جدة.. العاصمة الاقتصادية والسياحية للسعودية التي يعود تأسيسها إلى ما يقارب 3 آلاف سنة.. مدينة بحق تتوسد التاريخ وتعانق المستقبل.
منذ أن أبلغتني إدارة سكاي نيوز عربية بأنني ضمن فريق تغطية الحج، اعترتني أحاسيس جياشة واختلطت مشاعري، أولاً لأنني سأزور البقاع المقدسة لأول مرة، أفضل وأقدس مكان في الأرض يستحق الزيارة، وثانياً كنت أترقب الفرصة لأكتشف المملكة عن كثب، خصوصاً جدة التي قرأت وسمعت الكثير عن تاريخها.. مدينة تختلط فيها الأجناس والأعراق، وهي عنوان للتسامح على مر العصور.
عشرة أيام بلياليها، قضيناها نجوب البقاع المقدسة والفخر يغمرنا، لأن بلداً عربياً يقدم نموذجاً رائعاً في إدارة نحو مليونين ونصف مليون إنسان، في رقعة جغرافية ضيقة بكل سلاسة ويُسر، بل سخر موارده لمنشآت تخدم الحجاج على مدار الساعة
في الوقت نفسه، بدأت تحاصرني الأسئلة التي كان خصوم المملكة يتهامسونها سراً ويصدحونها علناً، هل بلد بحجم قارة عاجز فعلاً عن تنظيم الحج؟! وهل تستثمر السعودية هذه الفريضة، خدمة لمصالحها، أم تسخر مواردها لراحة حجاج بيت الله الحرام؟!
كانت مهمتي تتلخص في التنقيب عن الحقيقة، والبحث عن الإجابات بكل تجرد عن طريق الرصد والملاحظة.
حان موعد التغطية، ودخل فريقنا المملكة من أبواب متفرقة لبدء المهمة.. ذلك أن سكاي نيوز عربية أرستْ تقليداً حميداً، يتمثل في انتداب كوادرها من مختلف مكاتبها في العالم، لتقديم تغطية إعلامية متميزة، كتلك المتعلقة بالحج.. بعضنا -وكنا أكثر من عشرين- جاء من أبوظبي، والبعض الآخر من القاهرة وبغداد والخرطوم وأربيل وغزة ولندن.. والتحمنا مع زملائنا في الرياض وجدة.. كنا خليطاً من الأجناس والثقافات والعقليات.. بعضنا التقى لأول مرة.. وشكّلنا لفيفاً مهنياً جميلاً، كما لو أننا عملنا معاً سنوات.
جمعتنا جدة.. هذه العاصمة الاقتصادية والسياحية للمملكة، التي يعود تأسيسها إلى ما يقارب ثلاثة آلاف سنة.. مدينة بحق تتوسد التاريخ وتعانق المستقبل.. كان لافتاً أنها تحاكي تطور العالم، دون أن تنسلخ عن ماضيها وموروثها.. يتجلى نموها السريع أكثر في عمرانها وأسواقها ومراكزها التجارية والمالية.
غير بعيد عن عروس البحر، كانت الوجهة مكة المكرمة، هذه التي تهواها الأفئدة، وتتلهف إليها القلوب.. وقد بدت هي الأخرى تتجمل في أبهى صورها، وتعلن نفسها مدينة ذكية.. تتطلع لواقع أجمل، في ظل الرؤية الطموح 2030، من خلال بنية تحتية تنمو بشكل غير مسبوق، ومشاريع عملاقة تسعى لتحويل معالمها إلى جنة فوق الأرض.
وصلنا قلب مكة، ونَصبنا عدساتنا أمام الحرم المكي مباشرة في استديو أنيق.. فيما انتشر مُراسلونا في البقاع المقدسة.. يتحسسون مشروعات المملكة ومبادراتها وخططها التشغيلية، في مختلف القطاعات، في حج هذا العام.. وتكفلت شخصياً بمحاورة ضُيوفنا عن واقع الحج ومستقبله.. عن العالم الذي قيل إنه في قلب مكة.. عن الحج الذكي والآمن.. عن طريقي مكة والهجرة.. عن المسجد الحرام الذي سيستقبل 5 ملايين حاج و30 مليون معتمر سنوياً، بعد نحو 12 عاماً، وعن الكثير.. والحق يُقال إن الزملاء لم يجدوا عناءً في إعداد التقارير، ففي كل زاوية أو ركن في البقاع المقدسة، قصة أو مشروع يحكي عن نفسه.. فتلك الأراضي الطاهرة تحولت إلى ورشة من الأفكار المبتكرة والإنجازات الخلاقة والمشاريع الواعدة.
كنت أقرأ في عيون الزملاء رغبة شديدة، في نقل كل هذه الحقائق ولو كلفهم العمل أكثر من 18 ساعة في اليوم.. لا لشيء وإنما لتنوير الرأي العام بأهمية الجهود التي تبذلها السعودية في سبيل راحة الحجاج وأمنهم وسلامتهم، فضلاً عن سعيها الدؤوب لتيسير الحج وجعله تجربة أقل مشقة.
نقول ذلك لأنه رغم الجهود المبذولة، فإن هناك من لا يزال يدق الأسافين، ويسعى للطعن في قدرة السعودية على حُسن تنظيم الحج وإدارة الحشود، واستغلال الشعيرة الدينية لأغراض سياسية.
عشرة أيام بلياليها، قضيناها نجوب البقاع المقدسة والفخر يغمرنا، لأن بلداً عربياً يقدم نموذجاً رائعاً في إدارة نحو مليونين ونصف مليون إنسان، في رقعة جغرافية ضيقة بكل سلاسة ويسر، بل سخر موارده لمنشآت تخدم الحجاج على مدار الساعة.
انقضت رحلتنا الصحفية، وثمة عقول في السعودية بدأت تفكر في موسم الحج المقبل، وأفكار كثيرة تلوح في الأفق، عن طريق استخدام التقنية فائقة التطور تواكب العصر، من خلال الأساور الذكية والسماعات الإلكترونية، فضلاً عن الطواف حول الكعبة بالتليفريك المتحرك، لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.. لكل هذا الجهد الكبير والمضني أحببنا المملكة التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة