في حين كان العالم يتحرك لإضافة زخم للحركة النسائية في منتصف السبعينيات، كانت الإمارات أقرت الأسس الدستورية والتشريعية، التي تضمن حقها.
لا تزال حقوق المرأة وملف المساواة، ولا نقول التوازن، بين الجنسين ضمن أبرز الإشكاليات التي تواجه الكثير من دول العالم، فلا تزال المرأة في دول كثيرة تعاني عدم المساواة الاقتصادية والعنف المنزلي والحق في إدارة الأصول وغير ذلك من القضايا، وتشير إحصاءات البنك الدولي إلى أن النساء على مستوى العالم يحظين بـ 75% فقط من نفس الحقوق المخصصة للرجال، وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على سبيل المثال ينخفض معدل المساواة في الحقوق مقارنة بالرجال إلى نحو 47%، بينما لا تظهر الولايات المتحدة، وهي الدولة التي تتربع على عرش التقدم عالمياً، ضمن قائمة الخمسين دولة الأفضل عالمياً في مجال حقوق المرأة، حيث تصل نسبة المساواة فيها إلى نحو 84%.
في حين كان العالم يتحرك لإضافة زخم للحركة النسائية العالمية في منتصف السبعينيات، حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975، عاماً عالمياً للمرأة، وتم عقد المؤتمر العالمي الأول للمرأة في المكسيك تحت شعار “المساواة والتنمية والسلام"، كانت دولة الإمارات قد أقرت الأسس والمبادئ الدستورية والتشريعية التي تضمن للمرأة حقها
وقد تحسنت أوضاع المرأة كثيراً في العقد الماضي، واتجهت كثير من دول العالم إلى إجراء تعديلات تشريعية تعزز المساواة بين الجنسين، وهي خطوة متأخرة نسبياً مقارنة بخطط الأمم المتحدة في هذا المجال، التي باتت تعتمد معايير التوازن بين الجنسين، ولكن كما يقال، إن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي على الإطلاق! ولكن المعروف أن تحقيق المساواة بين الجنسين يتطلب بالأساس توافر قناعات سياسية راسخة، وهذه بالفعل دروس تجربتنا في دولة الإمارات، كما يتطلب تغييرات في الوعي المجتمعي والتقاليد والأعراف الثقافية السائدة في بعض المجتمعات المنغلقة.
التمكين الاقتصادي للمرأة يؤثر سلباً أو إيجابا في معدلات نمو الدول من دون شك، فتجاهل الأخذ به يحرم الاقتصادات من عوائد هائلة كان يمكن أن تمثل قيمة نوعية مضافة في حال الدمج الاقتصادي للمرأة والسماح لها بإدارة أنشطة تجارية واقتصادية، فالنساء في العالم يمثلن تقريباً نصف السكان، وبالتالي فإن حرمانهن من التمكين الاقتصادي يعني ببساطة حرمان العالم من نصف طاقته الإنتاجية المفترضة، ولذا نلحظ أن ميثاق الأمم المتحدة قد نص في مادته الأولى على أن "تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء"، كما كفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 حقوق النساء في المساواة، ولكن كما ذكرت، المسألة لا ترتبط دائماً بوجود التشريعات بقدر ما ترتبط بتوافر إرادة وقناعات سياسية تهيئ المجال العام للتطبيق.
وفي ذكرى اليوم العالمي للمرأة، يمكن أن نستعيد بعض محطات التطور الزمني لمسيرة تمكين المرأة عالمياً ومحلياً، كي ندرك التطور الهائل الذي تحقق للمرأة الإماراتية على صعيد الحقوق والمكتسبات التي نالتها بفعل الدعم اللامحدود من جانب القيادة الرشيدة منذ تأسيس الدولة، والميزة الأساسية في هذا الدعم، وتلك المساندة، أنها تحققت بفعل قناعة ذاتية وطنية بأهمية دور المرأة وضرورة الاستفادة من طاقات المجتمع كافة للتسريع بعملية التنمية، ففي حين كان العالم يتحرك لإضافة زخم للحركة النسائية العالمية في منتصف السبعينيات، حيث أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 عاماً عالمياً للمرأة، وتم عقد المؤتمر العالمي الأول للمرأة في المكسيك تحت شعار “المساواة والتنمية والسلام"، كانت دولة الإمارات قد أقرت الأسس والمبادئ الدستورية والتشريعية، التي تضمن للمرأة حقها في المساواة، حيث كان القائد المؤسس المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يؤمن بأن "مشاركة المرأة في نهضة المجتمع من الأهمية بمكان، وأن الإسلام شجع المرأة على العمل، والمشاركة في البناء"، وهنا نلاحظ الفهم العميق من جانب المُعلم والقائد الملهم لجوهر الدين الإسلامي الحنيف، وكيف أنه حسم هذا الأمر الذي كان ـ ولا يزال ـ مثار جدل ونقاش عقيم في أوساط عدة بعالمنا العربي والإسلامي.
من الثابت أن لتجربة التنمية في دولتنا خصوصية استثنائية فريدة في مختلف المجالات، ومنها بطبيعة الحال تمكين المرأة، حيث انطلقت مسيرة الاتحاد النسائي العام في أغسطس/آب 1975 بقيادة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات) رائدة العمل النسائي في الدولة وعلى مستوى الخليج والعالم العربي، وصاحبة الفضل الأساسي في كل ما تحقق للمرأة الإماراتية من نجاحات وبصمات وإنجازات في كل قطاعات العمل والتنمية، وأشير هنا إلى أحد أبرز مظاهر خصوصية تجربتنا من خلال مقولة سموها "اذكّر كل أم وكل زوجه.. بأن بيتها وأبناءها هم الأساس.. وهم أهم وظيفة لها إذا لم تجد في نفسها القدرة على العدل بين البيت والعمل خارجه.. فإن تربية جيل صالح من الأبناء أهم بكثير من أي منصب وظيفي يمكن أن تصل إليه المرأة"، وهذه المقولة هي القاعدة الاجتماعية الأساسية الذهبية التي افتقرت إليها معظم جهود تمكين المرأة في العالم، وهي معيار تحديد الأولويات عندما نتحدث ونعمل بحماس من أجل تمكين المرأة، فالأولوية هنا لتوافر فهم ووعي متكاملين لدى المرأة بدورها وحدوده، فالأسرة باعتبارها نواة المجتمع وعماده هي الأساس، ومن دون الحفاظ على تماسك الأسرة وصلاحها لا يمكن الحديث عن نجاح أو إنجاز كامل للمرأة في أي مجتمع، وهذه القاعدة الذهبية تمثل أحد خصائص تفرد نموذج التمكين الإماراتي للمرأة.
ثمة قاعدة أخرى ذات خصوصية بالغة، تتمثل في توجيه طاقات المرأة نحو التنمية والبناء، لتحقيق الشق الخاص بالاستفادة من طاقات نصف المجتمع، وقد تطلب ذلك جهودا هائلة على مستوى التعليم وبناء القدرات على مدى سنوات طويلة، وعلينا أن نتذكر جيداً أن الإحصاءات تشير إلى أن مدارس الإناث في الدولة عام 1972 كان يبلغ 52 مدرسة فقط ترتادها نحو 17 ألف طالبة حتى المرحلة الثانية، وهو رقم كبير مقارنة بما كانت عليه الأوضاع قبل قيام الاتحاد، فلم تكن هناك مدارس مخصصة للبنات حتى عام 1955، حيث افتتحت أول مدرسة للإناث في عام 1956 وضمت ثلاثين طالبة في فصل واحد ومعلمة واحدة،
وهذه الأرقام توفر لنا رؤية واضحة لما تحقق من إنجازات، باعتبار أن التعليم هو مفتاح التنمية، حيث نرى الآن دولة الإمارات العربية المتحدة باتت الإمارات الأولى عالمياً في مؤشر معدل التحاق المرأة بالتعليم العالي، وحققت المركز الأول عالمياً في مؤشر إلمام المرأة بالقراءة والكتابة، وكل من مؤشري مشاركة المرأة في التعليم الإعدادي والتعليم الثانوي، كما أصبحت رئيسة للمجلس الوطني الاتحادي ووزيرة وقاضية ودبلوماسية، وعلى أبواب أن تحصل على 50% من عضوية المجلس الوطني الاتحادي في الانتخابات المقررة الصيف المقبل، ارتفاعاً من 5,22% في الفصل التشريعي الحالي، ما يعني تمكيناً كاملاً للمرأة الإماراتية، وأننا بالفعل أمام واقع يسبق الطموحات والتطلعات.
والمسألة كما قلت لا ترتكز على قاعدة تشريعية وقانونية فقط، بل تعتمد بالأساس على قناعة راسخة وإيمان قوي بأهمية دور المرأة، فقيادتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ـ حفظه الله ـ وأخوه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لا يبخلون بأي دعم أو مساندة من أجل أن تحصل المرأة الإماراتية على فرص التمكين الكاملة في مختلف مجالات التنمية بالدولة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة