بعيداً عن الانسياق خلف ردود الأفعال، فإن التحليل وقراءة ما بين سطور الأحداث أبرز مهام الكاتب، خصوصاً في الشأن السياسي.
بعيداً عن الانسياق خلف ردود الأفعال، فإن التحليل وقراءة ما بين سطور الأحداث أبرز مهام الكاتب، خصوصاً في الشأن السياسي، إلا أن حبس العواطف الإنسانية مضرّ بالصحة كما هو ثابت، لذلك قررت أن أطلق عنان «شماتتي» في الذين تلقفوا بمزيد من البهجة تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة حول السعودية.
بصراحة، حال عالات الأمم من متسولي المواقف التي تخدم أوهامهم يرثى لها، كلما أينعت رؤوس أحقادهم، عاجلها "ابن سلمان" بالقطاف، فلله دره من أمير محنك، شفى الله به صدور قوم مخلصين لدينهم وأمتهم، وخسر هنالك المبطلون
مزعجة هي تلك التصريحات من دون شك، ومردّ الانزعاج ليس مبالغات الرئيس «الانتخابية»، فالسعوديون وجميع الشرفاء يعرفون جيداً من هو سلمان بن عبدالعزيز في الحقيقة، إنما مرده تطلع اللئام إلى التسلق عليها للنيل من السعودية بالانتقاص، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً!
في الواقع، لقد نزلت عليهم «طنطنة» ترامب حول ابتزاز السعودية كما تنزل قطرات الماء البارد على قلوب العطاشى، قبل أن يحيلها الأمير محمد بن سلمان إلى ملح أجاج يفتت الأكباد، معيداً الكرّة في مصلحة السعوديين مجدداً. في هذا السياق، أرى من الواجب التنبيه إلى حقيقة مهمة، هي أن ولي العهد ورجل المرحلة بامتياز، لم يتحدث إلى وسيلة إعلامية سعودية يطيب بها الخواطر، ويترك لترامب تلك المساحة الشعبية في بلاده يقول من خلالها ما يشاء ما دام التوافق السياسي في القضايا الأهم سيداً للمشهد، على العكس من ذلك، لقد وضع نقاط السيادة السعودية على حروف السياسة بكل حزم، إذ إن «لكل امرئ من دهره ما تعودا» بطبيعة الحال، وكما هي عادة الشجعان، اختار أن يكون رده من خلال وكالة بلومبرج في عقر دار الأمريكيين، «وأن يُكذبَ الإرجاف عنه بضده، ويمسي بما تنوي أعاديه أسعدا».
بصراحة، حال عالات الأمم من متسولي المواقف التي تخدم أوهامهم يرثى لها، كلما أينعت رؤوس أحقادهم، عاجلها "ابن سلمان" بالقطاف، فلله دره من أمير محنك، شفى الله به صدور قوم مخلصين لدينهم وأمتهم، وخسر هنالك المبطلون.
«لن ندفع شيئاً مقابل أمننا». هكذا ببساطة ومن دون تكلف أو مراوغة، يوجه الأمير الشاهق عناية السادة (العالم)، أن بلاده ليست جداراً قصيراً يمكن تخطيه بالهمز أو باللمز، وإنما دولة لها كامل الاعتبار والاحترام والتقدير، بيدها لا بيد «العم سام» أو سواه، وأن على الجميع مراجعة حساباتهم جيداً قبل الخوض في سيرة السعودية العربية «الأصيلة» ورموزها، فما ينطبق على غيرها لا يجري عليها بالضرورة. والشواهد كثيرة، عرض ولي العهد شطراً منها في لقائه، حين أشار إلى تجاوز السعوديين السنوات الثماني العجاف من إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، بما فيها من تآمر بيّن على السعودية وحلفائها، وليس «أسبوعين» كما يدعي ترامب! على ذكر أوباما، فإن الذي حجّمه في المطار عند زيارته السعودية، وأدار له ظهره في شكل غير مسبوق، هم الرجال ذاتهم الذين مدوا أيديهم إلى ترامب واستقبلوه ببالغ الاحتفاء، في رسالة مفادها: «احترم تُحترم»، نقطة أول السطر.
أخيراً، إلى مرتع الأحلام الهزيلة، والقواعد «الحامية» المتعددة، يحفظ السعوديون قول محمد جواد البغدادي: «ألم ترَ أن السيف ينقص قدره، إذا قيل إن السيف أمضى من العصا» عن ظهر غيب، كما يحفظون لكم خياناتكم المتكررة، وامتهانكم مِن قبل مَن لا قبل لكم به. لذلك، فإن أصدق هدية يمكن أن تُساق إليكم في محفل الفخر العظيم هذا، إنما هي قول الفرزدق: «إن الأراقم لا ينال قديمها...». والسلام.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة