غياب الترفيه ومحاربة الفن والطرب والترويح عن النفس، من أهم دوافع وبواعث الكراهية والبغضاء
الترفيه، وعلى رأسه الفن والطرب، وما يصاحبه من فعاليات فنية وثقافية ينظر إليها البعض على أنها ضرب من ضروب المتعة والترف ليس إلا، بينما هو في عمقه الثقافي تجلٍ من تجليات ثقافة الإنسان التي يندر أن تجد مجتمعًا إنسانياً من المجتمعات الحية لا يحفل بها ولا يعتبرها تراثاً وهوية وطنية يباهي بها ويفاخر، ولم يكن العرب استثناء من هذه المقولة، فقد عرفوا الفن والطرب والغناء وتميزت بها فترات تألقهم الحضاري في عصور ازدهارهم، وكانت آلات الطرب والفن لها صناعها ومبدعوها وتجارها، رغم أن حلها من حرمتها محل اختلاف بين فقهاء وأئمة المذاهب، إلا أن الاختلاف بين الفقهاء يكون في الغالب مسوغاً لقبول مثل هذه الفعاليات والتسامح تجاهها؛ ومن التدليس القول بإجماع فقهاء أهل السنة والجماعة على تحريمها.
هنا يجب أن نعترف بأننا قبل هذا العهد السلماني الزاهر قد أغفلنا غرس القيم الوطنية في أعماق الإنسان السعودي، لأسباب (تزمتية) ما أنزل الله بها من سلطان، فأنتجت لنا هذه الممارسة التزمتية شبابًا غلاظاً جفاة متشددين، كأنهم شربوا التوحش والعدوانية من أثداء أمهاتهم، بل إن منهم من يعتبر الانتماء للوطن (وثنية)
وقد احتفى بالفن والطرب كثير من الخلفاء والأمراء وكبار الموسرين، وكانت الأَمَة المغنيّة يصل ثمنها إلى أضعاف ثمن قريناتها كما يقول التاريخ، ومن الملاحظ أن ثمة علاقة عكسية بين فترات التزمت وفترات التسامح والتحضر، فكلما ساد التزمت وتسلط المتزمتون على الناس، تقلص الفن والطرب وسادت الغلظة والفظاظة والجلافة، والعكس صحيح. لذلك فإن غياب الترفيه ومحاربة الفن والطرب والترويح عن النفس، من أهم دوافع وبواعث الكراهية والبغضاء، ولو أخذت السنوات الثلاث الأخيرة من حكم الملك سلمان، والتي انتشر فيها التسامح والانفتاح الاجتماعي بكل أنواعه، لوجدت أن ظاهرة الإرهاب والإرهابيين انتهت أو تكاد من مجتمعاتنا. فالشاب بطبعه يكون مكتظاً بالحماس الإنساني، فإذا استطعنا أن نفرغ حماسه واندفاعه بالفنون والترفيه والرياضات والهوايات على مختلف أنواعها التي استقطب حماسه بعيدًا عن العنف وكل ما يثير النعرات العدوانية، فستكون في المحصلة النهائية قد حاصرت تلقائيا ثقافة الإرهاب والعنف والكراهية والتشدد الذي يُفضي إلى الإرهاب.
الأمر الآخر الذي من شأنه تكريس القيم الوطنية وتجذير الانتماء الوطني، هو أيضاً الفن والطرب، فقصيدة وطنية واحدة مثل (فوق هام السحب) تحرك في الإنسان السعودي، وبالذات الشباب منهم الحماس والانتماء الوطني. وهنا يجب أن نعترف بأننا قبل هذا العهد السلماني الزاهر قد أغفلنا غرس القيم الوطنية في أعماق الإنسان السعودي، لأسباب (تزمتية) ما أنزل الله بها من سلطان، فأنتجت لنا هذه الممارسة التزمتية شبابًا غلاظاً جفاة متشددين، كأنهم شربوا التوحش والعدوانية من أثداء أمهاتهم، بل إن منهم من يعتبر الانتماء للوطن (وثنية)، فالانتماء في قواميسهم هو للأمة والدفاع عنها والذود عن حياضها، لذلك تجدهم يبحثون عن مكامن الإرهاب في مشارق الأرض ومغاربها، فيجعلون من أنفسهم حطبًا لهذه النزاعات، والسبب في تقديري أننا لم نغرس في أعماقهم وأمزجتهم أن حب الوطن والتضحية من أجله يأتيان على رأس سلم أولويات الانتماء.
الآن، وأنت ترى هذا الاحتفال الكبير باليوم الوطني وحماس الشباب منقطع النظير للاحتفاء به، أجزم بأن أجيال المستقبل سيكون الوطن هو الانتماء الأول الذي لا يعلو عليه أي انتماء آخر.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة