في يوم المرأة العالمي الذي حل أمس تجد المرأة السعودية نفسها وقد حلقت عاليا في فترة زمنية قصيرة
لعقود طويلة.. لم يتوقف الجدل حول تمكين المرأة في المملكة، فمن جهة تؤمن الدولة بأن المرأة تعد عنصراً أساسياً من عناصر قوتها، ومن جهة أخرى عملت جهات داخل المجتمع على عدم نجاح أي مشروعات لتمكين المرأة، والتبرير طبعاً ذاته، الحكاية القديمة التي لا تتغير: تغريب المجتمع؛ وهو الأمر الذي جعل مساعي الحكومة تمضي بشكل بطيء جداً، وأسهم في تأخير توفير مناخ آمن للمرأة، وعدم تسهيل خدمات تساعدها على القيام بواجباتها الوطنية كعنصر فعال في المجتمع، ثم كانت القفزة الكبرى في تمكينها، بعدما غدت عنصراً رئيسياً في «رؤية المملكة التنموية 2030». عندها قامت الدولة بحزمة من الإصلاحات ومراجعة الأنظمة واللوائح لدعمها، فهناك إيمان بأن تمكين المرأة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً سيسهم في دفع عجلة التنمية بما يحقق رؤية الدولة للتنمية المستدامة، وكذلك رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%، باعتباره مطلباً مهماً ومؤشراً على نجاح تلك الإصلاحات.
صحيح أن المسيرة لا تزال طويلة، والمشوار لم ينتهِ بعد، لكن من غير الإنصاف عدم مراقبة نجاح تمكين المرأة وكيف فاق التوقعات؛ لأنه ببساطة سار وفق هوية سعودية خالصة، ولم يكن في أي من تفاصيله نسخة مستوردة من الخارج
في يوم المرأة العالمي، الذي حل أمس، تجد المرأة السعودية نفسها وقد حلقت عالياً في فترة زمنية قصيرة، فالتدابير التي اتخذتها بلادها لحماية حقوقها وتمكينها ما كان لأحد أن يتخيلها قبل أعوام قليلة فقط، فقد صدر أمر ملكي يؤكد جميع الجهات المعنية بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي الأمر عند تقديم الخدمة لها، أو إنهاء الإجراءات الخاصة بها، وكذلك صدرت مدونة الأحكام القضائية، وتقلدت مناصب حكومية مهمة، أبرزها تعيينها سفيرة في أهم دولة بالعالم، الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تمكينها من الوصول إلى مراكز صنع القرار في القطاعين العام والخاص.
أما اجتماعياً، فقد قادت المرأة السيارة بعد عقود طويلة من المخاوف والتردد، وصدر نظام محاربة العنف الأسري والحد من ضحاياه، وسمح لها بالدخول إلى الملاعب الرياضية لمشاهدة المباريات، كما أصدرت الحكومة عـدداً من القرارات والتشريعات التي تحد من تعـــرض المــرأة للاستغلال والعنف والتمييز ضدها، وتمنحها الاستقلالية في إدارة شؤونها وشؤون أسرتها، كما وضعت أيضاً عدداً من الضوابط القانونية لتقنين الزواج المبكر والحد منه.
ما يحسب لمسيرة تمكين المرأة السعودية، ليس فقط في التغيرات المهولة التي وضعتها في المكانة التي تستحقها، وليس في طريقة تطبيقها بأكبر المكاسب وأقل الخسائر. في تقديري: ما يحسب حقاً هو أن كل ما تحقق نابع من حاجة المجتمع السعودي أولاً وأخيراً. لم يتم إصدار تنظيم واحد فقط لمطالب خارجية، أو من أجل حملة علاقات عامة مثلاً كما تفعل بعض الدول، وإنما جميع القرارات التي صدرت، وكل الخطوات التي تقدمت بها المرأة السعودية، كانت نابعة من ضرورة داخلية وحاجة اجتماعية. وأكبر دليل على نجاح ذلك هو قبول المجتمع نفسه في فترة قصيرة لكل خطوات تمكين المرأة، ودعمها بشكل أحرج كل من راهن أو توقع تحفظاً قد يحد من نجاح مسيرة تمكين المرأة.
إذا كان أمس اليوم العالمي للمرأة فإن السعودية وهي تعيش تحديثاً غير مسبوق في كافة مناحي الحياة فيها لا تحتاج لمثل هذا اليوم ليساعدها في تمكين نصف مجتمعها، فحاجتها الداخلية أكبر دافع وأقوى حجة تعينها على المضي في مزيد من إصلاحاتها الاجتماعية، والتجربة خير برهان.
صحيح أن المسيرة لا تزال طويلة، والمشوار لم ينتهِ بعد؛ لكن من غير الإنصاف عدم مراقبة نجاح تمكين المرأة وكيف فاق التوقعات؛ لأنه ببساطة سار وفق هوية سعودية خالصة، ولم يكن في أي من تفاصيله نسخة مستوردة من الخارج.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة