بعيداً عن هجمات المشككين أصبح العالم يعرف أن السعودية الجديدة هي رأس الحربة في محاربة التطرف.
الزيارة النشطة التي يقوم بها ولي العهد السعودي للولايات المتحدة، هي مالئة الدنيا وشاغلة الناس في أهم وأقوى دولة في العالم، وهي لم تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل هي مترعة بجوانب أخرى لا تقل أهمية، كالجانب الاقتصادي وتعزيز الشراكة مع أكبر وأهم الجامعات والشركات، وإتاحة الفرص للجميع في مشاركة السعودية في تحقيق «رؤية 2030».
لا أحد أفضل من عرّاب الرؤية وباني المستقبل والمؤسس الثاني للسعودية لتوضيح المستقبل، وصناعة الاتفاقيات وبناء الشراكات التي تخدم حلمه ومشروعه الوطني الكبير، وليس أفضل منه لتوضيح مواقف السعودية الجديدة المجيدة تجاه الملفات التي لطالما استخدمتها وسائل الإعلام الغربية، وبعض مؤسسات الحقوق ومراكز التفكير للهجوم على الدولة السعودية بفكره الجديد كقائدٍ ذي رؤية إصلاحية متكاملة لا يتردد في نقد الماضي وبناء المستقبل.
بعيداً عن هجمات المشككين أصبح العالم يعرف أن السعودية الجديدة هي رأس الحربة في محاربة التطرف سياسياً واقتصادياً، أمنياً وعسكرياً، ثقافياً وتعليمياً، ولم يزل الأمير محمد لم يبتدئ بعد، وسيرى العالم مجالاتٍ أخرى تضاف لهذه السلسلة من محاربة التطرف تحت قيادته وبرؤيته
في 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قال الأمير محمد بن سلمان إن السعودية «ستعود إلى الإسلام المعتدل الوسطي المنفتح على العالم» وقال بشفافيته المعتادة: «سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على جميع الأديان». وأضاف «وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة. اتخذنا خطوات واضحة في الفترة الماضية بهذا الشأن، وسنقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل، ولا أعتقد أن هذا يشكل تحدياً، فنحن نمثل القيم السمحة والمعتدلة والصحيحة، والحق معنا في كل ما نواجه، وسندمر المتطرفين اليوم وفوراً»، وهو ما أعاد الأمير تأكيده في حواره مع صحيفة «واشنطن بوست» يوم الجمعة قبل الماضي بالقول: «أعتقد أن الإسلام عقلاني، معتدل، وسهل، وهناك من يحاول اختطافه».
ما لا يعرفه الغرب هو أن الأمير محمد قد دخل بالفعل في نقاشاتٍ طويلة مع العديد من الآراء الفقهية المتشددة مع بعض المتحفظين، في قضايا تدفع باتجاه إعادة ترتيب الأولويات الوطنية بما يتواءم مع الواقع والطموح، بحيث يكون الحضور الأقوى لبناء نماذج النجاح والتعامل على هامشها مع مخلفات الماضي لإصلاحها، ومن ذلك الموقف من التطرف الذي يعتبر الحاضن الطبيعي للإرهاب، ومعلومٌ موقف الأمير الصارم تجاه جماعة الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي، وتصريحاته في هذا السياق أوضح من الشمس.
توقّع كاتب هذه السطور أن يشغب بعض الإعلام الغربي مدعوماً من خصوم السعودية من إيران إلى «الإخوان» بذكر موضوع الوهابية باعتبارها أصل التطرف لتبرئة «الإخوان» وداعميهم من جهة، وللتعكير على صورة السعودية الجديدة، ففي حوار ولي العهد المذكور أعلاه سألوه عن الوهابية وأنها مصدر «الجهاد العالمي» وأجاب الأمير - باختصار - بأن «الدعم السعودي في تلك المرحلة لكل ما هو إسلامي كان في مرحلة الحرب الباردة بطلبٍ من حلفاء السعودية لمواجهة المدّ السوفياتي في الدول المسلمة».
الدعوة الإصلاحية في السعودية التي تسمى «دعوة التوحيد» أو «الوهابية» أو «السلفية» قامت تحت ظل الدولة السعودية الأولى والثانية، وقد أعاد ترتيب العلاقة معها مؤسس الدولة السعودية الثالثة، الملك عبد العزيز مؤسس الدولة الحديثة، في مواقف ونصوصٍ وأحداثٍ، منها قوله للباحث الأميركي من أصلٍ لبناني أمين الريحاني: «السياسة غير الدين» وقوله لبعض الفقهاء المتحفظين: «إنكم أصحاب دينٍ ولستم أصحاب سياسة» كما نقل عنه الزركلي.
غالب أمارات التطرف المعاصر تعود لجماعة الإخوان لا للوهابية، وقد سبق لكاتب هذه السطور عقد مقارنة علمية بين الجهتين في مقالة نشرت في هذه المساحة بتاريخ 21 سبتمبر (أيلول) 2014 وقد أصبحت الوهابية بعد الملك عبد العزيز تمثل «السلفية العلمانية»، بينما تمثل جماعات الإسلام السياسي «السلفية الحركية» في مقالة نشرت هنا في 7 أبريل (نيسان) 2013 وهذا لا ينفي أن الوهابية التاريخية كدعوة قديمة كانت بسبب انتمائها لتراثٍ إنساني طويل؛ تختزن تشدداً يناسب لحظتها التاريخية وانتماءها الزمني للماضي.
دون شكٍ، فثمة تفاصيل علمية طويلة، يمكن مناقشتها في غير هذا السياق إن في المفاهيم أو التواريخ أو الخطاب، ولكننا نتحدث هنا عن بناء الأمير محمد لعلاقاتٍ جديدة ومتشعبة مع كل مكونات أقوى دولة في العالم، ولا أدل على رؤية الأمير الإصلاحية التي خاطب بها المشككين هناك من ملف تمكين المرأة الذي يعيشه السعوديون في إصلاحاتٍ متتابعة، وأملاً يتحقق وحلماً يتابعون تطوره بسعادة يوماً بيومٍ.
فيما يتعلق بالسياق الدولي الذي أشار له الأمير محمد والحرب الباردة بين محوري الشرق والغرب آنذاك، فإنه يجدر التذكير بأن من أطلق شعار «سلاح الاعتقاد ضدّ تهديد الإلحاد» في تلك المرحلة كان الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور وليس أي ملك سعوديٍ، ولكن السعودية قامت حينها بما تتطلبه مصالحها ومصالح الحلفاء في تلك المرحلة.
وقد تحدث ولي العهد السعودي لصحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الجمعة الماضي بكلامٍ يوضح رؤيته ومشروعه وصراحته وشفافيته في ملاحقة التطرف وليس الإرهاب فحسب، وقال: «يجب أن نتخلص من التطرف، فمع عدم وجود التطرف لن يكون هناك إرهابي» فالتطرف سبب والإرهاب نتيجة، والإرهابي لا يخرج إلا من بيئة متطرفة تحتضنه ومن هنا أضاف الأمير بأن جماعة «الإخوان المسلمين هي حاضنة للإرهابيين».
تحدث الأمير كثيراً عما بعد العام 1979 وسيطرة خطاب التطرف لمدة أربعة عقودٍ لا في السعودية فحسب بل في المنطقة والعالم، وقد كانت لذلك أسبابٌ يطول شرحها، منها أنها كانت المرحلة التي شهدت انتعاش ما كان يعرف بالصحوة الإسلامية التي يؤرخ لها كثيرون بهزيمة 1967 وأثمرت نهاية السبعينيات عدة مؤشراتٍ مهمة منها نشوب الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي، ومنها قيام الثورة في إيران عام 1979 ومنها حادثة اقتحام الحرم المكي في الداخل السعودي، ومنها بروز الأجيال الأولى لتغلغل خطاب جماعة «الإخوان المسلمين» في التعليم السعودي، وهو ما أكده الأمير في حديثه مع برنامج «ستين دقيقة» بقوله: «بعد 1979 أصبحنا ضحايا للتطرف وخاصة من جيلي» وهو ما أعاد تأكيده في حوار «وول ستريت جورنال» بالحديث عن «تغلغل التطرف في المدارس والتعليم فيما مضى»، مشدداً على أنه لن يدع أبداً الأفكار المتطرفة تطال قطاع التعليم، بحسب «العربية نت».
أخيراً، فبعيداً عن هجمات المشككين أصبح العالم يعرف أن السعودية الجديدة هي رأس الحربة في محاربة التطرف سياسياً واقتصادياً، أمنياً وعسكرياً، ثقافياً وتعليمياً، ولم يزل الأمير محمد لم يبتدئ بعد، وسيرى العالم مجالاتٍ أخرى تضاف لهذه السلسلة من محاربة التطرف تحت قيادته وبرؤيته.
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة