سمحت الحكومة للمرأة بحضور المباريات الرياضية لأول مرة في تاريخنا
أكبر وهمٍ كاذب عرفه السعوديون في مفاهيمهم، وعاش معهم قرابة أربعة عقود خلت، كان ما سماهُ الصحويون (الخصوصية السعودية). كنا حينها نسأل: لماذا هذا ممنوع، وذاك محظور، والآخر مشروع؟.. ولماذا لا نكون مثل عباد الله في هذا الشأن، أو تلك القضية؟.. فينبري لك أحد الصحويين بالقول: إنها الخصوصية السعودية، تلك الخصوصية المزعومة التي تحولت مع الزمن إلى قيود وأغلال، أعاقت مسيرتنا التنموية، وأضعفت بناء إنسان العصر.
لا أعتقد أن الصحويين المتأسلمين جنوا على أحد مثلما جنوا على المرأة السعودية؛ وهذا يظهر في منتهى الوضوح عندما نستعرض تاريخ التنمية البشرية، وبالذات بما يتعلق بالمرأة.
يوم الجمعة الماضي، وفي يوم مشهود، تم كسر إحدى تلك الخصوصيات المزعومة والمتوهمة، التي كان غلاة الصحويين يصرّون عليها، وكأنها ثابت من ثوابت الدين، التي لديهم عليها من الله دليل واضح جلي.
سمحت الحكومة للمرأة بحضور المباريات الرياضية لأول مرة في تاريخنا، وانتهى الحدث بسلاسة دون أن تُسجل (إطلاقاً) أي حادثة تحرّش، أو احتكاكات، كان مرجفو المدينة يخوّفون منها، وأهم من ذلك كله سقطت واحدة من خرافات (الخصوصيات السعودية) التي لا تجدها قط إلا في بلادنا، والتي سئمنا منها، ومن ترديد الصحويين لها، وكأننا كائنات ذات طبائع خاصة، غير بني البشر.
ومثل ما سقطت هذه الخصوصية الكاذبة، واتضح للعوام الذين كانوا يحذرون منها، أنها مجرد وهم ليس له وجود إلا في أذهان من اختلقوها، فإن هناك كثيراً من تلك الخصوصيات المزعومة، وبالذات المتعلقة بالمرأة وحقوقها، مازلنا ننتظر المبادرة بإسقاطها.
ولا أعتقد أن الصحويين المتأسلمين جنوا على أحد مثلما جنوا على المرأة السعودية؛ وهذا يظهر في منتهى الوضوح عندما نستعرض تاريخ التنمية البشرية، وبالذات بما يتعلق بالمرأة. ففي بداية الستينيات من القرن الميلادي المنصرم، خاض المتفتحون حينها واحدة من أهم المعارك لإخراج المرأة من جهلها وأميّتها، وإتاحة الفرصة لها لأن تكون كائناً إنسانياً متعلماً ومشاركاً في نهضة بلده، بافتتاح مدارس تعليم البنات، ثم بُلينا بالصحوة المتأسلمة المشؤومة في بداية الثمانينيات من القرن نفسه، التي أدخلت المرأة دهاليز الظلام، واستغلال مسألة العرض والشرف لدى الرجل، ففرضت عليها من الأغلال والقيود، ما انتهك كثيراً من حقوقها الإنسانية، وقيّد استقلاليتها، ناهيك عن حريّتها، أرغمها على أن تكون (تابع ذليل) للرجل، أي رجل، شرط أن ترتبط معه بوشائج قربى، حتى إن كان ابنها المراهق؛ والمحزن أن هناك نساء (صحويات) كن يدافعن عن مصادرة حقوق وحريات المرأة، ويقفن بكل قوة ضد استقلالها، ويرسّخن ولاية الرجل عليها، بحجة أن ذلك من تعاليم الإسلام.
ومضت الأيام، حتى رزق الله هذا الوطن المعطاء، بملك هُمام، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا مُزايدة أفّاك متأسلم، كما رزقه بولي عهد شجاع مقدام، فبادرا بخطوات مدروسة إلى تحرير المرأة من جهة، ومن جهة أخرى (طبّع) علاقات مجتمعنا مع بقية مجتمعات دول العالم المتحضّر، وأعاد أولئك المرجفين الغلاة إلى المقاعد الخلفية، حيث يجب أن يكونوا.
ما حصل يوم الجمعة الماضي في ملعب الجوهرة في جدة، حين حضر النساء مباراة في كرة القدم، هو يوم تاريخي، يحمل في طياته دلالات كثيرة، لعل أهمها على الإطلاق أن وهم (الخصوصية السعودية) سقط واندثر إلى الأبد، وأصبحنا مثل خلق الله في كل بلاد العالم.
نقلا عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة