة.. الذراع الإخوانية العنيفة
“ائتلاف الكرامة” الذي كان يضم 21 نائباً في البرلمان المنحل، هو تحالف سياسي وانتخابي تأسس في فبراير/ شباط 2019، ويجمع عدة شخصيات إخوانية.
ويُوصف هذا الحزب، بالابن المدلل لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، والذراع العنيفة للحركة الإخوانية التي حرصت على تمرير صورتها كتيار مدني، وكلفت هذا الفرع بالمهمات القذرة التي لا يمكنها القيام بها علانية.
كان الحزب -وفق متابعين- يتلقى تعليماته مباشرة من راشد الغنوشي، ومن رئيس كتلة حركة النهضة في البرلمان نور الدين البحيري، وذلك لتسميم الحياة السياسية، وتشويه كل الخصوم السياسيين.
وعُرف ائتلاف الكرامة بممارسة العنف اللفظي والجسدي ضدّ النواب في البرلمان المنحل، حيث قاموا بإلقاء الأوراق النقدية على رئيسة الحزب الدستوري الحر والنائبة في البرلمان المنحل عبير موسي، بعد كشفها لأوراقهم.
كما استنفر أعضاء كتلة ائتلاف الكرامة في إطار المناولة عن حركة النهضة للدفاع عن وكر فرع "اتحاد القرضاوي" في تونس خلال اعتصام الدستوري الحر أمام مقر ما يسمى "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" فرع تونس.
ومنذ أيام، دخل رئيس ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف السجن، في قضية رفعها ضده المدعي العام للمحكمة الابتدائية بمحافظة سيدي بوزيد بعد التهجم عليه سنة 2020 وحكم عليه 8 أشهر سجنا.
كما تتعلق بعدد آخر من نواب "ائتلاف الكرامة" داخل البرلمان التونسي المجمد، مذكرات جلب أمام القضاء العسكري، من بينهم النواب نضال السعودي، وعبد اللطيف العلوي، ومحمد العفاس، وذلك بعد أن حاولوا في مارس/آذار الماضي تسفير إرهابية ممنوعة من السفر بالقوة، وقاموا بإثارة الفوضى في المطار.
حراك تونس الإرادة.. حزب المرزوقي نصير الإخوان
أما حراك تونس الإرادة الذي أسسه الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي، فقد تم إغلاق مقره الرئيسي وسط العاصمة التونسية، في أعقاب سجن راشد الغنوشي في 17 أبريل/ نيسان الماضي، بعد أن تحول لمقر يحتضن جميع أنشطة جبهة الخلاص.
وهذا المقر هو منزل يتكون من طابقين يمتلكه المنصف المرزوقي، وجعل منه مقرا لحزبه.
وقد حكم المنصف المرزوقي في تونس مباشرة بعد 2011 وتقلّد منصب رئيس للجمهورية ليس بالانتخاب الشعبي المباشر بل بتوافقات حصلت مع حركة النهضة في فترة حكم "الترويكا" بين 2011 و2013 وكان توجهه السياسي واضحا وهو دعم الإخوان.
وبعد مساندة التنظيمات الإرهابية، وتسهيل طريق الإخوان للسيطرة على السلطة، وصل الأمر بالمرزوقي إلى التحريض على تونس في المنابر التلفزيونية بفرنسا أواخر سنة 2021؛ ما دفع الرئيس التونسي قيس سعيد إلى سحب جواز سفره الدبلوماسي، وتحويله للمحاكمة.
وبذلك، لم يكن تولي المرزوقي الرئاسة في 2012 وليد إرادة شعبية قوية، ما أدى إلى خسارته أول انتخابات رئاسية مباشرة في عام 2014، بعد أن أدرك الشعب مساوئه وضعف حكمه.
ولم ينس التونسيون تاريخ المرزوقي الحافل بالخيانات، بعد تحالفه مع الإرهاب لضرب الأمن الوطني، ولا يزال النشطاء يصفونه حتى اليوم بالرئيس الذي "حملته الصدفة إلى قصر قرطاج".
المرزوقي تعامل في رئاسته لتونس مع الإرهابيين بكل مرونة؛ تحت شعار حقوق الإنسان، ووصل به الحد إلى استقبالهم في قصر قرطاج.
المرزوقي عرض في نهاية 2012، العفو على الإرهابيين المتحصنين في جبل الشعانبي، الذين سماهم في ذلك الوقت بـ"الجهاديين الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء التونسيين وتركوا السلاح وعادوا إلى الشعب".
هذا الشخص، حرض منذ أيام في تصريحات إعلامية الجيش التونسي على الانقلاب على السلطة قائلا: "الحلّ الأمثل هو رفع المؤسسة العسكرية دعمها عن رجل غير سويّ وغير كفؤ وغير شرعي وإيقافه قبل أن يزيد من إغراق البلاد في أزمات لا يُعرف لها نهاية.. آنذاك سيدين لها (المؤسسة العسكرية) الشعب والطبقة السياسية بالجميل، لأنها وفرت على البلاد زمنا طويلاً من الأزمات القاتلة".
نهاية الإخوان
يرى المحلل السياسي التونسي عبدالمجيد العدواني الناشط والمحلل السياسي أن حركة النهضة الإخوانية انتهت قائلا: "حتى أذرعها التي كانت تعول عليها لم يعد لها أي أثر، إلا القلة القليلة".
وأكد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن حركة النهضة كانت تعتمد على تكتيك واضح يتمثل في اللجوء لأنصارها عبر القيام بحملات إعلامية مدفوعة تهدف إلى تقديم الجماعة بدور الضحية وتوظيف الذباب الإلكتروني لتصدير الإخوان للساحة والتشويش على سياسة الحكم، لكن كل هذا لا يمكنها تحقيقه بعد تجميد جميع أرصدة وحسابات الجماعة".
وتابع: "تعتمد النهضة على خطة اللجوء لدول العالم ومحاولة تدويل القضية، لكن الكشف عن جرائمهم قضائيا، جعل من المجتمع الدولي غير مهتم لأمرهم".
وأوضح أن حركة النهضة لم تتوقع أنها ستواجه رجلا بهذه الشخصية المتصلبة والصارمة، في إشارة للرئيس قيس سعيد؛ الذي لم يظل صامتا أمام جرائم الإخوان، وأمام التحركات الدبلوماسية لرئيس البرلمان راشد الغنوشي وتعديه على صلاحياته المكفولة بالدستور تحت ما تم تسميته "الدبلوماسية البرلمانية".
دعوة للمحاسبة
من جهة أخرى، سجل البرلماني التونسي ياسر قوراري بداية تعافي السلطة القضائية من "مخلفات قضاء نور الدين البحيري (قيادي إخواني شغل منصب وزير العدل في حكومة حمادي الجبالي بين 2011 و2013 ووزيرا معتمدا في حكومة علي العريض حتى 2014) وعشرية الخراب".
وأكد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" دفاعه عن سلطة قضائية مستقلة قادرة على إقامة العدل والإنصاف وحماية الحقوق والحريات، داعيا من جديد إلى ضرورة الإسراع في محاسبة رموز العشرية الماضية.
وأكد البرلماني التونسي أنه "لا يمكن أن ننسى كل ما يتعلق بالجرائم المرتكبة طيلة حكم الإخوان من قضية الاغتيالات السياسية واغتيال الأمنيين والعسكريين وتفكيك مؤسسات الدولة، وضرب وحدة المجتمع التونسي".
aXA6IDMuMTI4LjIyNi4xMjgg جزيرة ام اند امز