ولي العهد السعودي بمصر.. دلالات "هامة" وتعزيز لشراكة استراتيجية
على وقع تحديات تواجه المنطقة، تكتسب زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر أهميتها، لتوحيد المواقف وتنسيق العمل المشترك.
فالزيارة التي بدأت مساء اليوم الاثنين، تعد الرابعة للأمير محمد بن سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء السعودي ووزير الدفاع إلى مصر منذ مبايعته وليا للعهد قبل 5 سنوات، لتكون محطة القاهرة أكثر دولة توقف فيها الأمير السعودي.
زيارات وقمم متواصلة، يحرص من خلالها البلدان على التنسيق الكامل والتشاور الدائم؛ بهدف مواجهة ملفات المنطقة وأزماتها، وما يتعلق بها من تهديدات وتحديات؛ انطلاقًا من فرضية أساسية، تقوم على الرفض التام لكل التدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية أيًا كان مصدرها؛ كونها تشكل تهديدًا لاستقلال الأراضي العربية وسيادتها، وتفكيكًا لوحدتها الوطنية.
وتأتي الزيارة في توقيت هام، تعد فيه المنطقة بأمس الحاجة لتنسيق المواقف بين اثنين من أكبر وأهم الدول العربية، بما يسهم في تعزيز وحدة الصف العربي، وخصوصا قبل القمة الأمريكية الإقليمية المرتقب عقدها في جدة 16 يوليو/تموز المقبل.
الأمن العربي
وتعد القمة المرتقب عقدها اليوم الإثنين بين ولي العهد السعودي والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، هي الثانية خلال 3 شهور بعد تلك التي جمعتهما في الرياض في 8 مارس/آذار الماضي، والتي أكد فيها الجانبان عزمهما على تعزيز التعاون تجاه جميع القضايا السياسية والسعي لبلورة مواقف مشتركة تحفظ للبلدين أمنهما واستقرارهما.
كما أكد الجانبان أن الأمن العربي كلٌ لا يتجزأ، ورفض أي محاولات لأطراف إقليمية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، أو تهديد استقرارها وتقويض مصالح شعوبها، سواء كان ذلك عبر أدوات التحريض العرقي والمذهبي، أو أدوات الإرهاب والجماعات الإرهابية، أو عبر تصورات توسعية لا تحترم سيادة الدول ومبادئ احترام حسن الجوار، واتفقا على مواصلة محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة بكافة أشكالها.
محاور سابقة، ستفرض نفسها على أجندة القمة المرتقبة بين الجانبين، لكن في ضوء المستجدات والتحديات الجديدة التي باتت تواجهها المنطقة.
حراك عربي
وتعد القمة المرتقبة بين الرئيس السيسي وولي العهد السعودي، هي ثالث قمة عربية تستضيفها مصر لليوم الثالث على التوالي، بعد قمة بحرينية مصرية، السبت، أعقبها الأحد قمة ثلاثية جمعت السيسي وعاهل الأردن الملك عبدالله الثاني وعاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة.
وجاءت القمة الثلاثية في إطار تنسيق المواقف والتشاور الدائم، وتناول الأزمات التي تمر بها المنطقة ومساعي التوصل إلى حلول سياسية لها، إضافة إلى الجهود الإقليمية والدولية في الحرب على الإرهاب ضمن نهج شمولي.
وثمة توافق عام على أهمية صياغة تحالف إقليمي ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية لتنسيق المواقف وتوحيد الرؤى وتعزيز التكامل، بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار في المنطقة، ومواجهة التحديات التي تواجهها، وخاصة بعد التحديات التي تشهدها المنطقة على خلفية الأزمة الأوكرانية، وما ترتب عليها من تداعيات وتحديات طالت مختلف دول العالم.
وإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة، يتوقع أن تشمل مباحثات ولي العهد السعودي والرئيس المصري عددا من القضايا الإقليمية والدولية، في مقدمها الملف النووي الإيراني والجهود المبذولة على صعيد إنهاء الحرب في اليمن، وتعزيز العلاقات في شتى المجالات بين البلدين.
علاقات تاريخية
تتَّسمُ علاقة السعودية ومصر بالعمق التاريخي والتعاون الإستراتيجي والتنسيق المستمر تجاه المسائل والقضايا التي تهمُّ البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية؛ لدعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، نظرًا للموقع الجغرافي الذي يتمتع به البلدان، مما عزَّز من ثقلهما على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية .
وبُنِيَت العلاقات السعودية المصرية على أسس صلبة منذ أول لقاء تاريخي جمع مؤسس السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، بالملك فاروق ملك مصر عام 1945م ليكون حجر الأساس لعلاقة قوية وإستراتيجية، تزداد متانة وصلابة عامًا بعد الآخر، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
العلاقات الثنائية، ارتقت بدعم وتوجيه من الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس السيسي، إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية من خلال تأسيس مجلس التنسيق السعودي المصري، وإبرام حكومتي البلدين نحو 70 اتفاقية وبروتوكولا ومذكرة تفاهم بين مؤسساتها الحكومية.
ويحرص البلدان عبر الزيارات المتبادلة والقمم المتواصلة على التنسيق الكامل والتشاور الدائم؛ بهدف مواجهة كل ملفات المنطقة وأزماتها، وما يتعلق بها من تهديدات وتحديات؛ انطلاقًا من فرضية أساسية، تقوم على الرفض التام لكل التدخلات الإقليمية في شؤون الدول العربية أيًا كان مصدرها؛ كونها تشكل تهديدًا لاستقلال الأراضي العربية وسيادتها، وتفكيكًا لوحدتها الوطنية.
ومن هذا المنطلق تدعم الدولتان المبادرات السياسية والحلول السلمية لكل أزمات المنطقة؛ في سوريا واليمن وليبيا، وفقًا لقرارات مجلس الأمن والمبادرات الإقليمية والمرجعيات ذات الصلة؛ بما يحافظ على استقرار هذه الدول ووحدة ترابها الوطني، ويضع مصالحها الوطنية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار لشعوب هذه الدول، بمعزل عن التدخلات الخارجية.
وتتمتع المملكة ومصر بثقل وقوة وتأثير على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، مما يعزِّز من مستوى وحرص البلدين على التنسيق والتشاور السياسي المستمر بينهما؛ لبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات المشتركة، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، والأمن والسِّلم الدوْلِيَيَن.
ازدهار اقتصادي
واقتصاديًا، ترتبط المملكة ومصر بعلاقات متنامية؛ إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال الفترة من (2016 - 2021م) 179 مليار ريال (47.7 مليار دولار)، وتنامي حجم الصادرات السعودية غير النفطية إلى مصر بنسبة 6.9% خلال العام 2021م مسجلاً 7.2 مليارات ريال (1.9 مليار دولار).
ويحرص القطاع الخاص السعودي والمصري للاستثمار في أسواق البلدين لما تتميِّز به من مقومات وفرص؛ إذْ توجد 6285 شركةً سعوديةً في مصر باستثمارات تفوق 30 مليار دولار، كما توجد في المقابل 274 علامةً تجاريةً مصريةً، وأكثر من 574 شركةً مصريةً في الأسواق السعودية.
وتدعم الاستثمارات المباشرة للقطاع الخاص السعودي في مصر، جهود الحكومة المصرية في تنويع القاعدة الاقتصادية، وخفض البطالة، وكذلك تحسين ميزان المدفوعات، كونها مصدراً مهماً للعملة الصعبة، ما يستدعي العمل على حلِّ التحديات التي تعوق وتعطِّل استثماراتهم، وسرعة حلِّ القضايا العالقة في القضاء المصري، وتحفيزهم لزيادة تلك الاستثمارات.
في المقابل زادت الاستثمارات السعودية في السوق المصرية، ووجدت 1035 شركةً مصريةً فرصاً واعدةً للاستثمار في السوق السعودية، وبلغت قيمة رأس مال الشركات التي يملكها أو يشارك في ملكيتها مستثمرون مصريون في المملكة 4.4 بلايين ريال، تتركَّز أغلبها في قطاعات الصناعات التحويلية، والتشييد.
وتتويجًا وتأكيدا لعمق العلاقات المتجذرة بين البلدين، أعلنت السعودية في 30 مارس/آذار تقديم وديعة 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري.
ويقيم نحو مليون مواطن سعودي في مصر، وهي أكبر جالية سعودية في الخارج، كما يفضل السياح السعوديون قضاء إجازاتهم في مصر، إذْ يشكِّلُون النسبة الأكبر من بين السياح العرب في مصر، في المقابل يوجد نحو 1.7 مليون مقيم مصري في المملكة.
aXA6IDMuMTQxLjEyLjMwIA== جزيرة ام اند امز