السعودية والإمارات.. زيارات متبادلة تعزز شراكة "الخندق الواحد"
الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز يبدأ زيارة رسمية إلى الإمارات تتناول العلاقات بين البلدين وأبرز المستجدات الإقليمية.
نقلة نوعية تشهدها العلاقات السعودية الإماراتية، بدعم من الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
- ولي العهد السعودي يبدأ الأربعاء زيارة إلى الإمارات
- ولي العهد السعودي يصل أبوظبي في زيارة رسمية للإمارات
وجاءت النقلة تحت إشراف ومتابعة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، حتى أضحت العلاقات بين البلدين نموذجاً يحتذى به.
وبدأ الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الأربعاء، زيارة رسمية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة تتناول العلاقات وأبرز المستجدات الإقليمية، وذلك بعد 3 أسابيع من زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للرياض للمشاركة في مراسم توقيع اتفاق الرياض ضمن زيارات متعددة أجراها على مدار العام.
وتعكس الزيارات المتبادلة والمباحثات المتواصلة بين قادة البلدين في وقت قريب وقصير، الحرص المتبادل بين الجانبين على التواصل والتباحث وتبادل الرؤى وتنسيق الجهود وتعزيز العلاقات الاستراتيجية بينهما.
وإلى جانب العلاقات الثنائية النوعية، تتبنى الدولتان مواقف مشتركة إزاء القضايا العربية والخليجية والإقليمية والدولية؛ حيث تعمل الدولتان على تعزيز العمل العربي المشترك، وصون مسيرة مجلس التعاون الخليجي.
كما يعمل البلدان على مكافحة الإرهاب، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، والتصدي للتدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية، وإيجاد حلول دائمة لأزمات ونزاعات المنطقة المختلفة.
قمم متتالية وزيارات متعاقبة
وتعد زيارة الأمير محمد سلمان، اليوم، هي الثانية للإمارات خلال عام بعد الزياة التي أجراها في 22 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي واستمرت 3 أيام.
كما تأتي الزيارة بعد نحو 3 أسابيع من الزيارة التي أجراها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الرياض في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وشهدا خلالها توقيع اتفاق الرياض التاريخي الذي وقّعته الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية سعودية.
ونوه الأمير محمد بن سلمان خلال حفل التوقيع بما قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة من تضحيات جليلة في ساحات الشرف مع جنود المملكة وزملائهم في بقية قوات التحالف العربي لدعم الشرعية على الأرض اليمنية، معبرا عن شكره للشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وعقد الشيخ محمد بن زايد والأمير محمد بن سلمان مباحثات خلال تلك الزيارة في الديوان الملكي بالرياض، تم خلالها بحث العلاقات الأخوية بين البلدين على المستويات كافة، إضافة إلى تطورات ملف اليمن والسبل الكفيلة بمساعدة الشعب اليمني الشقيق لتحقيق تطلعاته المشروعة في التنمية والسلام.
كما استعرضا المستجدات في منطقتي الخليج العربي والشرق الأوسط، والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك وتبادلا وجهات النظر بشأنها.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال اللقاء عمق العلاقات الإماراتية-السعودية التي تستند إلى قاعدة صلبة من التفاهم والثقة والاحترام المتبادل والمصير المشترك، مثمنا دور المملكة في تعزيز الاستقرار في المنطقة خلال هذه الظروف الاستثنائية المهمة التي تشهدها.
وخلال هذه الزيارة التقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كلا من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والأمير محمد بن سلمان، كلا على حدة.
وبحث خلال اللقاءات العلاقات الأخوية التي تجمع البلدين وسبل مواصلة تنميتها في مختلف الجوانب والمجالات بما يلبي تطلعات البلدين وشعبيهما الشقيقين، إضافة إلى عدد من القضايا وآخر التطورات الإقليمية.
واستعرض الجانبان مسار التعاون الاستراتيجي بين البلدين والذي يرتكز على مقومات متعددة أساسها التفاهم والتعاون والعمل المشترك والمصالح المتبادلة بجانب توافق الرؤى والمواقف تجاه مختلف القضايا.
كما تم تناول مجمل القضايا والملفات الإقليمية والدولية التي تهم البلدين، إضافة إلى التحديات التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط وتداعياتها على أمن شعوبها واستقرارها.
قمم مكة
كما تجلت قوة العلاقة بين البلدين وحرصهما على التنسيق المشترك في الملفات الدولية والإقليمية في حرص الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على حضور قمم مكة (قمتيْن خليجية وعربية طارئتين ثم قمة إسلامية عادية نهاية مايو/أيار الماضي).
وترأس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وفد الإمارات إلى القمتين الخليجية والعربية الطارئتين في مكة المكرمة، مؤكدا أن بلاده تقف قلباً وقالباً إلى جانب السعودية في كل تحركاتها الهادفة إلى توحيد الصف والكلمة في مواجهة المخاطر والتهديدات المحيطة بدولنا وشعوبنا، وتحقيق طموحاتها إلى السلام والرخاء والازدهار.
ونوه بأن انعقاد القمم الخليجية والعربية والإسلامية في مكة المكرمة خلال هذه المرحلة الاستثنائية، وفي ظل تحديات جسيمة تشهدها المنطقة، يؤكد الدور الرائد للمملكة، بما تمثله من عمق استراتيجي لدول المنطقة والعالم الإسلامي، وتعزيز الأمن والسلم والحفاظ على مصالح دول المنطقة وشعوبها وخدمة قضاياهم وجمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم.
وأدانت البيانات الختامية الصادرة عن القمم الثلاث الأعمال التي قامت بها المليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران، من العبور بالطائرات المسيرة على محطتي ضخ نفط داخل السعودية يوم 14 مايو/أيار الماضي، وما قامت به من أعمال تخريبية طالت 4 سفن تجارية قرب المياه الإقليمية للإمارات بعدها بيومين.
وأكدت التضامن الخليجي والعربي والإسلامي مع السعودية والإمارات، وتأييدها ودعمها كافة الإجراءات والتدابير التي تتخذانها لحماية أمنهما واستقرارهما وسلامة أراضيهما.
كما استبق هذه الزيارة، زيارة في 16 أبريل/نيسان الماضي، التقى خلالها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خادم الحرمين الشريفين وولي العهد السعودي في قصر عرقة بمدينة الرياض، حيث جرى بحث العلاقات الأخوية الراسخة بين البلدين وعددا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ورحب خادم الحرمين الشريفين بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للمملكة، مشيدا بعمق العلاقات الأخوية بين البلدين وشعبيهما الشقيقين والتي تزداد رسوخا وقوة في ظل الحرص المشترك على تطويرها وتوسيع آفاقها.
وتجسد تلك المباحثات المتتالية والزيارات المتبادلة مدى قوة العلاقة بين البلدين وتطابق الرؤى بينهما، وحرص قادة البلدين على المضي بها إلى آفاق أرحب.
ترحيب واحتفاء
وقبيل تلك الزيارات، أجرى ولي العهد السعودي زيارة إلى الإمارات 22 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، استمرت 3 أيام، أبدعت خلالها الإمارات قيادة وشعبا بالاحتفاء والترحيب بضيف البلاد الكبير، حيث نشر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قصيدة على حسابه في "أنستقرام" رحب خلالها بزيارة الأمير محمد بن سلمان.
وعبر من خلال القصيدة، عن وقوف بلاده حكومة وشعبا إلى جانب المملكة العربية السعودية وقيادتها في مواجهة أبواق الفتن.
وخلال الزيارة بحث الجانبان العلاقات الأخوية الراسخة وسبل مواصلة تنميتها ودعمها في مختلف المجالات؛ بما يلبي تطلعات البلدين وشعبيهما الشقيقين إلى جانب عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأكدا خلال لقائهما حرصهما على تعزيز الشراكة الإماراتية ــ السعودية الاستراتيجية التي تتميز بالشمولية تنمويا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا، إلى جانب موروثها التاريخي والروابط المتجذرة بين شعبي البلدين ما يدفعها إلى المضي قدما نحو آفاق أوسع ويمنحها بعدا استراتيجيا في معالجة التحديات.
وشددا في ختام محادثاتهما على أن الشراكة القوية بين البلدين تمثل إضافة وركيزة رئيسية للأمن العربي المشترك، خاصة في ظل ما تتميز به سياسة البلدين على المستوى الإقليمي أو العالمي من توجهات ومواقف حازمة وواضحة في مواجهة التحديات والتهديدات التي تشهدها دول المنطقة، سواء فيما يتعلق بخطر التطرف والإرهاب وضرورة التصدي للجماعات التخريبية التي تسعى لتقويض أسس الاستقرار في الشرق الأوسط.
محطة مهمة
وتعد زيارة ولي العهد السعودي، الأربعاء، إلى الإمارات محطة جديدة مهمة على طريق التكامل والتشاور المستمر بين البلدين الشقيقين، بعد أن أضحى "التنسيق السعودي الإماراتي" نموذجا استثنائيا في بناء الشراكات الاستراتيجية بين الدول.
وخصوصا بعد أن تم العمل على بلورة التطور المتواصل في العلاقات الثنائية، في أطر سياسية ومؤسَّسية، توج باتفاق الدولتين على إنشاء مجلس التنسيق السعودي الإماراتي في مايو/أيار 2016، وعقد الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي في جدة يوم 6 يونيو/حزيران 2018 برئاسة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والأمير محمد بن سلمان.
وشهد الاجتماع الإعلان عن الهيكل التنظيمي للمجلس الذي ضم في عضويته 16 وزيرا من القطاعات ذات الأولوية في كلا البلدين، كما تم تشكيل لجنة تنفيذية للمجلس وذلك لتكثيف التعاون الثنائي في المواضيع ذات الأولوية، والوقوف على سير العمل في المبادرات والمشاريع المشتركة.
وتوج الاجتماع بالإعلان عن "استراتيجية العزم" التي تضمنت رؤية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصاديا وتنمويا وعسكريا عبر 44 مشروعا استراتيجيا مشتركا، حيث وضع قادة البلدين مدة 60 شهرا لتنفيذ هذه المشاريع الاستراتيجية.
شراكة الخندق الواحد
تلك الشراكة تجلت بصورة واضحة في تصريحات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، خلال افتتاحه "حديقة شهداء حرس الرئاسة" في 4 سبتمبر/أيلول الماضي، التي جاءت أصدق وأقوى تعبير عن تلك الشراكة، واصفاً إياها بأنها "شراكة الخندق الواحد في مواجهة التحديات المحيطة".
وأردف: "والهدف الذي يجمعنا أمن السعودية والإمارات واستقرار المنطقة، يجمعنا مصيرنا ومستقبلنا".
تلك التصريحات جاءت لتؤكد أن ما يجمع الإمارات والسعودية ليس أمراً عادياً، ولا مصالح آنية، وطبيعة العلاقة بينهما استثنائية بكل المقاييس.
وهو ما أكده مجددا خلال اتصال أجراه بولي العهد السعودي منتصف الشهر نفسه، بعد الهجوم الإرهابي التخريبي الذي استهدف معملين تابعين لشركة أرامكو في محافظة بقيق وهجرة خريص.
وأكد وقوف الإمارات إلى جانب السعودية تجاه كل ما يهدد أمنها واستقرارها، ودعمها الثابت لكل ما تتخذه من إجراءات لحفظ أمنها وسلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها.
وشدد على أن أمن البلدين واحد لا يتجزأ، داعيا الله عز وجل أن يحفظ المملكة ويديم عليها الأمن والأمان، وأن تواصل طريق التقدم والازدهار في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان دور المملكة المحوري في مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتمضي العلاقات بين الإمارات والسعودية في طريقها لتحقيق نموذج تكامل عربي استثنائي، بتوجيهات قادة البلدين، محوره التعاون والتكاتف على الأصعدة كافة، مستنداً إلى الإرث الحضاري والتاريخي ومقومات القوة المشتركة، وأن التعاون بينهما يصب في مصلحة تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والرفاهية لشعبيهما.